مختارات من الكتب
نيقولاس فان دام: التنظيم السري للقيادة القومية المخلوعة عام 1966
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا (17)
فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995.
الفصل الرابع: تصفية الضباط الدروز ككل منفصلة داخل القوات المسلحة السورية
17- التنظيم السري للقيادة القومية المخلوعة
تمكن منيف الرزاز، الأمين العام للقيادة القومية المخلوعة من النجاة من الاعتقال بعد إنقلاب 23 فبراير (شباط) 1966، واختبأ في دمشق وبدأ في تشكيل تنظيم جديد للحزب من أماكن اختفائه المتغيرة باستمرار. مكون من قطاعات عسكرية ومدنية منفصلة. الهدف الرئيس منه إعادة تقلد القيادة القومية للسلطة. وقد تزعم منيف الرزاز بنفسه القطاع المدني. بينما أبدى اللواء فهد الشاعر ، الدرزي، رغبته في أن يأخذ على عاتقه مهمة إنشاء المكتب العسكري وتزعم تنظيم الحزب العسكري. وبالرغم من أن جهاز حزب منيف الرزاز المكون من حديثاً كان يقبل من حيث المبدأ أفراداً من جميع الطوائف الدينية كأعضاء، إلا أن ذلك لم يكن الحال بالنسبة لقطاع الحزب العسكري والذي استثنى العلويين بصفة خاصة.
وفي الصراع على السلطة الذي حدث في الجيش السوري قبل 23 فبراير (شباط) 1966، كانت الولاءات الطائفية هامة جداً وكانت الثقة بين الضباط من مختلف الطوائف الدينية مهزوزة لدرجة أن أعضاء المكتب العسكري لفهد الشاعر رفضوا في البداية السماح للعلويين بالانضمام لتنظيمهم، خوفاً من أن تنكشف خططهم لأنصار صلاح جديد وحافظ الأسد العلويين (1).
وفي مطلع عام 1967، حوكم عدد من الضباط في دمشق بتهمة اشتراكهم في مؤامرة القيادة القومية المخلوعة، والتي باءت بالفشل في سبتمر (أيلول) 1966. وقد اتهم منيف الرزاز حينذاك من قبل أنصار نظام القيادة القطرية السورية بإعطاء تعليمات لبعض الضباط، خاصة الرائد مصطفى الحاج علي والمقدم صلاح نامور (سنيان) “لقبول أعضاء من طوائف معينة فقط ضمن تنظيماتها” لكي “يثيروا ويستغلوا المشاعر الطائفية” في محاولة لإسقاط القيادة القطرية السورية (2). وفي مقابلة أجريت في وقت لاحق مع منيف الرزاز علق على تلك الاتهامات بالطائفية بما يلي:
(إذا، من الأصل لم استعبد العلويين، بل بالعكس، فبعد 23 شباط 1966 شمل التنظيم المدني للحزب الذي أسسناه سراً، وكان معارضاً لصلاح جديد وحافظ الأسد وسليم حاطوم، عدداً كبيراً من العلويين. وعندما بدأنا في تأسيس التنظيم العسكري وكلفنا فهد الشاعر بهذه المهمة، وبدأ بالفعل في تشكيل قيادة المكتب العسكري، طالبته كما طالبه الاستاذ ميشيل (عفلق) عن طريق رسالة مبعوثة من بيروت بعد سفره إلى هناك، بإشراك علي مصطفى “وهو ضابط علوي” في المكتب العسكري. في الواقع ان الروحية التي نشأت قبل 23 شباط 1966 مباشرة جعلت النزاع يأخذ الشكل الطائفي إلى حد كبير وجعلت الضباط العسكريين بقيادة المكتب العسكري حريصين على أن لا يشركوا علويين معهم، طالما هذا العمل سرى، وخشوا من ان اشراك العلويين قد يقود إلى كشف التنظيم السري القائم).
فعلى رغم تبادل رسائل بيني وبينهم لإدخال علي مصطفى أكثر من مرة، إلا أنهم أجمعوا على حل القيادة العسكرية في حال انضمامه. فاضطررت أن أقبل، ووافقت على التأجيل (لانضمام علي مصطفى للمكتب العسكري) طالما الثقة غير موجودة).
لقد كان على مصطفى ببالنا، فرغم أنه أخرج من الجيش، وعُين بالسلك الدبلوماسي السوري بالخارج، إلا أنه كان يأتي إلى سوريا، ويجتمع بحافظ الأسد. واعتقد انه في ذلك الوقت كان من الممكن استغلال وجود علي مصطفى، حتى للفصل بين حافظ الأسد وصلاح جديد، فشخص مثل علي مصطفى مقرب إلى حافظ الأسد وإن كان سُرح من الجيش، وبالدرجة الأولى مقرب من محمد عمران، وعواطفه مع القيادة القومية، كان يمكن الاستفادة منه. ولكن المكتب العسكري رفض أن يدخل في القيادة أي علوي، خشية أن ينكشف، لأن الروابط العلوية في ذلك الوقت كانت في أوج قوتها. ولكن التنظيم المدني كان يضم علويين. إذا، نحن لم نعارض ضم العلويين، إلا أن التنظيم العسكري حساس فعلاً. فقال الضباط:”لا داعي للعلويين في هذه المرحلة على الإطلاق”، وهذا لا يعني أنهم ضد العلويين، ولكن في هذه المرحلة التي تحتاج إلى ثقة من نوع خاص نرفض دخول العلويين(3).
وفي الحقيقة، فإن جهود القيادة القومية المخلوعة لالحاق علي مصطفى بالمكتب العسكري الذي يقوده فهد الشاعر ماثلت تعيين اللواء محمد عمران. العلوي، فيما سبق وزيراً للدفاع في يناير (كانون الثاني 1966)، ففي كلتا الحالتين كان تعيين ضابط علوي بارز والذي كان من المفترض أن يتعاطف مع بعض أعضاء القيادة القومية على ما يبدو بغرض إحداث انشقاق بين الضباط العلويين الآخرين.
(1) تكون المكتب العسكري في القيادة القومية المخلوعة على النحو التالي: فهد الشاعر (درزي) أميناً، صلاح نمور (سني)، مجلس القائد (مسيحي من بصير- حوران)، علي سلطان ، شريف سعود، وعلي الضماد (سني من حوران). ولم تبق عضوية المكتب العسكري على حالها، بل تغيرت عدة مرات. وهكذا كان المقدم إسماعيل هلال عضواً أيضاً لمدة قصيرة. (مقابلة مع منيف الرزاز، عمان 22 نوفمبر “تشرين الثاني” 1974م، حزب البعث العربي الاشتراكي، القيادة القومية، مقررات المؤتمر القومي التاسع المنعقد في النصف الثاني من أيلول 1966 (دمشق)، (من الآن فصاعداً مقررات المؤتمر القومي التاسع)، صـ 70، البعث 29 و 31 يناير (كانون الثاني 1967)، 5 و15 و28 مارس (آذار) 1967، الثورة، 29 يناير (كانون الثاني) 1967م.
(2) البعث، 6 فبراير، 1967.
(3) مقابلة مع منيف الرزاز، عمان، 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1974م.
اقرأ:
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الأول :
نيقولاس فان دام (1): العوامل التي ساهمت في الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية في سورية
نيقولاس فان دام (2): الإقليمية في سوريا خلال فترة الاستقلال
نيقولاس فان دام (3): الأقليات الدينية المتماسكة .. العلويون
نيقولاس فان دام (4): الأقليات الدينية المتماسكة .. الدروز والإسماعيليون
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الثاني:
نيقولاس فان دام (5): التداخل الطائفي والإقليمي والعشائري والإجتماعي الإقتصادي
نيقولاس فان دام (6): التمثيل القوي لأعضاء الأقليات في حزب البعث
نيقولاس فان دام: (7) الحواجز الإجتماعية التقليدية أمام التوسع الطبيعي لحزب البعث
نيقولاس فان دام: (8) الشقاق الحزبي الإنصرافي داخل جهاز حزب البعث المدني
نيقولاس فان دام (9): انتخابات حزب البعث المحلية عام 1965
نيقولاس فان دام (10) : أعضاء الأقليات في القوات المسلحة السورية قبل عام 1963
نيقولاس فان دام (11): الاحتكار البعثي للسلطة في سورية 1963
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الثالث:
نيقولاس فان دام (12): التكتل الطائفي والإقليمي والعشائري في النخبة العسكرية البعثية
نيقولاس فان دام (13): التمييز الطائفي ضد السنيين في القوات المسلحة السورية
نيقولاس فان دام (14) : فشل سياسة الطائفية العلنية كتكتيك.. إبعاد محمد عمران
نيقولاس فان دام (15) : الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1965
نيقولاس فان دام (16) : الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1966