مقالات
الحكومَةُ الحَمَويَّة – بينَ حُكْمِ دَولَتَين
سليمان الصليعي الحراكي – التاريخ السوري المعاصر
معرفةُ التَّاريخِ، ودراسةُ خفاياه، هو عِمادُ معرفتنَا لأنفسنَا، وطريقُنا لبناءِ المُستقبل، ولا يمكنُ لأمَّةٍ أن تَستقِلَّ في عَيشها مُنقطعةَ الصِّلةِ عن مَاضيها، إذ الماضي يَهْدِي إلى الخَصائصِ والصِّفات، ويحتوي سِرَّ النُّشوءِ والتَطورِ، وهوَ بذلكَ يَكشفُ – بِجلاءٍ – طَريقَ المُستقبل.
وقد أَغرتني إحدى أوراقِ التَّاريخِ، والَّتي أَرشفْتُهَا ضمن مجموعَتي الوثائقيَّة في صَيف عام (1429 هـ/ 2008 م)، فقرأتُها مِرارَاً، ولم تَبِدْ مني بطولِ الانْصرافِ عَنها، فظَللْتُ أذكُرها بين الفَينةِ والأُخرى ، كلما مرَّ ذكرُ أحد شُخُوصِهَا في أطواءِ ما كُنتُ أقرأ.
وطَفِقْتُ أجمعُ ما يُنْمَى إليَّ من تراجمِ شَّخصياتِ تلكَ الوثيقة، الَّتي تُبرزُ اللَّحظاتِ المِفصليَّة التي زالتْ عندها الدَّولة العثمانية، وبرزت في تَيْنَكِ اللَّحظات قيادةٌ من أعيانِ ورِجالاتِ حَماة، مع ما تَكتنف هذه المرحلةَ من حساسيَّةِ الموقفِ، وصُعوبةِ اتخاذِ القَرار، والَّتي تبرزُ بينَ ثَنايا السُّطور، وفي صِياغتها وتعبيراتِها التي جَرى انْتقاؤُهَا بكلِّ حَذَر .
في يوم الخميس 20 ذي الحجة 1336 هـ/ 26 أيلول 1918 م، اجتمعَ الأَعيانُ وأرباب الوظائف الدِّينية، في حمَاة لتَدارس أمرٍ جَلَلْ، يتعلَّقُ بانتقالِ مدينتهم، مِن حُكم الدُّولة العُثمانيَّة إلى حكم آخر، هذه الدولة التي سطا على قيادتِها حينها: أتباعُ جمعيَّةِ الاتحادِ والترقي، والَّتي سَعَتْ لطبعِ السَّلطنَةِ العُثمانيَّة بتوجهاتهم القَوميَّة العُنصريَّة، وتقليصِ سُلطاتِ السُّلطان عبد الحميد الثاني وعزلهِ في انقلاب 27 نيسان 1909 م.
واستمرَّت هذه الحكومة الحمويَّة العتيدَة مُدَّة تِسعة أَيَّام، يقودها بالمقامِ المرضيِّ، العَلَّامة الفَاضِل بَدرُ الدِّين بن عبد الجبَّار بن محمَّد مُكرم الكَيلاني الحَموي (ت 1338 هـ/ 1920 م) مفتي حماة، حتَّى وردَ مَنشورُ الأمرِ الفَيصليِّ بتاريخ 29 ذي الحجة 1338 هـ، وجرى تَعيينُهُ رَئيسَاً للحكومة العربيَّة بحماةَ والسَّلمية ومِصياف، ثم ضُمَّت إلى حماة أقضيةُ معرَّةِ النُّعمان واللَّاذقية وجِسرِ الشُّغور وإدلب بموجبِ مَنشورِ الشَّريف نَاصر قَائِدِ الحملَةِ الشَّمالية.
أترككم مع النصَّ، لكنَّ النصَّ لا يُغني عَن تَأمل الوَثيقَةِ بحدِّ ذَاتها، فَفيهَا مَا لَا يَخفى على العَارفين، مع ملاحظة أن ما بين قوسين هو عبارة عن عبارة شطبت أو تردد الكاتب بها عند الصياغة:
[بسم الله الرَّحمن الرَّحيم:
لمَّا قَضَتْ الإِرَادَةُ الإِلهيَّةُ (بِنزْعِ المُلكِ مِن – بِإخلاءِ بِلادِنَا مِن حُكَّام) الدَّولة العُثمانيَّة في هَذهِ البِلاد العربيَّة، وإعلان الخِلافة العربيَّة، (وتخَلَّتْ بَلدَتُنَا – وتَرْكُهُم شُؤونَ الإِدَارَةِ بِهَا) وخَلَتْ بَلدَتُنَا حَمَاةُ (وتَرَكَهَا الأَتراكُ) بانسِحَابٍ مِن جَمِيْعِ المَأْمُورِيَّين وأَربابِ الوَظائِفِ مِن بَلدَتِنَا، وكانَ مِنَ الوَاجِبِ المُتَحَتِّمِ وُجودُ مَن يَرَى الشُّؤونَ الضَّروريَّةَ كإستتْبَابِ الأَمْنِ ومَا شَاكلَهُ مِن الأُمورِ، دَفْعَاً لِلفَوْضَى، وتَأمينَاً لرَاحَةِ الأَهلين (إلى جِهَةِ حُلولِ الحُكومَةِ العَربيَّة – إلى حين حُلولِ رِكابِ نائبِ الخِلافَةِ العَربيَّة) أيَّدهَا الله بِتأييدهِ ونَصرهُ في هذهِ الدِّيارِ، فَقد اندفعْنَا بِسائِقِ (حُسنِ الخِدمَةِ – الغِيْرَةِ) والحميَّةِ العربية لتشكيل (إدارة – هيئة إدارية) مؤَقتة لِرُؤية تِلكَ الشُّؤونِ المُتَقَدِّمِ ذِكرها، ومُتخذِينَ ذَلكَ خِدمَةً (لِمَلْجَأ الخلافةِ العربِيَّة) لِصَالحِ أُمَّتِنَا، مُؤلفةٌ تِلكَ الهَيئة مِن:
السيِّد بَدر الدِّين أَفندي مُفتي حَماة، (الشيخ صَالح أفندي الأمير – مشطوب)، والسيِّد عبد القَادِر أفندي الكيلاني، والسيِّد صَالح أَفندي الأَمير، وفَريد بِيك العَظم (خالد بيك العظم – مشطوب) .
والسيد عارف أفندي الكِيلاني (والسيِّد محمَّد نورس الكيلاني – مشطوب).
ونجيب أفندي البرازي، ومصطفى بيك العظم، ومحمود أفندي الجيجكلي، وخالد أفندي البرازي، وراشد أفندي البرازي، ورفقي بك الطيفور، ومحمد أفندي الخطيب، والحاج أحمد أفندي المشنوق، وإبراهيم بيك الطيفور، ومصطفى أفندي جابر، والسيد محمَّد نورس الكيلاني، وشمسي أفندي نصر الله.
(وإنَّنا نحن الَّذين ذُكِرَتْ أَسمائُهُم) .
وإنه لمَّا كانَ من القواعد الأساسية وجودُ رَئيسٍ لكلِّ هَيئَةٍ، يُعْتَنَي بِجَمْعِهَا، وأَخْذِ آرَائِهَا بالإتفاقِ أو الأكثريَّةِ، فقد اتَّفَقَتْ إرادتُنا (على أ – مشطوب) نحن الَّذين ذُكِرَتْ أَسمائُهُم بأن يكونَ رئيسَاً لِهَيئَتِنَا المذكورةِ بدرُ الدِّين أفندي الكَيْلاني مُفتي حماة المحترم، وأنْ يكونَ اجتماعُ الهيئَةِ من الآَن فَصاعِدَاً تحتَ رئاستِهِ، وأنْ يكون جميع المذكراتِ مُؤيَّدَةً بقرارَاتٍ تُعطَى بالاتفاق أو الأكثريَّة عَلى الوجهِ المذكور.
بتاريخ 20 ذو الحجة سنة 1336 هـ]. ثم تواقيع الحاضرين.
اقرأ:
الشَّخصيات الحمويَّة الرَّئيسية ضِمنَ تقريرِ المُخابراتِ البَريطانيَّة 1943
مدينة ُحماة في «الوثائق الهَاشميَّة – مذكَّرات عبد الله بن الحُسين» (2/1)
مدينة ُحماة في «الوثائق الهَاشميَّة – مذكَّرات عبد الله بن الحُسين» (2/2)
“نبِّه النُدمان” .. من موشحات الشاعر محمد الهلالي الحموي
تاريخ حماة من طوابعها البريديَّة