مقالات
الشَّخصيات الحمويَّة الرَّئيسية ضِمنَ تقريرِ المُخابراتِ البَريطانيَّة 1943
سليمان الصليعي الحراكي – التاريخ السوري المعاصر
غالباً ما يُعتبر الأرشيفُ والوثائقُ التي تمتلكُها الدُّول والأمُم، دَليلاً على تنفُّذِها وقوَّتها، وقدرتها على فهمِ واختراقِ المُجتمعاتِ الأخرى، من أجل تكوينِ فهمٍ عميق لواقع الأحداث، يُفضي بدوره إلى دِراسَاتٍ تكون مَيْسِماً حاسماً في تكوينِ العلاقاتِ السِّياسية والإقتصاديَّة وغيرها.
ويعتبر الأرشيف البريطاني واحداً من أكبرِ حَفائظِ ومُستودعات الوثائِق في العَالم، وهو يجمعُ المعلوماتِ الأهم والأكثرِ نُدرةً لكثير من الأمم التي وقعت تحتَ الانتدابِ والاحتلالِ البريطاني، علاوة على أرشيف يعتبر الأكبر عن فترةِ الحربين الكَونيَّتين الأولى والثانية.
تقرير سبيرز – SPEARS عام (1943 م):
في مطلع عام (1943 م) قدَّم الميجور جنرال إدوارد لويس سبيرز -Edward Louis Spears (ت 1974 م)، السَّفير البريطاني في سوريَّة، تقريراً استخباراتيَّاً داخليَّاً عن “الشَّخصيات السُّورية الرَّئيسية” للقائدِ العام للشَّرق الأوسط ووزير الخارجيَّة في وزراة الحرب البريطانيَّة حينها السِّير أنتوني أيدن – Anthony Eden (ت 1977 م).
ورد التقرير في المجلد رقم (7)، القسمُ الثَّالث من السِّلسلة (B)، قسم الشَّرق الأدنى، مابين حزيران وكانون الأوَّل عام (1943 م)، وضمَّ التقرير بين جنباتِه أَهمَّ الشَّخصيات المؤثرة في المجتمع السُّوري عام (1943 م)، سواءً كانت سياسيَّة أو دينيَّة، أو حتَّى ذات فعاليات اجتماعيَّة اقتصاديَّة، حيث وصل عددُ الأعيانِ الذين تناولَهُم التَّقرير بالدِّراسة إلى (213) شخصيَّة، اعْتُبِرَتْ أنَّها شخصيَّاتٌ سوريةٌ رئيسيَّة ذاتُ تأثيرٍ واسع.
قد يُوْرِدُ التقريرُ عباراتٍ تقريريَّة، تمثِّل وجهَة نَظر رجالِ الاستخباراتِ والسِّياسيين البريطانيين، وليس وجهةَ نظرِ كاتبِ هذهِ السُّطور بأيِّ حال، فقد وُصفَ بعضُهم بالعمالةِ لألمانيا ودُولِ المحورِ، بينما وصِفَ بعضُهم بأنَّهم من ركائز النُّفوذِ الفِرنسي بسوريا، وقد يتضمَّنُ التَّقرير عباراتٍ وأوصافَ شخصيَّة قاسيَة بحقِّ بعضِ الشَّخصيات المستهدفةِ بالدِّراسة ضمن هذا التَّقرير.
أهم الشَّخصيات الحموية حسب ورود أسمائهم في تقرير سبيرز – SPEARS عام (1943 م):
أورد التقرير أسماء (12) شخصيَّة حموية، تنتمي إلى طبقةِ الأعيانِ في مدينة حماة، اعتبرهم من أهم الشَّخصيات المؤثرة بسورية، وهم :
1) غالب بيك بن محمَّد بيك بن عبد القادر بيك بن حسين بيك العَظم (ت 1999 م).
2) حسني بيك بن سُليمان آغا بن محمَّد آغا البَاكير البَرازي (ت 1975 م).
3) الدكتور مُحْسِن بن خالد آغا بن محمَّد آغا البَاكير البَرازي (ت 1949 م).
4) نجيب آغا بن محمَّد آغا بن باكير آغا البَرازي (ت 1967 م).
5) مصطفى بن درويش آغا البرازي.
6) أكرم بن رشيد أفندي بن محيي الدِّين الحوراني (ت 1996 م).
7) عبد القادر الحِسْنِي الكِيلانِي (ت 1948 م).
8) عبد الحميد قِنْبَاز (ت 1977 م).
9) مُنير بن عبد الرَّحيم الرَيِّس (ت 1992 م).
10) نجيب بن محمُود الريِّس (ت 1952 م).
11) نجيب بن محمَّد الأرمنازي (ت 1968 م).
12) أُغْناطيوس “نجيب بن عبد الله” حِرِيْكِه (ت 1968 م).
ورغمَ أن التَّقرير أورد أسماء (7) شخصيَّات من آل العَظم، إلا أنَّ واحداً منها فقط يُحسب على مدينة حماة، وهو الوجيهُ المَعروفُ: غالب بيك العَظم، والذي أصبحَ نائِبَاً عن حماة، رغم خلفيته الدمشقيَّة.
أمَّا البقيَّة فجميعُهم مَحْسوبونَ على دِمشق، مثل: الأستاذ عبد القادر العَظم، وبديع المؤيَّد العظم، وحقِّي بِك العَظم، وخَالد بيك العَظم، ونزيه المؤيَّد العظم، وصفوح المؤيَّد العظم.
ورد اسم غالب بيك العَظم تحت رقم (34)، وفقَ التَّرجمة الحرفيَّة:
«ولدَ في حماة حوالي (1910 م)، مُسلم سُنِّي، محامٍ، وينتمي إلى أغنى العَائلاتِ الإقطاعيَّة في حماة، وعضو مجلس إِدَارة حَماة، ولكن لا ينتمي إلى أيِّ حزبٍ سِياسي، قويُّ الشَّخصيَّة، مُتعلِّمٌ جيداً، وطموح. لديه القَليلُ من التأثير في حماة، مَع خلفيَّة دِمشقيَّة، يُفكِّر في دخول السِّياسَة».
كما ورد ضمن التقرير أسماء (4) شخصيَّات من آل البرازي، رأى البريطانيون فيهَا معالمَ التأثير على مستوى سوريَّا، ولعلِّي أوردُ المعلومات الواردة عن الوجيه نجيب آغا البَاكير البَرازي، حيث ذكرَ التَّقرير تحت رقم (50) أنَّه: «ولدَ في حَماة حوالي (1885 م)، من ملَّاك الأراضي الأغنياء، وزعيمُ أُسرةِ البَرازِي، من أصلٍ كُردي، وهو زعيمُ الكتلةِ الوطنيَّة في حماة، ونائبٌ عنها سنة (1936 م)، معظم تأثيرِ الرَّجل في حماة، لكن بِدونِ شعبيَّة، شَخصيَّة قويَّة وطموحَة جِداً، دَاهية، مُثقف، لكن بِدون تَعليم جيِّد، مُعارض لحكومة حِسني البَرازي».
وقد لَمَحَت أجهزة الاستخبارات البريطانية – في هذه المرحلة المُبكرة – تأثيراً واسعاً للسِّياسي السُّوري أكرم الحُوراني، إذا أورد التقرير رَصْدَهم أثرهُ الكبير بين الشباب، فجاء في التقرير تحت رقم (94) وفق الترجمة الحرفية: «وُلدَ في حماة حوالي عام (1915 م)، مُسلم سُني، محامي، زعيمٌ متطرفٌ لحزبِ الشَّباب في حماة، ذَكي، وله تأثيرٌ كبيرٌ على الشَّباب، ومن ضِمنهم أولادُ الأعيان، بالرغم من نظرتِه العدائيَّة للإقطاع».
وقد تطرَّق التقرير لشَخصيتين من عائلة الكيلاني، وهمَا “عبد القادر حسني الكَيلاني”، و”نَسيب الكَيلاني” في دمشق. وفي معرضِ ذكِر الوجيهِ الكبيرِ، السيِّد عبد القادر حسني الكيلاني، أورد التقرير ذكره تحت رقم (118) وفق النصِّ التَّالي: «ولدَ في حماة، حوالي (1875 م)، وهوَ الآن رأسُ العائِلةِ الكَيلانيَّة. ينحدرُ من الاسم نفسه في القرن الحَادي عَشر، غنِي، ويحظى بالاحترام بسببِ الشُّهرة الدِّينية للعائلة، تدرَّب على القانون باسطنبول، نائب – بمعنى عضو مجلس مَبْعُوثان – تحتَ النِّظام التُركي، وزير الزراعة في عهد الشِّيخ تاج الدِّين (1928-1929 م)، قَومي، معادي للأجانب.
كَتَبَ إلى رشيد عالي – يُقْصَدُ رَشيد عَالي الكيلاني – أثناءَ الثَّورة العراقيَّة (1911 م)، وحثَّه على مواصلة القتال، وتوافقَ مع الأمير عبد الله – يُقصَدُ الملك عبد الله بن الحسن – الآن متقدِّم بالعمر، ومضطرب الذِّهن».
ومن الشخصيات التي ذكرتها الوثائق البريطانية أيضاً نذكر المطران أُغناطيوس حِريكة، مطران أَبرشيَّة حماة تحت رقم (97)، وقد تحامَل البريطانيون على شخصيَّته بسبب مواقفة الوطنيَّة، فجاء في تقريرهم عنه: «وُلد حوالي عام (1900 م)، مُطران حماة للروم الأرثُوذوكس. وكمَا جَرتِ العَادة مع قسَاوسَةِ المشرق العربي، كانَ اهتمامه بالسِّياسة أكثر من اهتمامه بمسائل الكَنيسة، وكان يُحاول أن يضعَ إصبعهُ في كلِّ شيء، وهو مُتحالفٌ مع المسلمِين ضدَّ الفَرنسيين، وكانَ من أنصارِ الكتلة الوطنيَّة، وفي اجتماع (21 تشرين الثاني 1942 م) للاحتفال بالبطلِ القومِي هَنانو، أَلقى خطاباً يفيدُ أنَّه لا تُوجد أقليات في سورية، موقظاً ضجَّةً في الأوساطِ المسيحيَّة والفرنسيَّة. ذكي، لكنَّه عديمُ الضَّمير».
في نهاية هذا المبحث نجدُ بشكلٍ لا لبسَ فيه، أنَّ الدول الغربيَّة والطَّامحين المتربصينَ بِنَا، دَرسوا بنية مجتمعاتنا وخلفيَّات الشَّخصيات المؤثرة فيها، ممَّا مكَّنهم من اختراقهَا والتَّلاعب بها، تحتوي هذه الوثائق آلافَ التقارير، كتبت بواسطة عُملاء أرضيين، من أبناء البلد، تَكشف في كثير من تفاصيلها حُجُبَ وأسرارَ وأستارَ السَّنوات الخطيرة التي مرَّت في مطلع القرن الماضي، والتي أدَّت إلى نشوء الدُّويلات التي نعيش بها اليوم.
بعض التقارير تتحدث عن قضايا يومية، مثل عِراكٍ ذو خلفيه طبقية أو سياسية في بعض الأحياء بحمص وحماة، وتحزبات الأسر وتحالفتها، وتتحدَّث تقارير أخرى عن إشكالات واضطرابات اجتماعية أو طائفية ألقى عليها الباحثون في تلك الدُّول الضوء، واستطاعوا سبر غورَ مجتمعاتنا من خلال فهْمِهَا، والتَّعامل مع الأحداثِ التي تُفرزُهَا، وتطويعِهَا لمصلحتهِم فيما بعد.
لقد كان التَّاريخُ ومازال مَوضوعاً حيَّاً في وجدان أمَّتنا، ولذلك يُنْتَظر أن تختلف الآراء حول مفاهيمه، وأساليب التَّفسير والتَّدقيق فيه. ويتداخل التَّاريخ مع عناصر عدَّة، فيَكْتُبه الغَالبُ ويكتبه المَغْلُوبُ، كما أنه يتَّصل بالاتجاهات الفكريَّة المختلفة، ويَتَنَاغَمُ مع التطوُّرات العامَّة، فيتأثَّر بها، وقد يكون له أَثَرُهُ البيِّنُ في كثيرٍ منها.
ونحن حين ندرس تاريخنا أو ما كتب عنا فإننا نريد فَهْمَهُ، وبالتَّالي تكوين فكرةٍ واضحةٍ عن جذور حاضرنا، قد يريد البعض مِنَّا إهمال التَّاريخ والالتفات إلى المستقبل، فلا فائدة حسب زعمهم ممَّا فات، وهو يحتجُّ بهذا بأنَّ المَاضي أثقلَ كاهلنا برواسبه، وأنَّه أعاقَ مسيرتنا عن اللَّحاق بركبِ التطور والحَدَاثة، بينما يدفعنا البعض الآخر إلى المَاضي، نعتاشُ على ذكرياته، نستنير بومضاته، لكنَّ الحقيقة تقع في المنتصف.
فالولد سرُّ أبيه كما يقال، وبما أنَّ الرَّجل هو صنيعة الطِّفل الَّذي هو فيه، فإنَّنا أو جزءٌ كبيرٌ منا على الأقل، هو صَنِيْعَةُ الماضي الذي هو في وجداننا.
اقرأ:
مدينة ُحماة في «الوثائق الهَاشميَّة – مذكَّرات عبد الله بن الحُسين» (2/1)
مدينة ُحماة في «الوثائق الهَاشميَّة – مذكَّرات عبد الله بن الحُسين» (2/2)
“نبِّه النُدمان” .. من موشحات الشاعر محمد الهلالي الحموي
الحكومَةُ الحَمَويَّة – بينَ حُكْمِ دَولَتَين
تاريخ حماة من طوابعها البريديَّة