مختارات من الكتب
نيقولاس فان دام: الأقليات الدينية المتماسكة .. العلويون
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا (3)
فان دام (نيقولاس)، الصراع على السلطة في سوريا- الطائفية والإقليمية والعشائرية السياسية 1961- 1995.
الأقليات الدينية المتماسكة
منذ تولى حزب البعث زمام السلطة في سوريا عام 1963 فإن أعضاء الأقليات الدينية المتماسكة المتحدثين بالعربية كالعلويين والدروز والإسماعيليين قد لعبوا دورًا سياسيًا مرموقًا، وعليه فسوف نتناول بشيء من التفصيل ولو بإيجاز ظروفهم الإجتماعية
العلويون
يقطن حوالي 75 ٪ من العلويين السوريين منطقة اللاذقية، حيث يشكلون الأغلبية المحلية هناك. ويعمل معظمهم في قطاع الزراعة، ممثلين بذلك الأغلبية الساحقة من سكان اللاذقية الريفيين. أما في المدن الساحلية فقد كانوا أقلية بالمقارنة بالسنيين والمسيحيين. وعليه، فإن التباين الريفي المديني والتباين الطبقي بمنطقة اللاذقية عادة ما يتوافقان مع الإختلافات الطائفية.
لقد فرضت المدن فيما مضى هيمنة إقتصادية وإجتماعية على سكان الريف الذين كانوا يرغمون على التنازل عن جزء كبير من عائداتهم لملاك الأراضى والتجار. وبدا التباين المديني الريفي في بعض الأحيان وكأن المدن مستوطنات لغرباء يعيشون على حساب سكان الريف الفقراء. وفى الأربعينات كانت المدن الساحلية كاللاذقية من وجهة النظر السياسية والإجتماعية بمثابة قواعد أمامية لدمشق العاصمة بغالبية سكانها من السنيين(1).
ونما على مر الزمان لدى العلويين شعور بعدم الثقة تجاه السنيين الذين كثيرًا ما كانوا يضطهدونهم، إلا أن هذا الشعور كان أقل حدة تجاه المسيحيين وربما يرجع ذلك لكون المسيحيين أيضًا في وضع ضعف وعدم يقين .
أما بالنسبة للتنظيم الإجتماعي فيمكن الفصل بشكل تقريبي بين العلويين القاطنين المناطق الجبلية وأولئك القاطنين سهول سوريا والمناطق الساحلية. فالروابط العشائرية أقوى بين سكان المناطق الجبلية وتكاد تختفي بين سكان المناطق الساحلية، حيث تشكل الأسرة أهم وحدة إجتماعية وحيث نجد الروابط بين أفرع الأسرة المختلفة قوية للغاية .
وبينما نجد أن العلويين القاطنين المناطق الساحلية والسهول المنخفضة مسيطرًا عليهم ومستغلين إقتصاديًا من قِبل أعضاء الطوائف الدينية الأخرى وفى مقدمتهم السنيين والمسيحيين إلا أن سكان المناطق الجبلية التي يصعب الوصول إليها قد استطاعوا أن يتطوروا باستقلال أكبر. إن الوضع الإجتماعي والإقتصادي للفلاحين العلويين كان متشابهًا في كلتا المنطقتين، بيد أن الفارق الوحيد هو أن الفلاحين العلويين بالمناطق الجبلية كانوا مستَغلين من قِبل أبناء طائفتهم الدينية، بينما لم يكن هذا هو الوضع دائمًا بالنسبة للاخرين .
وهم ويمكن تقسيم العلويين عشائريًا إلى أربعة إتحادات: الخياطين والحدادين والمتاورة والكلبية (2) موزعون على منطقة اللاذقية بأكملها والمناطق المحيطة بها. والكثير من القرى والأراضى التابعة لها موزع بين عائلات من عشائر مختلفة، وأحيانًا يكون للاتحادات العشائرية أكثر من قائد (رئيس أو زعيم)، حيث تنقسم هذه الإتحادات إلى عشائر، لكل منها مَقد مَّ. ورغم أن زعامة العشيرة عادة ما كانت تُكتسب بالوراثة، إلا أنه كان بالإمكان الحصول عليها عن طريق مميزات شخصية أو نفوذ في مراكز القوى السورية على المستوى الوطني. وهكذا، استطاعت بعض العائلات العلوية الفقيرة مثل عائلة الرئيس حافظ الأسد إكتساب نفوذ كبير على مستوى العشيرة في مناطق نشأتهم، وذلك بسبب وضعهم القوى الذي إكتسبوه على المستوى الوطني في الجيش مث ً لا أو في مراكز قوى أخرى .
ومعظم العشائر العلوية لها رؤساء دينيون (الشيوخ أو رجال الدين) يتمتعون بنفوذ ديني وإجتماعي كبير على رجال العشيرة، وإن كان أقل من نفوذ زعيم العشيرة. وفى بعض الحالات كان لهؤلاء نفوذ قوى يصل إلى حد إضعاف سلطة زعماء العشائر وحرمانهم من مؤيديهم، بل وأيضًا إستبدالهم. وكثيرًا ما كان زعماء العشائر الدينيون والسياسيون ينتمون لعائلة واحدة واستطاع زعماء العشائر أو الشيوخ ممارسة سلطات عظيمة على الفلاحين من أبناء ملتهم بسبب ما كانوا يمتلكونه من أرا ضٍ. فعندما كانت السلطة العشائرية مصحوبة بملكية الأراضى وكان الزعيم شيخًا في نفس الوقت، كان أبناء العشيرة من الفلاحين لا يعدون أن يكونوا خدام ًا. وفى ظل الإنتداب الفرنسي كانت مثل هذه العلاقة الدينية العشائرية الإقطاعية قائمة بين العائلات العلوية القوية عباس وكنج ومرشد وبين أبناء دينهم الخاضعين لهم. وكانت سلطة هذه العائلات تمتد لتفوق حدود ما يمتلكونه من أراضٍ(3).
لقد كانت جبال العلويين فيما مضى من أكثر المناطق السورية حرمانًا وتأخرًا، بل كانت متخلفة إن الظروف الإجتماعية والإقتصادية للفلاحين العلويين P2 عن بقية مناطق الدولة في كثير من المجالات (4).
قد تحسنت بشكل ملحوظ منذ إستقلال سوريا، وبالأخص منذ أن تولي حزب البعث زمام الحكم في عام 1963م. ومنذ عام 1963 بدأت منطقة اللاذقية تتمتع بنمو وتطور متفاوتين (5) .
وخلال العقد الماضي حدثت هجرة ملحوظة بين علويي الجبال بمنطقة اللاذقية. ونتيجة لإستقرارهم في مناطق جديدة تمكن العديد منهم من إجبار أقليات دينية أخرى كالإسماعيليين على التقهقر جغرافيًا. وقد هاجر البعض الآخر للسهول المنخفضة والمدن . ففي محافظتي حماة وحمص على الأخص تزايد عدد القرى التي يقطنها العلويون(6).
الهوامش:
(1) Weulersse, Le Pays des Alaouites, p. 66.
المناقشة التالية حول العلويين السوريين تستند أساسًا على المصدر السابق؛
Mousa, Etude sociologique des ‘Alaouites ou Nusairis;
منير الشريف، المسلمون العلويون. من هم؟ وأين هم؟ (دمشق، 1961 ، الطبعة الثالثة) ٠ ومن أجل الإطلاع على تاريخ العلويين أنظر محمد أمين غالب الطويل، تاريخ العلويين (بيروت، 1966 ، الطبعة الثانية)، وتعليق من الشيخ العلوي السوري عبد الرحمن الخير
(2) من بين هذه الإتحادات العشائرية العلوية الأربعة إنشقت مجموعتان دينيتان هامتان، وهما الحيدريون الذين يشكلون وحدة دينية، إلا أنهم احتفظوا بصلاتهم العشائرية الأصلية، والغساسنة الذين ظهروا بعد الحرب العالمية الأولى تحت قيادة سليمان المرشد الذي عين نفسه زعيمًا دينيًا وجذب وراءه أربعة آلاف من الأتباع. وبعد وفاة المرشد عاد معظم أتباعه وانضموا لعشائرهم الأصلية. ويذكر منير مشابك موسى طائفة العلويين المسماة بالكلازية .
(Etude sociologique des ‘Alaouites ou Nusairis, p. 237)
(3) قارن
Issam Y. Ashour, The Remnants of the Feudal System in Palestine, Syria, and Lebanon (Master’s
thesis, American University of Beirut, 1946), Chapter 4, ‘The Metayer System and the Survival
of Certain Feudal Features’, pp. 54-57.
(4) رغم أن زراعة التبغ كانت مصدرًا رئيسيًا للدخل، إلا أن مزارعي التبغ من العلويين كانوا مسلوبي القوة ومعزولين. ويعود ذلك جزئياً لإنخفاض أرباحهم بسبب العمولات التي كان يتقاضاها الوكلاء. وفى الواقع، كان صغار مزارعي التبغ مضطرين لبيع محصولهم للسماسرة من السنيين القاطنين السواحل مقابل مبالغ ضئيلة. وهناك ظاهرة جديرة بالملاحظة تدل على شدة فقر العلويين، ألا وهي أن أفقر العائلات كانت تضطر للتعاقد على تشغيل بناتها كخادمات في منازل العائلات الثرية، ومعظمها من السنيين المدينيين الذين كانوا ينظرون للفلاحين العلويين بإزدراء.
(5) طبقًا لما ورد في
Alasdair Drysdale, ‘The Regional Equalization of Health Care and Education in Syria since the
Ba’thi Revolution’, International Journal of Middle East Studies, Vol. 13 (1981), pp. 93-111,
فإن الكاتب يرى أن “تعهد نظام البعث بالحد من التفاوتات الإقليمية والحضرية الريفية.. بات واضحًا من خلال الجهود
المبذولة لتحسين المعيشة في الريف ٠٠٠ وجدير بالذكر ان محافظتي اللاذقية ودرعا قد تمتعتا بنمو متفاوت، ربما بسبب
” المحسوبية الحكومية.
قارن:
Alasdair Drysdale, ‘The Syrian Political Elite, 1966-1976: A Spatial and Social Analysis’, Middle
Eastern Studies, Vol. 17, No. 1, January 1981, pp. 3-30.
من أجل دراسة تتناول التغيير الإجتماعي والإقتصادي في المناطق الريفية السورية منذ عام 1963 وتتناول محافظة اللاذقية
كمثال، انظر:
Raymond A. Hinnebusch, ‘Local Politics in Syria: Organization and Mobilization in Four Village
Cases’, The Middle East Journal, Vol. 30, No. 1, Winter 1976, pp. 1-24.
Raymond A. Hinnebusch Jr., EliteMass Linkage: The Role of the Mass Organizations in the
Syrian Political System (n.p., n.d.); Raymond A. Hinnebusch, Peasant and Bureaucracy in
Ba’thist Syria: The Political Economy of Rural Development (San Fransisco, 1989).
(6) قارن
Talal Akili, Die Syrischen Küstengebiete. Eine Modelluntersuchung zur Regionalplanung in den
Entwicklungsländern (Berlin, 1968), pp. 68-84;
Weulersse, Le Pays des Alaouites, pp. 341-2.
اقرأ:
من كتاب الصراع على السلطة في سوريا – الفصل الأول .. المقدمة :
1- العوامل التي ساهمت في الولاءات الطائفية والإقليمية والعشائرية في سورية
2- الإقليمية في سوريا خلال فترة الاستقلال
3- الأقليات الدينية المتماسكة .. العلويون
4- الأقليات الدينية المتماسكة .. الدروز والإسماعيليون
الفصل الثاني: ظهور الإقليات في القوات المسلحة السورية وحزب البعث
1- التداخل الطائفي والإقليمي والعشائري والإجتماعي الإقتصادي
2- التمثيل القوي لأعضاء الأقليات في حزب البعث
3- الحواجز الإجتماعية التقليدية أمام التوسع الطبيعي لحزب البعث
4- الشقاق الحزبي الإنصرافي داخل جهاز حزب البعث المدني
5- انتخابات حزب البعث المحلية عام 1965
6- أعضاء الأقليات في القوات المسلحة السورية قبل عام 1963
7- الاحتكار البعثي للسلطة في سورية 1963
الفصل الثالث: الإستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية بين السنيين والإقليات الدينية
1- التكتل الطائفي والإقليمي والعشائري في النخبة العسكرية البعثية
2- التمييز الطائفي ضد السنيين في القوات المسلحة السورية
3- فشل سياسة الطائفية العلنية كتكتيك.. إبعاد محمد عمران
4- الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1965
5- الاستقطاب الطائفي في القوات المسلحة السورية عام 1966
6- التنظيم السري للقيادة القومية المخلوعة عام 1966
الفصل الرابع: تصفية الضباط الدروز ككل منفصلة داخل القوات المسلحة السورية
2- الاستقطاب الطائفي العلوي – الدرزي وإنقلاب سليم حاطوم
3- الدعاية الطائفية ضد العلويين
4- التصفيات اللاحقة لإنقلاب حاطوم الفاشل
5- تصفية الجماعات الحورانية البارزة
الفصل الخامس – الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية
1- التنافس بين حافظ الأسد وصلاح جديد
2- الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية قبل عام 1970
3- الصراع على السلطة داخل الطائفة العلوية بعد عام 1970
الفصل السادس – الشقاق الحزبي الطائفي والإقليمي في نخبة السياسيين السوريين: تحليل إحصائي
1- تحليل إحصائي لمؤسسات السلطة السياسية السورية 1961- 1995
