مختارات من الكتب
نيقولاس فان دام : الدعاية الدينية السنية ضد العلويين
فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995.
الفصل الثامن – المواجهة الطائفية – القضاء على الإخوان المسلمين
3- الدعاية الدينية السنية ضد العلويين
كما ورد بالفصول السابقة فإن مروجين سنيين ادعوا أن سياسات نظام البعث السوري الذي يسيطر عليه العلويون تخضع للخلفية الطائفية لرؤسائها. وفي حين أنه من منتصف الستينيات وحتى نهاية السبعينيات كثيراً ما كان يتم التركيز على التداخل المزعوم بين السلوك السياسي و الخلفية الطائفية العلوية في كتابات السنيين الجدلية، إلا أن هذه الفكرة أصبحت بديهية بالنسبة للكُتاب شيئاً فشيئاً، حتى أن بعضهم بدأ يركز على بداية الثمانينيات على صياغة الحجج الدينية البحتة، بحيث أصبح النقاش يدور أساساً حول ما إذا كان العلويون مسلمين أم لا. وفي سياق المناظرات الدينية عند الإشارة إلى “العلويين” و”النصيريين” كان يُفضل استخدام تعبير “النصيريين” ( وهو مشتق من اسم محمد بن نصير الذي وُصف بأنه مؤسس طائفة من غلاة العلويين غير مسلمين)، واستخدم تعبير “العلويين” هو (مشتق من اسم علي بن أبي طالب)، من قبل هؤلاء الذين يعتبرون العلويين مسلمين- في هذه الحالة الشيعة الجعفريين). وكان يقصد بمثل هذه الكتابات المعادية للعلويين الإعداد لحركة دينية واسعة النطاق يقوم بها السنيون المسلمون، أكثر منها الحث على مناقشات دينية بحتة، وذلك بغرض الإطاحة بنظام الحكمن البعثي الذي يسيطر عليه العلويون عن طريق القوة، بحيث يصبح استخدام القوة “مشروعاً” استناداً على الأطروحة السنية المتطرفة المعادية للعلويين والمأخوذة عن الفقيه الحنبلي ابن تيمية في القرن الرابع عشر، والتي تسمح بتصفية وقتل العلويين.
وقلما استخدم نظام البعث السوري الحجج الدينية في الرد على الدعاية المعادية للعلويين والكتابات الجدلية، ويرجع هذا لسببين رئيسيين: أولهما أنه نظراً لأن البعث كان يعتبر نفسه تنظيماً قومياً عربياً علمانياً فكان يرفض بوجه عام الدخول في أي جدل ديني، وثانيهما أن ردود الفعل الرسمية للجدل الطائفي والدعاية المعادية للعلويين بنفس الصيغة “الدينية” كانت ستتسبب في خلق انطباع يؤكد الإدعاء بأن النظام واقع تحت سيطرة العلويين، كما أنه قد يوقظ الجدل والعداء الطائفي. ورغم كل هذا فقط أعيد طبع العديد من المنشورات التي كانت تُتعبر في صالح التاريخ العلوي وتداولتها المكتبات السورية.
وبوجه عام لم تتناول هذه الكتب باستفاضة نوع الدعاية المعادية للعلويين والتي انعكست في الكتابات الجدلية المنشورة في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، بيد أن أول استثناء لهذه القاعدة هو الدراسة التي نشرها المحامي العلوي السوري من اللاذقية هاشم عثمان في بيروت عام 1980 تحت عنوان:”العلويون بين الأسطورة والحقيقة”. وقد وصُف هذا الكتاب بأنه “رد فعل غير رسمي” للهجمات الطائفية من قبل المعارضة السنية المتطرفة”. ورغم أن هاشم عثمان لا يشير مباشرة للعديد من المنشورات المعادية للعلويين والتي ظهرت في هذه الفترة، إلا أنه يتطرق إلى المناظرات التي تطرحها المعارضة الأصولية الإسلامية السورية، كما أنه يسعى لتنفيذها ودجضها. وقد بدأ كتاب هاشم عثمان في تلك الآونة فريداً من نوعه، حيث لم تكن قد نُشرت كتابات مماثلة تؤيد العلويين وتحمل طابع تبريري.
ولم تُنشر دراسة رسمية حول عقيدة وواقع العلويين إلا فيما بعد، حيث تم تداول الموضوع على نطاق واسع من قبل أحد المشايخ العلويين من ذوي النفوذ، ألا وهو الشيخ عبد الرحمن الخير الذي ناقش علانية هؤلاء الذين ادعوا أن العلويين غير مسلمين في كتابه “عقيدتنا وواقعنا نحن المسلمين العلويين”:
(كنت ولا أزال طيلة هذه المدة المديدة، وأثناء لقاءاتي مع الكثيرين من رجالات المسلمين وغير المسلمين، كنت ولا أزال أصطدم مع الآسف الشديد بالفكرة الخاطئة المتكونة لديهم من مطالعة الكتب الصفراء الظالمة، التي ألفت في عصور التناحر المذهبي والتعصب الأعمى لأقوال الرجال المتخاصمين، ومن تناقل محتوياتها من الاتهامات الظالمة بالتسليم دون مناقشة، حتى وكأنها تنزيل من رب العالمين. ومن التندر بتضخيم تلك المفتريات وتوشيتها بألوان من خيال القصاصين والمستغلين، ومن الاختلاط بالجهلة من أميين وأنصاف متعلمين من المسلمين “العلويين” ، وأخذ أقوالهم وأعمالهم حججاً مزعومة على صدق الاتهامات التي تتضمنها تلك الكتب الصفراء الظالمة، ومن التحدث مع بعض ناشئتهم من طلبة المدارس الأغرار، ومع بعض الوصوليين منهم.. الذين احتلت لديهم المبادئ الحزبية المستوردة مكان العقيدة الدينية التي ورثوها بتقليد الجهلة لا بالتعلم من علماء أجلاء.
طيلة هذه المدة المديدة كنت ولا أزال أصطدم بهذه الفكرة الخاطئة المتكونة مما سبق بيانه مجتمعاً كله أو بعضه والجازمة بأن “العلويين” هم غير مسلمين، وأنهم لا يعرفون الإسلام ولا يدينون بوجوب العمل بأحكامه الشرعية، وأنهم … وأنهم .. إلى آخر المعزوفة الظالمة التي يتصيد بتلحينها أعداء الأمة الداخليون من مفرقيها ومستغليها وجلاديها تعاوناً مع العدو الخارجي “الاستعمار” الطامع بالاستيلاء على موارد وطننا الوافرة، باعتماده على الأعداء الداخليين المتآمرين معه لتمزيق وحدتنا الحياتية التي يحميها الوطن واللغة والتاريخ والدين ..
وفي جميع هذه المناسبات الآنفة الذكر كنت ولا أزال اضطر إلى القيام بمجادلات، ومناظرات، ومراسلات، لأدفع بالتي هي أحسن اتهامات ظالمة، ولأثبت بالحجة والبرهان أن “العلويين”، هم مسلمون جعفريو المذهب، وأن فيهم أعلاماً يعلمونهم معارفهم وعباداتهم ومعاملاتهم الإسلامية معتمدين في ذلك أمهات الكتب الفقهية الجعفرية التي يعتمدها المسلمون الإماميون “الاثنا عشريون” سواء بسواء ..
لهذا رأيت من واجبي “الديني الوطني الاجتماعي” نحو إخواني في الإيمان والإسلام والعروبة الشاملة، والإنسانية الأكثر شمولاً واتساعاً، أن أنشر هذه الرسالة الموجزة آملاً أن يتخذ منها المخلصون رداً قاطعاً على الشائعات المغرضة التي يستأنف ترويجها ضدنا في هذه السنوات الأخيرة الصهاينة والمستعمرون والملحدون والمستغلون)(1).
(1) للإطلاع على تفاصيل التوثيق وتوضيح بعض الأحداث أعلاه راجع:
فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995، صـ 156 – 160
اقرأ:
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الأول .. المقدمة :
1- العوامل التي ساهمت في الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية في سورية
2- الإقليمية في سوريا خلال فترة الاستقلال
3- الأقليات الدينية المتماسكة .. العلويون
4- الأقليات الدينية المتماسكة .. الدروز والإسماعيليون
الفصل الثاني: ظهور الإقليات في القوات المسلحة السورية وحزب البعث
1- التداخل الطائفي والإقليمي والعشائري والإجتماعي الإقتصادي
2- التمثيل القوي لأعضاء الأقليات في حزب البعث
3- الحواجز الإجتماعية التقليدية أمام التوسع الطبيعي لحزب البعث
4- الشقاق الحزبي الإنصرافي داخل جهاز حزب البعث المدني
5- انتخابات حزب البعث المحلية عام 1965
6- أعضاء الأقليات في القوات المسلحة السورية قبل عام 1963
7- الاحتكار البعثي للسلطة في سورية 1963
الفصل الثالث: الإستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية بين السنيين والإقليات الدينية
1- التكتل الطائفي والإقليمي والعشائري في النخبة العسكرية البعثية
2- التمييز الطائفي ضد السنيين في القوات المسلحة السورية
3- فشل سياسة الطائفية العلنية كتكتيك.. إبعاد محمد عمران
4- الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1965
5- الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1966
6- التنظيم السري للقيادة القومية المخلوعة عام 1966
الفصل الرابع: تصفية الضباط الدروز ككل منفصلة داخل القوات المسلحة السورية
2- الاستقطاب الطائفي العلوي – الدرزي وإنقلاب سليم حاطوم
3- الدعاية الطائفية ضد العلويين
4- التصفيات اللاحقة لإنقلاب حاطوم الفاشل
5- تصفية الجماعات الحورانية البارزة
الفصل الخامس – الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية
1- التنافس بين حافظ الأسد وصلاح جديد
2- الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية قبل عام 1970
3- الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية بعد عام 1970
الفصل السادس – الشقاق الحزبي الطائفي والإقليمي في نخبة السياسيين السوريين: تحليل إحصائي
1- تحليل إحصائي لمؤسسات السلطة السياسية السورية 1961- 1995
2- ثورة تاريخية في النخبة السياسية السورية 1963
3- الوزارات السورية والقيادة القطرية
4- العسكريون في القيادات القطرية السورية
الفصل السابع – التحريض الطائفي والمواجهة
1- التحريض الطائفي – مذبحة حلب
2- الدعاية الإعلامية المضادة للطائفة العلوية 1979
3 – تهديدات الحرب الأهلية الطائفية في سورية 1979 – 1980
4- الطائفية والفساد وغياب الانضباط الحزبي 1979- 1980
5 –الفشل البنيوي في كبح الطائفية في سورية 1979 – 1980
الفصل الثامن – المواجهة الطائفية – القضاء على الإخوان المسلمين
1 –تسليح البعثيين ومذبحة تدمر عام 1980
