مختارات من الكتب
نيقولاس فان دام: الحواجز الإجتماعية التقليدية أمام التوسع الطبيعي لحزب البعث
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا (7)
فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995.
الفصل الثاني – ظهور الأقليات في القوات المسلحة السورية وحزب البعث
إن حقيقة أن الكثير من البعثيين الأوائل كانوا من الإقليات وأبناء الريف قد شكلت فيما بعد عائقًا إجتماعيًا أمام إنضمام أبناء المدن والسنيين إلى البعث، وذلك بسبب التناقضات التقليدية بين المجتمعات الريفية والمدينية وبين السنيين والأقليات الدينية. إن مثل هذه الحواجز الإجتماعية التقليدية قد عرقلت التوسع الطبيعي لمنظمة الحزب في أرجاء الوطن، وظهر ذلك جليًا في فترة الستينات عندما تقلد حزب البعث زمام السلطة . ويمكن توضيح ذلك من خلال فرعى الحزب في دمشق وحماة وتنظيم الفلاحين التابع للحزب
فرع دمشق
لقد كان عدد أعضاء الحزب من سكان دمشق الأصليين قليلاً نسبيًا، وتوجد وثيقة حزبية داخلية يرجع تاريخها إلى عام 1965 ذكر فيها ان “دمشق نفسها أغلقت أبوابها ذات يوم في وجه الحزب والثورة” (ثورة الثامن من آذار 1963) (1).
إن التناقضات المدينية الريفية والتناقضات بين الدمشقيين وغير الدمشقيين ظهرت بوضوح بين أعضاء فرع دمشق وأدت في عام 1964 إلى توقف نشاطات الحزب بالفعل . وبعبارة أخرى، فإن كون معظم قيادة فرع دمشق من غير الدمشقيين قد تسبب في ركود نشاطات الحزب في العاصمة السورية.
وفى أوائل عام 1965 ، وكمحاولة لتنشيط الحزب ثانية، قررت القيادة القطرية السورية لحزب البعث إستبدال ثلاثة أعضاء “ريفيين” من قيادة فرع دمشق بآخرين دمشقيين(2)، وعلاوة على ذلك، تقرر فصل الريفيين والمدينيين القاطنين دمشق تنظيميًا، وذلك عن طريق فصل شعبة الغوطتين (واحتان مجاورتان بدمشق) عن فرع الحزب بالعاصمة.
وهكذا، أمكن تنظيم نشاط المدينيين والريفيين بشكل أيسر. وفى نفس الوقت، أمكن الحد من التناقضات المدينية الريفية التي كانت قد ظهرت داخل جهاز الحزب(3) .
فرع حماة
لم يحظ حزب البعث في مدينة حماة وغالبيتها من السنيين بالكثير من التأييد. فبالمثل، شكلت التناقضات المدينية الريفية عاملاً هامًا تسبب في ركود نشاط الحزب في عام 1964.
بيد أنه كان هناك إختلاف جوهري عن الوضع في محافظة دمشق ألا وهو أن التناقضات المدينية الريفية في مدينة حماة كانت مصحوبة ومحجوبة بالاختلافات الطائفية. ويرجع ذلك إلى أن المناطق الريفية المحيطة بحماة كانت آهلة بالسكان من الأقليات الدينية بمن فيهم الإسماعيليون والعلويون والمسيحيون الروم الأرثوذكس الذين كانوا يشكلون أعدادًا لا يُستهان بها.
وفى أبريل (نيسان) 1964 حدث في حماة عصيان ذو مسحة طائفية ضد حزب البعث، لعب فيه الأخوان المسلمون المحليون دورًا هامًا. وقد أدى القمع الدموي لهذا العصيان إلى زيادة إتساع فجوة الخلاف بين غالبية سكان المدينة وهم سنيون وغالبية قيادات نظام حزب البعث وهم من الأقليات(4).
وكأثر جانبي لذلك تخلخلت نشاطات حزب البعث في مدينة حماة بصورة خطيرة، حتى توقفت تماماً. وقد اقترح بعض قادة الحزب المحليين فيما بعد إنشاء فرع منفصل في مدينة حماة لا يضم المناطق الريفية المحيطة بأقلياتها الدينية. فقد بدا هذا ح ً لا لوضع حد للطريق المسدود الذي وصلت إليه نشاطات الحزب، إلا أن هذا الإقتراح رفض من قبل القيادة القطرية السورية بحجة أن “ذلك لن يفعل سوى أن يزيد من روح الإقليمية والطائفية الموجودة داخل فرع الحزب”(5).
ومما هو جدير بالملاحظة أن القيادة القطرية في محاولتها فيما يبدو لمقاومة الإتجاهات الطائفية لم تسمح بإنشاء فرع مستقل للحزب بمدينة حماة في حين أنها وافقت فيما سبق على مثل هذا الحل لدى معالجتها لخلافات فرع دمشق. ففي الحالة الأخيرة كان الوضع أقل تعقيدًا بصدد الطائفية، لأن معظم سكان مدينة دمشق وقاطني المناطق الريفية المجاورة كانوا سنيين.
المصادر والمراجع:
(1) التقرير التنظيمي 1965، صـ 28، طبقاً لـ حنا بطاطو فإنه لم يكن هناك سوى 12 دمشقياً من بين حوالي 600 عضو بالحرس القومي البعثي بالعاصمة السورية عام 1964. انظر:
Hanna Batatu, ‘Some Observations on the Social Roots of Syria’s Ruling, Military Group and the
Causes for its Dominance’, The Middle East Journal, Vol. 35, Summer 1981, p. 339.
(2) المصدر السابق، ص 28.
(3) في وقت سابق في عام 1963 تكون فرع حزبي منفصل عرف بفرع الأطراف للمناطق المحيطة الأخرى وضواحي دمشق، التقرير التنظيمي 1965، ص 29، انظر ايضاً:
A. BenTsur, ‘Composition of the Membership of the Ba’th Party in the Kuneitra Region”,
Hamizrah Hedadash, Vol. XVIII (1968), pp. 269-73.
(4) يعزى القمع الوحشي للعصيان المسلح في حماة لعملية ثأر طائفية قام بها العقيد الدرزي البعثي الشهير حمد عبيد. وفى فبراير (شباط) 1952 تم قمع عصيان مسلح في جبل الدروز دمويًا بواسطة ضباط حمويين سنيين، ساندوا فيما بعد نظام؛ أديب الشيشكلي، وهو أيضًا سني من حماة . (مطاع الصفدي، حزب البعث، ص 341 ؛ الحياة، 24 أبريل (نيسان) 1964 انظر أيضًا الزمان، 21 أبريل (نيسان) 1964 ؛ وفؤاد الأطرش، الدروز، مؤامرات وتاريخ وحقائق (بيروت، 1975 )، ص 374.
(5) التقرير التنظيمي 1965 ، صـ 31.
اقرأ:
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الأول .. المقدمة :
1- العوامل التي ساهمت في الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية في سورية
2- الإقليمية في سوريا خلال فترة الاستقلال
3- الأقليات الدينية المتماسكة .. العلويون
4- الأقليات الدينية المتماسكة .. الدروز والإسماعيليون
الفصل الثاني: ظهور الإقليات في القوات المسلحة السورية وحزب البعث
1- التداخل الطائفي والإقليمي والعشائري والإجتماعي الإقتصادي
2- التمثيل القوي لأعضاء الأقليات في حزب البعث
3- الحواجز الإجتماعية التقليدية أمام التوسع الطبيعي لحزب البعث
4- الشقاق الحزبي الإنصرافي داخل جهاز حزب البعث المدني
5- انتخابات حزب البعث المحلية عام 1965
6- أعضاء الأقليات في القوات المسلحة السورية قبل عام 1963
7- الاحتكار البعثي للسلطة في سورية 1963
الفصل الثالث: الإستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية بين السنيين والإقليات الدينية
1- التكتل الطائفي والإقليمي والعشائري في النخبة العسكرية البعثية
2- التمييز الطائفي ضد السنيين في القوات المسلحة السورية
3- فشل سياسة الطائفية العلنية كتكتيك.. إبعاد محمد عمران
4- الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1965
5- الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1966
6- التنظيم السري للقيادة القومية المخلوعة عام 1966
الفصل الرابع: تصفية الضباط الدروز ككل منفصلة داخل القوات المسلحة السورية
2- الاستقطاب الطائفي العلوي – الدرزي وإنقلاب سليم حاطوم
3- الدعاية الطائفية ضد العلويين
4- التصفيات اللاحقة لإنقلاب حاطوم الفاشل
5- تصفية الجماعات الحورانية البارزة
الفصل الخامس – الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية
1- التنافس بين حافظ الأسد وصلاح جديد
2- الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية قبل عام 1970
3- الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية بعد عام 1970
الفصل السادس – الشقاق الحزبي الطائفي والإقليمي في نخبة السياسيين السوريين: تحليل إحصائي
1- تحليل إحصائي لمؤسسات السلطة السياسية السورية 1961- 1995