مختارات من الكتب
نيقولاس فان دام : الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية قبل عام 1970
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا (24)
فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995.
الفصل الخامس – الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية
24- الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية قبل عام 1970
تم التوضيح في الفصول السابقة أنه منذ الانفصال عن الجمهورية العربية المتحدة في 1961 لعبت الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية دوراً هاماً في الصراع على السلطة في سوريا. وبالتالي، يمكن استنتاج أن قوة الضباط العسكريين والسياسيين المدنيين على المستوى الوطني قد اعتمدت بشكل كبير على النفوذ الذي استطاعوا فرضه على المستويات الإقليمية والطائفية و/أو العشائرية: ليتسنى إحراز النجاح في السياسات الوطنية لابد للشخص أولاً أن يكون ناجحاً سياسياً بين أفراد منطقته أو طائفته الدينية أو عشيرته. وكثيراً ما تم التعبير عن الصراع على السلطة بين أشخاص من مناطق مختلفة و/أو طوائف دينية على شكل نزاع بين مناطق و/أو صراع بين طوائف، كما تم التعبير عن الصراع على السلطة بين الأشخاص من نفس المنطقة و/أو الطائفة الدينية على شكل نزاع إقليمي داخلي و/ أو نزاع طائفي داخلي.
لذلك فإن الصراع على السلطة الذي اندلع في 1964 بين أبرز الضباط العلويين باللجنة العسكرية البعثية، اي محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد، قد انعكس بوضوح في الشقاق الداخلي في فرع الحزب بمحافظة اللاذقية.
وقد ظهر شقاق في نفس الفرع في 1969 و 1970 عندما بلغ الصراع على السلطة ذروته بين صلاح جديد وحافظ الأسد وكلاهما من اللاذقية وذلك حين سعى كل منهما إلى بسط سلطته داخل حزب البعث على المستوى الوطني وتقوية قبضته على فرع الحزب ومؤسساته الأخرى بمسقط رأسه.
وفي شباط 1969م، عندما حاول أنصال جديد المسيطرون على فرع الحزب باللاذقية التخلص من تأثير الأسد عن طريق تصفية أبرز أنصاره، فقد تلى ذلك اجراءات مضادة عنيفة، حيث أصدر حافظ الأسد أوامره باعتقال قيادة فرع الحزب باللاذقية واستبدال أعضائها بأنصاره الذين تم فصلهم من قبل. كما فُرضت الإقامة الجبرية على محافظ اللاذقية وهو ايضاً في قيادة فرع الحزب المحلى في 27 شباط 1969م، ومُنع من دخول مكتبه أو المقر الرئيسي المحلي للحزب. وتم أيضاً الإغارة على مكاتب الحزب بطرطوس والشُعب المحلية من قبل كتيبة المغاوير التي كانت مكلفة بحراسة المنشئات الحيوية في المحافظة، وذلك بقصد اعتقال أعضاء فرع قيادة الحزب. وفي طرطوس تم اعتقال عادل نعيسة أمين عام فرع اللاذقية وأحد أنصار جديد وهو العضو العلوي الوحيد بالقيادة القطرية السورية بجانب الأسد وجديد، وقد أجبر على مغادرة المحافظة فوراً تحت حراسة عسكرية.
وقد أصدر حافظ الأسد تعليماته للمخابرات العسكرية بمختلف المحافظات بمنع أعضاء قيادة الحزب من الاتصال بالجهاز المدني لفروع الحزب، وذلك عن طريق تحذيرهم وتهديدهم بالاعتقال. وقد اتخذت أعنف الاجراءات في محافظتي اللاذقية وطرطوس. وفي الواقع، كانت هذه الإجراءات التي اتخذها حافظ الأسد في أواخر شباط 1969م، أشبه ما تكون بانقلاب عسكري. ونتيجة لذلك، فقدت القيادة القطرية السورية معظم قوتها، بغض النظر عن استمرارها رسمياً وتواجدها بمنصبها. وقد احتلت قوات الأسد مبنى إذاعة دمشق ومبنى إذاعة حلب، بالإضافة إلى مكاتب أكبر جريدتين سوريتين (تحت سيطرة البعث) وهما البعث والثورة، وتم فرض الرقابة العسكرية على نشرات الأخبار والتعليقات السياسية وجميع البرامج السياسية والثقافية والإعلامية.
وبناء على طلب القيادة القطرية السورية تم انعقاد مؤتمر قطري استثنائي في آذار 1969م، بدمشق، حيث بُذلت الجهود للتوصل إلى حل وسط بين الكتل التي تجمعت حول الأسد وتلك التي تجمعت حول جديد، بيد أنه لم يتم التوصل إلى مصلحة فعلية. ولتقوية مركزه خلال المؤتمر قامت قوات الأسد باحتلال مراكز استراتيجية هامة في دمشق وضواحيها. وانتهى المؤتمر بمأزق واستمرت ازدواجية السلطة المذكورة آنفاً: احتفظ حافظ الأسد بسيطرته على القوات المسلحة السورية، بينما نجح صلاح جديد إلى حد كبير في إحكام قبضته على جهاز الحزب المدني السوري.
وقبيل انعقاد المؤتمر القطري الاستثنائي بوقت قصير قام أنصار الأسد العسكريون بمحاصرة مقر قيادة العقيد عبد الكريم الجندي (مؤيد لصلاح جديد) الذي كان يشغل حينذاك منصب رئيس الأمن القومي ورئيس إدارة المخابرات العامة، وقاموا باختطاف عدد من مساعديه وأنصاره ومصادرة السيارات الخاصة بمكتبه. أما بالنسبة لعبد الكريم الجندي فقد انتحر.
وبموت الجندي انتهت الفترة التي تم فيها إما تحييد أو تصفية أبرز أنصار جديد العسكريين غير العلويين، بمن فيهم أحمد سويداني وأحمد المير. وكنتيجة غير مباشرة لذلك، نجد أن الصراع على السلطة الذي تلا ذلك، والقائم بين جديد وأنصار الأسد قد اقتصر إلى حد ما على أعضاء الطائفة العلوية.
وفي عام 1969 وعام 1970 حاول جديد وأنصاره استعادة بعض نفوذهم المفقود بوضع منظمة الصاعقة التي تم تشكيلها في سوريا بعد حرب حزيران 1967 تحت الإشراف المباشر للقيادة القطرية السورية، وبهدف تحويل المنظمة إلى أداة قوة بديلة يمكن استخدامها في وقت لاحق كثقل مقابل قوة الأسد العسكرية.
وفي أيلول 1970م، اتخذ قادة سوريا السياسيون قراراً في صالح التدخل العسكري في الحرب الأهلية في الأردن إلى جانب المنظمات الفدائية الفلسطينية التي كانت تحارب في ذلك الوقت معركة خاسرة ضد الجيش النظامي الأردني تحت قيادة الملك حسين. وقد فشل هذا التدخل وأشعل فتيل مواجهة جديدة بين حافظ الأسد وصلاح جديد وكل من أنصارهما وحلفائهما.
وانعقد المؤتمر القطري الاستثنائي العاشر لحزب البعث بدمشق في أواخر تشرين الأول 1970 لمحاولة إيجاد حل لأزمة الحزب المتجددة، بيد أنه قبيل ذلك بوقت قصير قام الأسد بنقل بعض أنصار جديد العسكريين، استعداداً لأي حدث محتمل، وليكون قادراً على فرض ارادته على خصومه السياسيين، إذا ما سار المؤتمر في غير صالحه. وأثناء المؤتمر بات واضحاً أن الأسد وأهم مؤيد عسكري له، مصطفى طلاس، كادا أن يكونا معزولين تماماً، بينما تمتع جديد وحلفاؤه بتأييد غالبية أعضاء المؤتمر. أما في القوات المسلحة فقد كانت العلاقات بين المعسكريين السياسيين الرئيسيين على عكس ذلك تماماً. وعندما أصدر معظم أعضاء المؤتمر في النهاية قراراً غير واقعي بإعفاء كل من وزير الدفاع، الأسد ورئيس الأركان، طلاس، من منصبيهما العسكريين وتكليفهما بمهما في الحزب، حسب ما تقرره قيادة الحزب، فقد استطاع الاثنان اتخاذ اجراءات مضادة فعالة على وجه السرعة.
وفي 13 تشرين الثاني عام 1970 أمر الأسد العسكريين باحتلال مكاتب القسم المدني للحزب، وكذلك المنظمات الشعبية البعثية، بالإضافة إلى إلقاء القبض على أبرز قادة الحزب المدنيين، بمن فيهم صلاح الدين جديد والرئيس نور الدين الأتاسي. وقد فر الكثير من أعضاء المؤتمر إلى لبنان، بغية تفادى الاعتقال، واستمروا في معارضة النظام السوري الجديد من هناك.
ولم يحصل القسم المدني لحزب البعث تحت نظام حكم الأسد مرة أخرى على المركز القوى الذي حظي به لبعض الوقت خلال المدة السابقة. وفي 13 تشرين الثاني 1970 كادت جماعة ضباط حافظ الأسد الذي أصبح أو ل رئيس علوي سوري في شباط 1971م، ان تحتكر السلطة السياسية. وبهذا تم وضع حد للتقليد السوري بأن يكون الرئيس سنياً، كما كان هذا الأمر بمثابة رمز لتطور العلويين سياسياً من طائفة دينية متخلفة اقتصادياً ومضطهدة اجتماعياً إلى مجموعة من السكان المتحررين وطنياً وفي مركز قوة وسيطرة(1).
(1) للإطلاع على تفاصيل التوثيق وتوضيح بعض الأحداث أعلاه راجع:
فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995، صـ 105- 110
اقرأ:
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الأول :
نيقولاس فان دام (1): العوامل التي ساهمت في الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية في سورية
نيقولاس فان دام (2): الإقليمية في سوريا خلال فترة الاستقلال
نيقولاس فان دام (3): الأقليات الدينية المتماسكة .. العلويون
نيقولاس فان دام (4): الأقليات الدينية المتماسكة .. الدروز والإسماعيليون
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الثاني:
نيقولاس فان دام (5): التداخل الطائفي والإقليمي والعشائري والإجتماعي الإقتصادي
نيقولاس فان دام (6): التمثيل القوي لأعضاء الأقليات في حزب البعث
نيقولاس فان دام: (7) الحواجز الإجتماعية التقليدية أمام التوسع الطبيعي لحزب البعث
نيقولاس فان دام: (8) الشقاق الحزبي الإنصرافي داخل جهاز حزب البعث المدني
نيقولاس فان دام (9): انتخابات حزب البعث المحلية عام 1965
نيقولاس فان دام (10) : أعضاء الأقليات في القوات المسلحة السورية قبل عام 1963
نيقولاس فان دام (11): الاحتكار البعثي للسلطة في سورية 1963
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الثالث:
نيقولاس فان دام (12): التكتل الطائفي والإقليمي والعشائري في النخبة العسكرية البعثية
نيقولاس فان دام (13): التمييز الطائفي ضد السنيين في القوات المسلحة السورية
نيقولاس فان دام (14) : فشل سياسة الطائفية العلنية كتكتيك.. إبعاد محمد عمران
نيقولاس فان دام (15) : الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1965
نيقولاس فان دام (16) : الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1966
نيقولاس فان دام (17) : التنظيم السري للقيادة القومية المخلوعة عام 1966
الفصل الرابع: تصفية الضباط الدروز ككل منفصلة داخل القوات المسلحة السورية
نيقولاس فان دام (18) : تنظيم سليم حاطوم السري
نيقولاس فان دام (19) : الاستقطاب الطائفي العلوي – الدرزي وإنقلاب سليم حاطوم
نيقولاس فان دام (20) : الدعاية الطائفية ضد العلويين
نيقولاس فان دام (21) : التصفيات اللاحقة لإنقلاب حاطوم الفاشل
نيقولاس فان دام (22) : تصفية الجماعات الحورانية البارزة
الفصل الخامس – الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية
نيقولاس فان دام (23) : التنافس بين حافظ الأسد وصلاح جديد