You dont have javascript enabled! Please enable it!
مختارات من الكتب

نيقولاس فان دام: فشل سياسة الطائفية العلنية كتكتيك.. إبعاد محمد عمران

من كتاب الصراع على السلطة في سوريا (14)

فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995.

الفصل الثالث –  الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية بين السنيين والأقليات الأخرى

 التكتل الطائفي والإقليمي والعشائري في النخبة العسكرية البعثية


لقد أدت الممارسات الطائفية المذكورة أعلاه إلى ارتباط علاقات السلطة إلى حد كبير داخل القوات المسلحة السورية بالتحالفات الشخصية بين قادة جماعات الضباط الذين بدورهم انضم لهم معظم اتباعهم عبر ارتباطات طائفية وصلات عشائرية وإقليمية. بيد أن سلك الضباط ككل لم يكن قد انقسم بعد عبر اتجاهات طائفية.

وهكذا ففي عام 1965 حظى رئيس أركان الجيش السوري، اللواء صلاح جديد، العلوي، بتأييد ضباط علويين تربطه بهم علاقات شخصية قوية، وهكذا لا يعني بالضرورة أن جميع الضباط العلويين قد أيدوا جديد، أو أن أنصاره فقط من العلويين.

فعلى سبيل المثال، نجد أن رئيس المخابرات العسكرية المقدم أحمد سويداني، وهو سني من حوران، كان واحداً ضمن الكثيرين من أنصار جديد غير العلويين في ذلك الحين، حيث كان بدوره يعتمد على دعم ضباطه الحورانيين (ومعظمهم  سنيون)، إلا أن هؤلاء لم يشكلوا كتلة واحدة متماسكة، وإنما كانوا منقسمين إلى عدة جماعات يقودها ضباط مثل أحمد سويداني ومصطفى الحاج علي وموسى الزعبي، وجميعهم من أعضاء اللجنة العسكرية البعثية.

ولم يكن ينتمي العديد من الضباط البعثيين الآخرين إلى أية كتلة ضباط طائفية و/ أو إقليمية، ولم تعلب خلفياتهم الطائفية أو الإقليمية أي دور، ولم يستغلوا أية “اتصالات جانبية” محظورة لتقوية مراكزعم على أسس طائفية وإقليمية و/أو عشائرية.

وكثيراً ما كانت التحالفات بين قادة جماعات الضباط تتخطى عوامل مثل وحدة الديانة أو القبيلة أو بلد المنشأ أو الإيديولوجية، كما لعبت المصالح الشخصية في كثير من الأحيان دوراً هاماً في تكوين أو قطع الروابط مع ضباط آخرين. وكان يسهل تحطيم التحالفات وتغاضى الضباط عن المبادئ الايديولوجية إذا ما تعرضت مراكز سلطتهم أو مصالحهم الشخصية للخطر(1).

وقد وصف منيف الرزاز الموقف في النصف الأخير من عام 1965 بقوله:

وتأخذ التحالفات في مثل هذا الصراع شكلاً غريباً لا علاقة للمبادئ به.. أما المبادئ التي يتستر بها النزاع فليست إلا سلاحاً للهجوم على المنافسين، ومخبأ بتلقى به المنافسون، وهي قابلة للتبديل في كل مرحلة.

فرغم أن جماعات من الضباط كانت تتكون أساساً من أفراد طائفة دينية واحدة إلا انه كان من السهل أن تتبع معسكرات سياسية معارضة. وقد بدى ذلك واضحاً في ديسمبر (كانون الأول) 1964 عندما تم إبعاد اللواء محمد عمران العلوي من سوريا من قبل أعضاء آخرين في اللجنة العسكرية بتهمة بناء كتلة طائفية علوية داخل الجيش ولكونه المسؤول الأول عن جو الإرتياب الطائفي السائد حينذاك.

ولم يتقصر اتهام عمران بنشر الطائفية من قبل كبار الضباط السنيين فقط مثل الرئيس أمين الحافظ وموسى الزعبي، بل أيضاً من قبل ضباط علويين مثل صلاح جديد وحافظ الأسد.

ورغم أن جديد والأسد، شأنهما شأن عمران، وقد اعتمدا بصورة واسعة على أنصارهما الشخصيين من العسكريين العلويين للاحتفاظ بمراكز سلطتهما، ومن المحتمل أنهما استفادا من الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية لتقوية مراكزهما، إلا أنهما تمتعا بقدر من الحكمة بحيث لم يعلنا عن ذلك صراحة مثلما فعل محمد عمران.

وقد صرح عمران : “إن الفاطمية يجب أن تأخذ دورها”، كما يبدو، بغية أن يلعب الضباط المسلمون غير السنييين (أي العلويون والدروز و الإسماعيلون باعتبارهم فاطميون)، دوراً على أسس طائفية ضد أبرز منافسيه، الرئيس السني والقائد الأعلى للقوات المسلحة السورية أمين الحافظ.

ولم يتحمل معظم الضباط البعثيين مثل هذه التصريحات العلنية المشوبة بالمسحة الطائفية، حيث أنه وفقاً لإيديولوجية البعث القومية العلمانية فإن العثيين يجب أن يجاهدوا للقضاء على المشاعر الجماعية الطائفية والإقليمية والعشائرية. وفي الفترات اللاحقة من الصراع على السلطة بين الضباط البعثيين ثبت مراراً في التحليل النهائي أن أولئك الذين تحدثوا علانية لصالح تعزيز مراكز طوائفهم الدينية قد أضعفوا من مراكزهم أكثر من إضعافهم لمراكز معارضيهم، الذين بدورهم دعموا مراكزهم على أسس طائفية دون أن يتحدثوا علانية عن الأمر.

وكانت الطموحات الشخصية من بين أهم الأسباب المؤدية للصراع على السلطة بين عمران والأعضاء الآخرين باللجنة العسكرية التي يرأسها الرئيس السني أمين الحافظ. إن إستغلال عمران العلني للروابط الطائفية لم يكن السبب الرئيسي في إبعاده من قبل الأعضاء الآخرين، وإنما تم التشبث به لاستخدامه كحجة ضده.

والسمة الطائفية في الصراع على السلطة بين عمران والآخرين لم تكن لتخفى طويلاً عن الصحافة اللبنانية، فقد ذهبت صحيفة الحياة اليومية اللبنانية المحافظة والمناهضة لحزب البعث لأبعد من ذلك حين نسبت المنافسات بين أبرز القادة العسكريين البعثيين العلويين لاختلافات عشائرية، مشيرة إلى أن محمد عمران ينحدر من اتحاد الخياطين العشائري العلوي، بينما ينحدر صلاح جديد من اتحاد الحدادين.

وعلاوة على ذلك، خلصت الحياة إلى أن مركز الضباط العلويين قد ضعف نتيجة إبعاد عمران وأنهم استمروا منقسمين ولم ينحازوا جميعاً لصلاح جديد. إن مثل هذه المزاعم، سواء كانت صحيحة أم كاذبة، لم تمر دون ان تسترعى انتباه البعثيين السوريين، وهكذا ما بدا في الأسلواب العنيف في نقد مقالة الحياة على صفحات جريدة “الثورة” وهي الجريدة اليومية السورية التي يسيطهر عليها حزب البعث: (إن الصحف الممولة من قبل بريطانيا، كالياة، قد دأبت دائماً على إثارة التفرقة الطائفية.. حيث قامت مثل هذه الصحف بتمييز كل حاكم أو ضباط أو مسؤول سوري بتحديد ديانته أو عشيرته التي ينتمي إليها، معطية الانطباع بأن الخلافات العشائرية وغيرها بين موظفي الحكومة ستؤدي حتماً لانهيار النظام في سوريا)(2).

أما على الصعيد الداخلي، فقد اعترف حكام البعث السوريون فيما بعد بأن الشائعات التي ترددت، ضمن أمور اخرى، عبر وسائل الإعلام اللبنانية قد خلقت الانطباع لدى بعض أعضاء الحزب بأن السنيين “بزعامة الرئيس أمين الحافظ” قد احرزوا نصراً ضد العلويين عندما تم إبعاد اللواء عمران العلوي من البلاد(3). بيد أنه في الواقع ظل الضباط العلويون البارزون أمثال صلاح جديد وحافظ الأسد بالقوات المسلحة السورية وحظوا بمساندة جماعات عسكرية قوية كانت أيضاً بدون عمران ومناصريه العسكريين تهدد بشكل خطير الرئيس أمين الحافظ، كما بدا واضحاً عام 1965.


(1) تم إعطاء وصف مفصل لأمثلة على التغيير المفاجيء للولاءات والتحالفات بين الضباط العسكريين في

Rabinovich, Syria under the Ba’th 1963- 66, pp. 165-71, 180 -189; Van Dam, ‘The Struggle for
Power in Syria and the Ba’th Party (1958-1966)’, pp. 14 , 16.

وأحد الحالات المتطرفة هي تحولا ولاء مصطفى طلاس في عام 1965 من الرئيس أمين الحافظ إلى صلاح جديد عقب شجار بأحد النوادي الليلية، حيث اتخذ أمين الحافظ إجراء تأديبياً ضده، في حين أن جديد ساعده، وبذلك حظي بتأييده. مقابلة مع منيف الرزاز، عمان 5 أيلول 1971م، ولمزيد من التفاصيل عن الواقعة انظر:

Van Dam, ‘De Ba’thpartij in Syrië (1958 – 1966)’, pp. 1919- 1920.

وفيما بعد نسب أنصار أمين الحافظ السنيون تحول ولاء طلاس لدوافع طائفية، حيث أشاعوا أن والدته من أصل علوي “التقرير الوثائقي، صـ 91”. ومن الواضح أن مثل هذه الشائعات انتشرت بغرض تعضيد التضامن الطائفي لمؤيدي أمين الحافظ السنيين، وهناك تفسير آخر لانضمام مصطفى طلاس لجانب صلاح جديد وحافظ الأسد وذلك هو صلته القوية بحافظ الأسد منذ بداية حياتهما العسكرية عام 1953، حيث التحقا سورية بالكلية العسكرية، انظر مصطفى طلاس، مرآة حياتي، العقد الأول (ذ948- 1958 دمشق، الطبعة الثانية، 1991، صـ 282 -299)

Lucien Bitterlin, Hafez el-Assad: Le Parcours d’un Combattant (Paris, 1986), p.34.

إن الضباط الذين كانوا يغيرون ولائهم بسهولة كانوا ايضاً قادرين على التمتع بأفكار إيديولوجية واضحة. انظر:

على سبيل المثال: مصطفى طلاس، حرب العصابات (بيروت، 1969، مصطفى طلاس، الكفاح المسلح والتحدي الصهيوني، بيروت ،غير معلوم التاريخ)، (محمد عمران، تجربتي في الثورة، قارن مجلة الفكر العسكرية، دمشق).

(2) صحيفة الثورة، 23 شباط 1965.

(3)المناضل، العدد 3، إبريل 1966، صـ 13، انظر الملحق أ.


 اقرأ:

من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الأول :

نيقولاس فان دام (1): العوامل التي ساهمت في الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية في سورية

نيقولاس فان دام (2):  الإقليمية في سوريا خلال فترة الاستقلال

نيقولاس فان دام (3): الأقليات الدينية المتماسكة .. العلويون

نيقولاس فان دام (4): الأقليات الدينية المتماسكة .. الدروز والإسماعيليون

من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الثاني:

نيقولاس فان دام (5): التداخل الطائفي والإقليمي والعشائري والإجتماعي الإقتصادي

نيقولاس فان دام (6): التمثيل القوي لأعضاء الأقليات في حزب البعث

نيقولاس فان دام: (7) الحواجز الإجتماعية التقليدية أمام التوسع الطبيعي لحزب البعث

نيقولاس فان دام: (8) الشقاق الحزبي الإنصرافي داخل جهاز حزب البعث المدني

نيقولاس فان دام (9): انتخابات حزب البعث المحلية عام 1965

نيقولاس فان دام (10) : أعضاء الأقليات في القوات المسلحة السورية قبل عام 1963

نيقولاس فان دام (11): الاحتكار البعثي للسلطة في سورية 1963

من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الثالث:

نيقولاس فان دام (12): التكتل الطائفي والإقليمي والعشائري في النخبة العسكرية البعثية

نيقولاس فان دام (13): التمييز الطائفي ضد السنيين في القوات المسلحة السورية



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى