مختارات من الكتب
نيقولاس فان دام : مسألة خلافة حافظ الأسد .. بعض السيناريوهات
فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995.
الفصل التاسع – نخبة السلطة في عهد الرئيس حافظ الأسد
4- مسألة خلافة حافظ الأسد .. بعض السيناريوهات
في مقابلة مع مجلة “تايم” في الثالث عشر من تشرين الثاني عام 1992، رد الرئيس الأسد حول التساؤل عن من سيكون خليفته قائلاً:
“ليس لدى خليفة. إن من يحدد الخليفة هم المؤسسات والمنظمات الحكومية والدستورية والمؤسسات الحزبية، وأنا أؤمن أنها جميعهاً تتمتع بجذور عميقة نظراً لخبرتها الطويلة الممتدة عبر عشرين أو اثنين وعشرين عاماً، وهي قادرة على احتواء هذا الموقف”.
وقد يتضح أن مسألة الخلافة غير أكيدة على النحو الوارد بعاليه. فمع رحيل حافظ الأسد سينشأ وضع جديد قد يتغير فيه الكثير من الأمور، حيث أن البنية الحالية تعتمد لحد كبير على الشخص الرئيس ذاته. وفي حالة وفاة الرئيس بشكل طبيعي، سيبدو منطقياً أن تنتقل السلطة أولاً بأسلوب دستوري لأعلى الرتب في الدولة والحكومة والجهاز الحزبي، وقد يظل أنصار حافظ الأسد العسكريون البارزون من العلويين وأتباعهم لفترة ما مخلصين لبعضهم البعض، فيحكمون الدولة كمجموعة، بالإشتراك مع بعض البعثيين المدنيين وكبار العسكريين الصوريين من السنيين الذين تقلدوا مناصب هامة داخل الحزب والحكومة لزمن طويل. وقد يتقبل اللواءات العلويون بشار نجل الرئيس الأسد مؤقتاً كقائد صوري يوحد صفوفهم ويجسد رمزياً رغبتهم في استمرارية تراث الرئيس لبعض الوقت، وأيضاً من أجل تفادى الإنشقاق بين صفوف العلويين.
وفي سوريا لم يحدث أن نجح تطبيق مبدأ القيادة العسكرية الجماعية لفترة طويلة، فإذا جاء من يحتذي بالماضي فسيجد أن هذا يفيد إلا مؤقتاً، وسرعان ما سيظهر صراع جديد على السلطة بين صفوف العلويين.
وكما ذُكر بعاليه، فإن أنصار حافظ الأسد العسكريين البارزين من العلويين، حالهم حال الرئيس. قد تقدمت بهم السن، ولذلك فهو ليس من المتوقع أن يستمروا طويلاً بعد الرئيس. وقد يؤدي الصراع على السلطة بين صفوف العلويين إلى العديد من التصفيات الداخلية فينتهي الأمر بظهور ضابط علوي آخر- ربما من جيل أصغر- يتقلد زمام الحكم. وقد يكون هذا السيناريو دموياً، أو قد يكون سليماً نسبياً، لو أن العسكرية العلوية قررت لأغراض عملية أن تبقى متماسكة من أجل الحفاظ على سلامتها وبقائها، ومن أجل عدم المخاطرة بالتحسينات الهائلة التي تمتع بها العلويون كمجموعة في ظل الحكم البعثي في جميع المجالات كالتعليم والوضع الاجتماعي والأوضاع الاقتصادية والإمتيازات والسلطة العسكرية والمدنية. وقد ترغب مجموعات أخرى من الأقليات الريفية لأسباب مشابهة في الإمتناع عن التدخل في الصراع في السلطة. ويبدو أن الكثير من المسيحيين يفضلون نظام الأسد أو خليفة علوياً عن أي بديل أصولي سني.
والسيناريو البديل لذلك قد يكون قيام بعض الضباط العلويين بالبحث عن حلفاء عسكريين وسياسيين خارج مجموعتهم من أجل تعضيد مركزهم ضد منافسيهم. وعلى العكس، قد يسعى السنيون وآخرون غير العلويين، ضباطاً وسياسيين، للتحالف مع ضباط علويين، بغية اختراق التضامن العلوي وتحقيق أغراض سياسية بديلة. وهنا قد تتمزق بنية النظام الحالي وتتم الإطاحة بالسيادة العسكرية العلوية بشكل دموي. لذلك، فالسيناريو الذي تتم فيه الإطاحة بالنخبة العلوية الحاكمة سيكون حتماً عنيفاً للغاية. إن إمكانية انتقام مجموعات من السكان من مظاهر القمع التي عانوا منها في ظل الحكم البعثي تحت سيطرة علويين أمر وارد بوضوح.
العلويين أصبح لديهم الآن كم هائل من الأعداء والكثير من الضغائن الدموية، مما جعل من المستبعد أن يغامروا بالسماح بخروج السلطة بين صفوفهم، خشية وقوع تصفية مروعة للحسابات.
بيد أن الطموحات الشخصية داخل الدوائر العلوية وغيرها من العوامل قد تؤدي إلى إنقسام صفوف العلويين وإضعاف تضامنهم. وبالأخذ في الاعتبار بالتحسينات الهائلة لمركزهم في ظل الحكم البعثي، نجد أن العلويين يجازفون بشكل عام بالكثير. لذلك، فالسيناريو الذي تتم فيه الإطاحة بالنخبة العلوية الحاكمة سيكون حتماً عنيفاً للغاية. وطالما ظلت السيطرة العلوية فإن المعارضة السنية ستظل تشكل خطراً محتملاً على النظام، ولو بالأمد الطويل.
وهناك سيناريو ثالث ينبثق عن الأول، وهو إمكانية قيام تحالف بين العسكريين العلويين والمدنيين البرجوازيين السنيين، بحيث تتطور الأمور نحو المزيد من التعددية والديمقراطية، إلا أن الاستمرار في الفساد والاستياء من الأوضاع الإقتصادية بين قطاعات كبرى من المجتمع قد يشكل عقبات جسيمة. هذا بالإضافة إلى أن مثل هذا التحالف بين العسكريين العلويين والبرجوازيين السنيين سيبدو وكأنه قائم أساساً بسبب التطابق المؤقت بين المصالح المشتركة التي لا تضمن نجاح مثل هذا السيناريو على الأمد البعيد. بالإضافة إلى ذلك فإنه جديد بالملاحظة أن التحرر الاقتصادي لا يؤدي بالضرورة إلى الديمقراطية.
فخلال المؤتمر الذي عقد في لندن عام 1993 حول التغيير الاقتصادي والسياسي في سوريا، نزع الحاضرون إلى أن التحرر الاقتصادي في سوريا غالباً سوف يُفضى إلى تغيير سياسي محدود، وأنه في غياب ضغوط إضافية لن يتحقق التحرر السياسي الكامل أو حتى الديمقراطية، حتى رغم احتمال عودة الحياة السياسية.
وفي هذا الشأن يلاحظ فولكر برتس، أحد المشتركين في المؤتمر أن الحالة السورية تتعارض مع الحجج المناسبة التي كثيراً ما تتردد في نقاشات غربية حول سياسة التنمية والتي تفيد بأنه لا يمكن الفصل بين التحرر الاقتصادي والتحرر السياسي، وأن التحرر الاقتصادي يؤدي إلى مزيد من التحرر السياسي والديمقراطي وينتهي بالاعتماد عليها… ومن الممكن اعتبار التعددية المحدودة والانتقائية التي يمنحها النظام بمثابة أسلوب للحفاظ على النظام أكثر منه أسلوباً للديمقراطية أو التحرر السياسي الملموس.. فالحالة السورية تقول لنا إن التحرر الإقتصادي أمر ممكن وناجح دون الحاجة لأن يصحبه تغيير سياسي حقيقي.
وبأخذ نتائج هذه الدراسة في الاعتبار يبدو أنه من العسير للغاية أن نتخيل سيناريو يتحول فيه النظام الحالي الاستبدادي بقاعدته الضيقة والذي يسيطر عليه أعضاء من الأقلية العلوية التي عانت في الأصل من التمييز في المعاملة من قبل الأغلبية السنية وقامت بدورها بقمع جانب من السكان السنيين بقسوة في العديد من المناسبات إلى قاعدة ديمقراطية أوسع بأسلواب سلمي تشمل نسبة اكبر من الأغلبية السنية.
إن التحول من ديكتاتورية يسيطر عليها علويون إلى ديمقراطية في سوريا وإنما يعنى أن المؤسسات القمعية الحالية لابد وأن تُحل، وأن النظام عليه أن يتخلى عن مراكزه المتميزة. وبما أنه يبدو أن الأغلبية السنية بوجه عام لم تتخل عن تحيزها وموقفها السلبي المعتاد تجاه الديانة العلوية والعلويين بشكل عام بل ون الممكن الجدل بأن الضغائن السنية ضد العلويين قد ازدادت نتيجة الديكتاتورية التي يسيطر عليها علويون فمن المنطقي أن نتوقع أن القادة العلويين في مراكزهم المرموقة ليس بوسعهم أن يعولوا على كثير من التفهم من قبل نظام أكثر ديمقراطية “أو ربما أقل ديكتاتورية” تتحكم فيه أغلبية سنية.
إن سيناريوهات متخيلة كهذه تزيد من صعوبة احتمال أن يقوم النظام البعثي الذي يسيطر عليه علويون بالتخلي دون مقاومة عنيفة عن مراكزه الحالية لصالح نظام أكثر ديمقراطية قد ينتهي به المطاف نظراً لغياب تقليد ديمقراطي طويل الأمد في سوريا إلى ديكتاتورية سنية “قد تكون إقليمية / أقلية” يسعى أعضاؤها للانتقام من القادة والطغاة العلويين السابقين(1).
(1) للإطلاع على تفاصيل التوثيق وتوضيح بعض الأحداث أعلاه راجع:
فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995، صـ 185 – 187
اقرأ:
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الأول .. المقدمة :
1- العوامل التي ساهمت في الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية في سورية
2- الإقليمية في سوريا خلال فترة الاستقلال
3- الأقليات الدينية المتماسكة .. العلويون
4- الأقليات الدينية المتماسكة .. الدروز والإسماعيليون
الفصل الثاني: ظهور الإقليات في القوات المسلحة السورية وحزب البعث
1- التداخل الطائفي والإقليمي والعشائري والإجتماعي الإقتصادي
2- التمثيل القوي لأعضاء الأقليات في حزب البعث
3- الحواجز الإجتماعية التقليدية أمام التوسع الطبيعي لحزب البعث
4- الشقاق الحزبي الإنصرافي داخل جهاز حزب البعث المدني
5- انتخابات حزب البعث المحلية عام 1965
6- أعضاء الأقليات في القوات المسلحة السورية قبل عام 1963
7- الاحتكار البعثي للسلطة في سورية 1963
الفصل الثالث: الإستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية بين السنيين والإقليات الدينية
1- التكتل الطائفي والإقليمي والعشائري في النخبة العسكرية البعثية
2- التمييز الطائفي ضد السنيين في القوات المسلحة السورية
3- فشل سياسة الطائفية العلنية كتكتيك.. إبعاد محمد عمران
4- الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1965
5- الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1966
6- التنظيم السري للقيادة القومية المخلوعة عام 1966
الفصل الرابع: تصفية الضباط الدروز ككل منفصلة داخل القوات المسلحة السورية
2- الاستقطاب الطائفي العلوي – الدرزي وإنقلاب سليم حاطوم
3- الدعاية الطائفية ضد العلويين
4- التصفيات اللاحقة لإنقلاب حاطوم الفاشل
5- تصفية الجماعات الحورانية البارزة
الفصل الخامس – الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية
1- التنافس بين حافظ الأسد وصلاح جديد
2- الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية قبل عام 1970
3- الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية بعد عام 1970
الفصل السادس – الشقاق الحزبي الطائفي والإقليمي في نخبة السياسيين السوريين: تحليل إحصائي
1- تحليل إحصائي لمؤسسات السلطة السياسية السورية 1961- 1995
2- ثورة تاريخية في النخبة السياسية السورية 1963
3- الوزارات السورية والقيادة القطرية
4- العسكريون في القيادات القطرية السورية
الفصل السابع – التحريض الطائفي والمواجهة
1- التحريض الطائفي – مذبحة حلب
2- الدعاية الإعلامية المضادة للطائفة العلوية 1979
3 – تهديدات الحرب الأهلية الطائفية في سورية 1979 – 1980
4- الطائفية والفساد وغياب الانضباط الحزبي 1979- 1980
5 –الفشل البنيوي في كبح الطائفية في سورية 1979 – 1980
الفصل الثامن – المواجهة الطائفية – القضاء على الإخوان المسلمين
1 –تسليح البعثيين ومذبحة تدمر عام 1980
3- الدعاية الدينية السنية ضد العلويين
الفصل التاسع – نخبة السلطة في عهد الرئيس حافظ الأسد
1- الأخوة الأسد
2- نخبة السلطة العسكرية البعثية
3-جهاز حزب البعث المدني.. تحليل إحصائي ..
4- مسألة الخلافة.. أبناء الأسد