التركيب السكاني لمدينة حلب
عرف عدد سكان حلب أشكالاً من الصعود والهبوط، بحسب الظروف السياسية والاقتصادية وانتشار الزلازل والأوبئة.
وقد ظلت حلب رغم كل الظروف تحتل المرتبة الثالثة في الإمبراطورية العثمانية بعد استنبول والقاهرة، بل وتتفوق اقتصادياً على القاهرة بحكم موقعها الجغرافي المتوسط في تلك الإمبراطورية، وتنوع السلع التي تفد إليها، والأهم من ذلك اختلاف اللغات والأجناس والأعراق والمذاهب التي تلتقي فيها، مستفيدة من أسواقها الواسعة النظيفة وخاناتها وأبوايها العشرة وطرقها المرصوفة بالحجارة.
ففي أواخر القرن السابع عشر يقدر “دارفيو” قنصل فرنسا في حلب عدد سكان المدينة بـ (290) ألفاً منهم ثلاثون ألفاً من المسيحيين وعدة آلاف من اليهود، كما يشير إلى وجود أكثر من سبعين قنصلية وممثلية تجارية أجنبية في المدينة ويقول:
(إن سكان المدينة المسلمين يحبون الإفرج كثيراً/ وهم يختلفون بذلك على كل الذين عرفتهم في سائر أنحاء الإمبراطورية العثمانية، الحلبيون هم أكثر سكان الإمبراطورية وداعة وأقلهم إيذاء وأفضلهم معاملة، وأشدهم تمسكاً بمكارم الأخلاق، وهم أناس طيبون لا يستطيعون إلحاق الأذى بمن جاورهم، وهم يحبون الأجانب ولاسيما الفرنجة. وهم مهرة في التجارة، ولكنهم صادقون. إن الأمر خارق للعادة)(2).
تصنيف كتاب (تاريخ حلب الطبيعي)
وبعد مائة عام من دارفيو الفرنسي يأتي الأخوان البريطانيان “الكسندر وباتريك راسل” ليذكرا في كتابهما “تاريخ حلب الطبيعي” أن سكان المدينة في عهدهم كان 300 ألف نسمة (3) منهم ثلاثون ألفاً من المسيحيين، وخمسة آلاف من اليهود (أواخر القرن الثامن عشر)، ويتحدث “الأخوان راسل” عن التركيب السكاني لمسلمي حلب، فيقولان إنهم من العرب والأتراك والتركمان والأكراد، بمن فيهم الحضر والبدو والأغوات والأشراف والتجار وعامة الناس(4).
أما السكان من غير المسلمين (في كتاب راسل) فهم على ثلاثة أقسام:
أ- المسيحيون الحلبيون: ويقدر عددهم بثلاثين ألفاً يتوزعون بين طوائف الروم والأرمن والسريان والموارنة. ولكل منهم كنيسة في حي “الجديدة” ويتمتعون بتسامح تام في ظل الحكومة العثمانية (5).
ب- الأوربيون المقيمون في حلب: وأغلبهم من البنادقة والفرنسيون والإنكليز والهولنديين والتوسكانيين (دوقية فلورنسا). وكانت اللغة السائدة بينهم الإيطالية تليها الفرنسية. وكان بعضهم يتحدث العربية (6). وهناك أعداد من جنسيات أخرى. ولكل جالية قنصل ومستشار وقس وطبيب وضابط ومترجم.
ت- اليهود: وعددهم خمسة آلاف. ويقطنون داخل الأسوار، ويعملون في الصرافة والسمسرة وبعض الحرف اليدوية، وكانوا أكثر الناس قذارة وأسوأهم هنداماً (7).
(1) Grant , A Portrait of Ottoman Aleppo, p 93
(2)عبد الرحمن حميدة، حلب، 54
(3)الأخوان راسل، تاريخ حلب الطبيعي، ترجمة خالد الجبيلي، حلب 1999، صـ 91
(4) الأخوان راسل، المرجع نفسه، صـ 140
(5) الأخوان راسل، المرجع نفسه، صـ 263
(6)الأخوان راسل، المرجع نفسه، صـ 250
(7) الأخوان راسل، المرجع نفسه، صـ 280
اقرأ:
محمّد قجّة: عمر أبو ريشة … الغائب الحاضر
محمّد قجّة: في ذكرى الجلاء… الزعيم الوطني إبراهيم هنانو