مختارات من الكتب
نيقولاس فان دام : جهاز حزب البعث المدني.. تحليل إحصائي ..
فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995.
الفصل التاسع – نخبة السلطة في عهد الرئيس حافظ الأسد
3-جهاز حزب البعث المدني.. تحليل إحصائي ..
يؤكد تحليل الإحصائيات الواردة بالتقرير التنظيمي 1985 النتائج الخاصة بالفترات السابقة والتي تشير إلى أن عضوية حزب البعث كانت أقل انتشاراً في المدن الكبرى كدمشق وحلب وأكثر انتشاراً في المناطق الريفية. وتؤكد جلياً مقارنة التوزيع الجغرافي لأعضاء الحزب العاملين لجميع السكان المحليين بكل منطقة التمثيل القوى لحزب البعث أثناء الثمانينات كما كان من قبل في منطقة اللاذقية والمناطق الريفية الجنوبية.
وكما ذُكر من قبل، ولأسباب عملية، قد تم معاملة منطقتي اللاذقية وطرطوس في هذه الدراسة كمنطقة واحدة، بيد أنه إذا ما تناولناهما على حدة كما هو الحال اليوم نستنتج الآتي من تحليل التقرير التنظيمي.
لدى إجراء مقارنة بين سكان مناطق معينة وعدد الأعضاء العاملين المحليين نستنتج أن حزب البعث في طرطوس كان إحصائياً ممثلاً أكثر من المتوسط بدرجة 201% “أي، هناك ضعف عدد أعضاء الحزب المتوقع وجودهم على أساس التعداد المحلي لو أن حزب البعث كان موزعاً بالتساوي على جميع سكان سورية”، وفي اللاذقية بنسبة 146%. ويمكن تفسير النسبة المنخفضة في اللاذقية بالنظر إلى ارتفاع عدد سكانها المدنيين 41.8 % مدنيون في اللاذقية مقابل 20.2 في طرطوس”. ولدى اعتبار اللاذقية وطرطوس سوياً يكون التمثيل أكثر من المتوسط بنسبة 170.5%.
وفي مدينتي دمشق وحلب نجد أن أعضاء حزب البعث العاملين كانوا “ممثلين أقل من المتوسط” نسبياً بحوالي 71% و 41% على التوالي، مع الآخذ في الاعتبار أن هذه النسبة محُسنة، حيث أن العديد من البعثيين الريفيين الذين هاجروا لمثل هذه المدن الكبيرة نُقلت عضويتهم لفروعهم الحزبية الجديدة “المدنية أساساً”.
ومن بين المناطق الريفية الأخرى نجد أن المناطق الجنوبية فقط هي التي كانت أيضاً ممثلة جلية أكثر من المتوسط: فرع الحزب بالسويداء كان ممثلاً أكثر من المتوسط بنسبة مرتفعة بشكل خاص 202% بينما درعا كان ممثلاً من المتوسط بنسبة 131%، وفرع الجولان – القنيطرة الريفي أساساً كان ممثلاً أكثر من المتوسط بنسبة 186%. ومن الممكن أن يكون السبب وراء هذا التمثيل العالي هو الاحتلال الإسرائيلي للجولان الذي ربما يكون قد حرض السكان الذين أصبح الكثير منهم لاجئين بعد حرب عام 1967 على أن يكونوا أنشط سياسياً.
وعلاوة على ذلك، كان التعامل مع فرع القنيطرة كوحدة مستقلة، بغض النظر عن أن معظم أعضائه كانوا مضطرين للإقامة بعيداً عن بلدهم، ولم يتم تحويل عضويتهم لفروع المناطق التي ارتحلوا إليها.
ولابد من ملاحظة أن التمثيل القوى للدروز والمناطق الريفية الجنوبية بوجه عام لم يكن معكوساً بأي حال من الأحوال في الرتب الأعلى للتنظيم العسكري الجبار لحزب البعث المُسيطر عليه من قبل العلويين.
وعند مقارنة أعداد العضوية كنسبة سكان كل منطقة المؤهلين لأن يصبحوا أعضاء “أي 14 عاماً فأكثر” تظهر لنا صورة مشابهة، فبينما متوسط العضوية في جميع أنحاء الدول يصل إلى 8.36 % من مجموع السكان، إلا أن فروع اللاذقية 14.91 وطرطوس 18.85 والسويداء 16.53 والقنيطرة 14.12 تُظهر تمثيلاً أكثر من المتوسط بشكل لافت للنظر. وإذا أخذنا معاً فرعي اللاذقية وطرطوس العلويين أساساً من حيث الأعداد المطلقة 19.15 نجدهما يشكلان الجزء الأكبر من تنظيم الحزب الكلي.
وذكر التقرير التنظيمي لعام 1985 أنه في الفترة السابقة للمؤتمر القطري السابع “المنعقد في كانون الثاني عام 1980” كان جهاز الحزب مغموراً بآلاف الأعضاء الجدد الذين تمتعوا بلقب “نصير” دون مراعاة قواعد ومعايير القبول الموضوعية. ونتيجة لذلك، تضخم الحزب إلى حد أنه لم يعد قادراً على استيعاب الأعضاء الجدد مما جعلهم عبئاً على قيادة الحزب.
بعد ذلك، في الفترة ما بين 1980 – 1984، تقرر فصل حوالي 133580 عضواً نصيراً من الحزب، اي أنه تم تصفية حوالي ثُلث جهاز الحزب بالكامل فيما يتعلق بالأنصار. وخلال الفترة ذاتها تم تصفية 3242 من الأعضاء العاملين، وهي نسبة تصفية أقل كثيراً وتتعدى بالكاد 4%.
وتم وصف الوضع في التقرير التنظيمي عام 1985 كالآتي:
برزت ظاهرة التسيب في صفوف الأنصال قبل المؤتمر القطري السابع، من خلال اتباع سياسة التوسع في التنسيب بتغليب الكم على حساب النوع، مما نتج عنه تنسيب الآلاف من المواطنين دون مراعاة معايير التنسيب المقررة في النظام الداخلي، وهذا بالتالي أدى إلى تضخيم جهاز الأنصار بشكل فاق قدرات المؤسسات الحزبية على الاستيعاب والقيادة وحسن الأشراف، بسبب قلة وضيق المقررات الحزبية، وقلة الأطر القيادية المؤهلة مسبقاً لهذه الغاية، والافتقار لمستلزمات العمل الحزبي الذي يتطلبه هذا التضخم، مما أدى إلى الإهمال والانقطاعات وبروز ظاهرة التسيب تدريجياً، وهذا الأمر رتب عبئاً ثقيلاً على القيادات الحزبية اللاحقة وأربكها، مما اضطرها لاتخاذ قرارات الفصل الجماعية، وفصلت بالآلاف وهكذا “المقدمات الخاطئة أدت بالضرورة الحتمية إلى هذه النتائج” حيث بلغ عدد الأنصار المفصولين خلال هذه الدور 133580 نصيراً.
وقد قيل في هذا الموضوع أن التنسب الحاصل في بعض الفروع كان وهمياً، وحقيقة الأمر، بعد التدقيق والتحقيق تبين أن التنسيب لم يكن وهمياً بل كيفياً عشوائياً، بهدف بلوغ الأرقام المقررة في الخطط والتباري فيما ينسب أكثر. وان المنتسبين موجودن على أرض الواقع أحياء يرزقون، لكن وجودهم في الحزب ليس أكثر من حبر على ورق.
وبالرغم من دراسة هذه الظاهرة، اقتصرت المعالجة على الفصل بأعداد كبيرة، وبقيت الظاهرة بحاجة إلى الكثير من الاهتمام لمعالجتها بأساليب متعددة آخرها الفصل.
وطبقاً للاحصائيات المنشورة في التقرير التنظيمي 1985 فإن حوالي 39.5% من 133580 عضواً نصيراً جديداً كان قد تم فصلهم خلال العامين الأولين 1980-1981 عقب المؤتمر القطري السابع. بينما تم تنفيذ تدابير الفصل خلال هذه الفترة بالتساوي تقريباً على معظم المناطق السورية، إلا أن الفصل في منطقة اللاذقية كان فوق المتوسط بشكل واضح. ودل هذا على أن تطبيق الاجراءات هناك كان أكثر تسيباً منه في مناطق أخرى. من بين جميع الأعضاء “الأنصار” المفصولين في 1982 14.584 نجد أن أكثر من نصف هذا العدد 52% من فرع الحزب بحماة. وهذا لا يدعو للدهشة، حيث أنه في عام 1982 وضعت العلاقات الاجتماعية في حماة تحت أدق الاختبارات لدى اندلاع المواجهات الدامية في شباط من هذا العام بالعاصمة الإقليمية بين الإخوان المسلمين والقوات المسلحة السورية التي حاصرت المدينة حينذاك. فعندما حاول الإخوان المسلمون تحقيق استقطاب طائفي داخل القوات المسلحة السورية ونظام البعث، ظهر عدم ولاء وعدم ثقة العديد من الأعضاء المدنيين الأنصار الذين كان تم تعيينهم فيما سبق على أساس عشوائي. لذلك، كان لا بد من فصل أعداد كبيرة.
وسبب آخر لضرورة فصل العديد من الأعضاء “الأنصار” وغيرهم كان ظاهرة الانتهازية التي تفشت داخل الحزب خلال منتصف الثمانينيات بسبب نجاح الكثير في أن يصبحوا جزءاً من النظام، وذلك بغرض تحقيق مكاسب مادية وغيرها من الامتيازات الموجودة. ويبدو أن الحملات السابقة ضد الفساد باءت بالفشل. وقد وصف التقرير التنظيمي 1985 الوضع كالآتي:
(ظاهرة الانتهازية
عندمت تغلب الكم على النوع – كما أسلفنا- تسرب إلى صفوف الحزب انتهازيون وشكلوا ظاهرة خطيرة، فهؤلاء لا ينقطعون عن الاجتماعات، ولا يتخلفون في دفع الاشتراكات، ويظهرون الطاعة والولاء والتزام، وهم كالزئبق الجراج، لا رأي لهم في أمر، صواباً كان أم خطأ، شغلهم الشاغل الوصول إلى مواقع القيادة والمسؤولية، لتحقيق المكاسب المادية والمعنوية، وجنى الثمار على حساب المناضلين وسمعة الحزب في آن واحد، معتقدين أن وجود الحزب وجود مؤقت، وأنه زائل بعد حين، ولهذا يغتنمون الفرص للاثراء غير المشروع، بامتلاك المساكن، واقتناء النفائس وحيازة المزارع والاتجار بالعقارات وممارسة السمسرة والتهريب وتسخير آليات الحزب والدولة لإغراضهم الشخصية الخاصة، ضاربين عرض الحائظ بقيم الحزب النضالية الثورية. ومعالجة هذه الظاهرة المدمرة مسؤولية مؤتمركم هذا والقيادات المختلفة مستقبلاً، إذ يتوجب حجب الامتيازات بأنواعها عن هؤلاء ومحاسبتهم، واعطاء المهام في القيادة والمسؤولية للرفاق المناضلين وفق معايير النضال الثابتة).
وقد وصلت عضوية الحزب في تشرين الأول عام 1985 إلى 537864 عضواً، من بينهم 102392 عضواً عاملاً، و435472 نصيراً. وهذا يعني أنه في الفترة ما بين 1978- 1985 ارتفع عدد أعضاء الحزب المدنيين إلى أكثر من الضعف، على الرغم من التصفيات العديدة المذكورة بعاليه.
وكان امتياز حضور مؤتمرات حزب البعث القطرية يُمنح فقط للأعضاء العاملين الذين امتدت عضويتهم لعشر سنوات على الأقل، بجانب أعضاء القيادة القطرية واللجنة المركزية وممثلي شُعب الحزب وبعض القطاعات الأخرى. بيد أن صرامة هذه القواعهد لم تستبعد الإمكانيات الأخرى البديلة للإطلاع بدور فعال داخل حزب البعث والنظام.
ويمكن استنتاج أن جهاز الحزب المدني كان يعكس بنية السلطة داخل جهاز الحزب العسكري وليس العكس. وكما كان الحال داخل صفوف الجيش، فإن تمثيل الريفيين كان قوياً بين البعثيين المدنيين، وخاصة من اللاذقية. بيد أنه على عكس ذلك، لم ينعكس التمثيل القوى بين المدنيين في المناطق الريفية الجنوبية بما في ذلك منطقة السويداء التي يسودها الدروز داخل جهاز حزب البعث العسكري. لقد قام البعثيون المدنيون بدور مؤيد ومكمل للحكام العسكريين الذين تمتعوا بسلطة مطلقة، ولولا تأييدهم لأصبح المدنيون مسلوبي السلطة. إن تصفية 30% من الأعضاء المدنيين من الحزب في غضون فترة وجيزة نسبياً دون حدوث ردود فعل خطيرة على الاستقرار الداخلي للنظام إنما هو مؤشر واضح لوضع البعثيين المدنيين الثانوي بالنسبة للبعثيين العسكريين: فلم يكن البعثيون المدنيون يتمتعون بأي سلطة بديلة. وقد جادل ريموند هينيبوش بأنه “مهما ضعف المركز إلا أنه مرتبط بالمجتمع عن طريق شبكة كثيفة من التركيبات التي أقامت أسساً متينة في القرى”. ومع ذلك، فإن الجهاز العسكري يقوم بدور محوري في قيادة الدولة السورية، وبدونه تفقد شبكات حزب البعث الجماهيرية / الريفية قواعد سلطتها(1).
(1) للإطلاع على تفاصيل التوثيق وتوضيح بعض الأحداث أعلاه راجع:
فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995، صـ 174 – 181
اقرأ:
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الأول .. المقدمة :
1- العوامل التي ساهمت في الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية في سورية
2- الإقليمية في سوريا خلال فترة الاستقلال
3- الأقليات الدينية المتماسكة .. العلويون
4- الأقليات الدينية المتماسكة .. الدروز والإسماعيليون
الفصل الثاني: ظهور الإقليات في القوات المسلحة السورية وحزب البعث
1- التداخل الطائفي والإقليمي والعشائري والإجتماعي الإقتصادي
2- التمثيل القوي لأعضاء الأقليات في حزب البعث
3- الحواجز الإجتماعية التقليدية أمام التوسع الطبيعي لحزب البعث
4- الشقاق الحزبي الإنصرافي داخل جهاز حزب البعث المدني
5- انتخابات حزب البعث المحلية عام 1965
6- أعضاء الأقليات في القوات المسلحة السورية قبل عام 1963
7- الاحتكار البعثي للسلطة في سورية 1963
الفصل الثالث: الإستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية بين السنيين والإقليات الدينية
1- التكتل الطائفي والإقليمي والعشائري في النخبة العسكرية البعثية
2- التمييز الطائفي ضد السنيين في القوات المسلحة السورية
3- فشل سياسة الطائفية العلنية كتكتيك.. إبعاد محمد عمران
4- الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1965
5- الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1966
6- التنظيم السري للقيادة القومية المخلوعة عام 1966
الفصل الرابع: تصفية الضباط الدروز ككل منفصلة داخل القوات المسلحة السورية
2- الاستقطاب الطائفي العلوي – الدرزي وإنقلاب سليم حاطوم
3- الدعاية الطائفية ضد العلويين
4- التصفيات اللاحقة لإنقلاب حاطوم الفاشل
5- تصفية الجماعات الحورانية البارزة
الفصل الخامس – الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية
1- التنافس بين حافظ الأسد وصلاح جديد
2- الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية قبل عام 1970
3- الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية بعد عام 1970
الفصل السادس – الشقاق الحزبي الطائفي والإقليمي في نخبة السياسيين السوريين: تحليل إحصائي
1- تحليل إحصائي لمؤسسات السلطة السياسية السورية 1961- 1995
2- ثورة تاريخية في النخبة السياسية السورية 1963
3- الوزارات السورية والقيادة القطرية
4- العسكريون في القيادات القطرية السورية
الفصل السابع – التحريض الطائفي والمواجهة
1- التحريض الطائفي – مذبحة حلب
2- الدعاية الإعلامية المضادة للطائفة العلوية 1979
3 – تهديدات الحرب الأهلية الطائفية في سورية 1979 – 1980
4- الطائفية والفساد وغياب الانضباط الحزبي 1979- 1980
5 –الفشل البنيوي في كبح الطائفية في سورية 1979 – 1980
الفصل الثامن – المواجهة الطائفية – القضاء على الإخوان المسلمين
1 –تسليح البعثيين ومذبحة تدمر عام 1980
3- الدعاية الدينية السنية ضد العلويين
الفصل التاسع – نخبة السلطة في عهد الرئيس حافظ الأسد
1- الأخوة الأسد
2- نخبة السلطة العسكرية البعثية