ملفات
سلخ لواء اسكندرون عام 1939
بعد توقيع هدنة (موندروس) في الثلاثين من تشرين الأول 1918، رفع بحارة النسافة الفرنسية (كوتوله) العلم الفرنسي في انطاكية، وكانت قد سبقتهم إلى أنطاكية فرقة من القوات العربية ورفعت العلم العربي فيها.
في نهاية تشرين الثاني 1918م، أعلنت الحكومة العربية رسمياً في أنطاكية وانسحبت منها الجيوش التركية نهائياً.
اندلعت في أنطاكية ثورة إبراهيم هنانو وصبحي بركات ومحمد آطه لي عام 1919 – 1920م.
بعد سيطرة القوات الفرنسية على المنطقة، وأتموا احتلال المنطقة الغربية من سورية، قاموا بتنظيم الحكم في المنطقة، وجمعوا أقضية اسكندرون وأنطاكية وحارم وبيلان تحت اسم سنجق اسكندرونة المستقل، وبعد ذلك أطلق عليه الفرنسية سنجق اسكندرون.
في الحادي والثلاثين من آب 1920 ألغيت المنطقة الغربية وألحق سنجق اسكندرون المستقل بموجب القرار 330 تاريخ الأول من أيلوا 1920 بحكومة حلب، مع احتفاظه باستقلاله الإداري.
في الثامن من آب 1921م، أي قبل التوقيع على معاهدة أنقرة في العشرين من تشرين الأول 1921م، أجرى في السنجق تغيررات إدارية وصدرت تعليمات إدارية خاصة به، وصارت اللغة التركية لغة رسمية أسوة بالعربية والفرنسية فيه.
وفي العشرين من تشرين الأول 1921م، وقعت الهدنة الفرنسية التركية بموجب (اتفاق أنقرة)، والذي نص في مادته السابعة على وضع نظام إداري خاص لمنطقة اسكندرونة، على أن يتمتع السكان الأتراك في هذه المنطقة بكافة التسهيلات الضرورية لإنماء زراعتهم، وأن تكون اللغة التركية في هذه المنطقة صفة رسمية).
في الثاني عشر من أيلول 1922 عين المفوض السامي الفرنسي بموجب قراره رقم 1025 حدود أراضي سنجق اسكندرون.
في الخامس من كانون الأول 1924م، حل الاتحاد السوري، وأعلن الفرنسيون إنشاء دولة سورية التي تضم دمشق وحلب، بينما عادت اللاذقية إلى ما كانت عليه منذ الانتداب، دولة مستقلة يديرها حاكم فرنسي مرتبط بالمندوب السامي، و تم ربط لواء اسكندرون برئيس الدولة السورية على أن يحتفظ باستقلاله الإداري.
حاول في تلك الأثناء مرعي باشا الملاح حاكم دولة حلب أن يبقى سنجق الإسكندرونة تابعاً لدولة حلب، والذي كان يضم ميناء بحرياً ذا أهمية اقتصادية بالغة لحلب. وأرسل الملاح في السادس والعشرين من كانون الثاني/ يناير من العام 1924 إلى يطالب الجنرال ويغان بألا يفك ارتباط سنجق الاسكندرونة عن دولة حلب، وكان رد الجنرال الفرنسي هو نفي الإشاعات التي دارت بشأن فصله عن دولة حلب”، مبيناً له أن “لا أصل لها البتة”، كما طمأن ويغان حاكم دولة حلب إلى أنه “لا يوجد في نوايا الدولة المنتدبة ولا في أعمالها ولا عند ممثليها ما يشتم منه إحداث أي تغيير في حال سنجق الاسكندرونة”.
في شهر أيلول 1926 أوفدت الحكومة السيدين حسن الحكيم وشاكر الشعباني إلى لواء اسكندرون لاستفتاء أبنائه بشأن الاندماج مع الوحدة السورية مع دمشق وحلب، وجرى اجتماع في دار البلدية حضره الوزيران ومحافظ اللواء إبراهيم إدهم، ومندوب المفوض السامي الكولونيا دوريو، وجميع نواب لواء اسكندرون، وجرى توقيع مضبطة تضمنت اجماع النواب على إبقائه مع سورية.
التنسق الفرنسي – التركي
في الثالث من أيار 1930م، تم التوقيع على برتوكول حلب بين سورية وتركيا الذي رسم الحدود السورية – التركية بشكلها النهائي.
في مطلع عام 1936م، ارادت تركيا الاستفادة من التوتر الذي ساد العلاقات الأوربية للسيطرة على لواء اسكندرون، وبدأت سلسلة تصريحات حول ضمن لواء اسكندرون إلى تركيا.
اتفقت فرنسا وتركيا على عرض موضوع لواء اسكندرون على عصبة الأمم، وتعهدت فرنسا ضمنياً بالتصويت إلى جانب تركيا، ولدى مناقشة القضية، أصدرت عصبة الأمم قراراً بوضع نظام خاص لسنجق اسكندرون، بالتشارو والتنسيق مع الأطراف المعنية.
وفي التاسع والعشرين من أيار 1937م، صدر تصريح تركي فرنسي حول لواء اسكندرون، وكان التصريح يعكس حالة التنسيق الفرنسي التركي.
بعد ذلك أصدرت عصبة الأمم القانون الأساسي لسنجق اسكندرون، مع برتوكولات الحدود.
في التاسع والعشرين من أيار 1937م، جرى التوقيع في أنقرة على اتفاق ضمان الحدود السورية – التركية.
في كانون الثاني 1938 أقر مجلس عصبة الأمم هذا الاتفاق، وعين لجنة من المجلس لكي تتابع مشروع تنظيم ومراقبة العملية الانتخابية في سنجق اسكندرون، ووصلت اللجنة إلى اسكندرون، ووجدت ضرورة وقف عمليات تسجيل الناخبين تحضيراً للانتخابات بسبب التجاوزات التي كانت تجري حينها، ثم غادرت اللجنة اللواء.
سلخ لواء اسكندرون عام 1939
في الثامن عشر من تموز 1939م، قرر ممثلا الحكومتين الفرنسية والتركية في لواء اسكندرون جواد آجيبق آلين والكولونيل كولييه استئناف عمليات التسجيل والانتخابات في لواء اسكندرون اعتباراً من الثالث والعشرين من تموز 1938 تنفيذاً لقرار حكومتيهما الضامنتين لحدود لواء اسكندرون.
وناشد الكولونيه كولييه السكان بالهدوء حتى تجري عملية إنجاز التسجيل بإشراف الممثلين الأتراك والفرنسيين، ولوح بتطبيق العقوبات التي تنسجم مع الأحكام العرفية المفروضة على السنجق.
وقعت فرنسا وتركيا في الحادي والعشرين من تموز 1939 على اتفاقية تسوية الحدود والقضايا الإقليمية بين سورية وتركيا بصورة نهائية، وجرى تنفيذ الإتفاقية إعتباراً من الثاني والعشرين من تموز 1939م، ونصت في مادتها الأولى على تعديل خط الحدود الموصوف في البرتوكولات المؤرخة في 3 أيار 1926 و الثاني والعشرين من حزيران 1929م، والثالث من أيار 1939 بحيث تنص مادتها الثانية على اكتساب مواطني السنجق للجنسية التركية.
في الخامس والعشرين من تموز 1939 أودع وزير الخارجية الفرنسي (جورج بونيه) هذه الاتفاقية لدى الأمين العام لعصية الأمم، لتوزيعها على الأعضاء.
بعد إيداع الإتفاقية في عصبة الأمم، أصدرت تركيا التظام الأساسي للواء اسكندرون، وسمته بـ (سنجق هاتاي) وجعلت مركزه مدينة أنطاكية.
نتائج سلخ لواء اسكندرون
بالإضافة إلى فقدان سورية جزء من أرضها عند سلخ لواء اسكندرون عنها، استقبلت عدد كبير من أبناء اللواء.
وقدرت صحيفة الجزيرة الصادر في سورية عدد النازحين من اللواء بنحو 45 ألفاً ، لجأ معظم الأرمن منهم إلى حلب وبيروت، ولجأ قسم كبير منهم إلى القرى الكائنة بين جسر الشغور واللاذقية، ولجأ قسم كبير من العرب إلى محافظة اللاذقية.
موقف حكومة المديرين من سلخ لواء اسكندرون
في الثامن من تموز 1939م، أصدر المفوض الفرنسي الجنرال “بيو” قراراً يقضي بتشكيل المديريات، بدلاً عن الحكومة في سورية، وعين بهيج الخطيب رئيساً ل حكومة المديرين التي استمرت حتى الأول من نيسان 1941م.
تبلغت مديرية البرق والبريد العامة، من المفوضية العليا في الثالث والعشرين من تموز، صورة قرار يتضمن تطبيق التعرفة الخارجية على جميع الرسائل والبرقيات والطرود الصادرة من سورية إلى الإسكندرونة باعتبار أن المنطقة أصبحت جزء من تركيا اعتباراً من تاريخ 23 تموز الحالي.
واجتمع مجلس المديرين في ذلك اليوم، وكانت من النقاط التي ناقشها قضية النازحين من اللواء، أي اختصرت حكومة المديرين الموقف بمعالجة قضية المهاجرين، وقرر المجلس في اجتماعه قرر الاتصال بالسلطات العليا لبحث هذه القضية، وخاصة أمر إيجاد الأماكن اللازمة لإسكانهم وايوائهم.
الموقف العربي من سلخ لواء اسكندرون
الموقف الأردني من سلخ لواء اسكندرون |
خلفية النزاع التركي ـ السوري على لواء الاسكندرونة
ظهرت مشكلة الاسكندرونة عام 1936 وتم بشكل نهائي ضمها لتركيا في عام 1939 قبل شهور قليلة من قيام الحرب العالمية الثانية. وعندما اصبحت سوريا دولة مستقلة عام 1946 ادعت فرنسا, دولة الانتداب , بأنها لا تملك الحق لتسليم هذا الاقليم الى سوريا, ورفضت سوريا قبول القرار الذي اتفقت عليه كل من فرنسا وتركيا دون موافقة من السوريين, وقد خلف هذا الموقف تأثيرا سلبيا على العلاقات بين سوريا وتركيا لبضع سنوات وعمدت سوريا على وضع المنطقة ضمن الخرائط التي تبين حدودها. الموقف الذي ادى الى مشكلة لواء الاسكندرونة (1918 ـ 1936) في العصر العثماني كانت المنطقة تعرف باسم (سنجق الاسكندرونة) وكانت تابعة لولاية سوريا, وعندما عقدت هدنة مدروس في اواخر الحرب العالمية الاولى, في 30 اكتوبر عام 1918 بين الامبراطورية العثمانية والحلفاء الغربيين كانت منطقة الاسكندرونة ـ انطاكية ذات الاغلبية العربية المطلقة في ايدي القوات التركية. ووفقا للميثاق الوطني الذي اقره اخر برلمان عثماني عام 1920 كانت هذه المنطقة ضمن حدود تركيا,.
غير ان فرنسا التي كانت قد وصلت الى ترتيب سري (اتفاقية سايكس ـ بيكو) في 16 مايو عام 1916 مع بريطانيا لتقسيم الاراضي العثمانية, مصممة على تملك كل من سوريا ولبنان, وتم تحقيق ما طمحت اليه من خلال نظام الانتداب الذي تقرر في 28 يونيو عام 1919 وفقا للمادة 22 من ميثاق عصبة الامم, وبالفعل تم بعد الحرب وفي المجلس الاعلى للدول المتحالفة في مؤتمر السلام المنعقد في سان ريمو في 25 ابريل عام 1920 تسلم فرنسا كلا من سوريا ولبنان (التي كانت تزال من الناحية الرسمية جزءا من سوريا الا ان فرنسا بادرت بفصلهما) واللتين ادارتهما فرنسا كمنطقتي انتداب مختلفين, في نفس الاثناء وكما سبقت الاشارة, فانه بعد فترة قصيرة من هدنة مدروس عام 1918 استخدمت فرنسا المادة 7 من الميثاق كمبرر لاحتلال اسكندرونة اولا ثم المنطقة المحيطة بأورفا, عنتاب, اضنة ومرسين في جنوب تركيا.
وفي اكتوبر عام 1921, وخلال حرب التحرير وقعت حكومة انقرة اتفاقا مع فرنسا التزمت بمقتضاه الاخيرة بترك جنوب شرق الاناضول, غير انها سحبت من الاتراك امتيازا بابقاء الاسكندرونة جزءا من سوريا, وتم تأكيد هذا الوضع في معاهدة السلام في لوزان عام 1923. وقد تبين فيما بعد ان حكومة انقرة قد ارتأت تقديم هذه التضحية المؤقتة في مقابل مصلحة اكبر بانهاء الحرب مع فرنسا في اقرب وقت (حيث ان تركيا كانت لاتزال مشتبكة في حرب مع كل من ايطاليا واليونان). وبالرغم من هذا فان المادة 7 من اتفاقية انقرة اشارت الى انه (سوف ينشأ نظام اداري خاص لمنطقة الاسكندرونة, سوف يتمتع السكان العرب لتلك المنطقة بكل التسهيلات اللازمة لتطورهم الثقافي, على ان تعتبر التركية اللغة الرسمية) .
وفي 24 يوليو عام 1922 قبل مجلس عصبة الامم ميثاق الانتداب على سوريا ولبنان ومنذ هذا التاريخ بدأت فرنسا ادارة تلك البلاد رسميا, وفي 30 مايو عام 1926 وقعت في انقرة معاهدة صداقة وحسن الجوار بين تركيا وبين فرنسا بالنيابة عن سوريا حددت مستقبل العلاقات بين تركيا وسوريا. وقد تضمنت هذه المعاهدة تفصيلات ادق للحدود التي كان قد تم تعيينها بشكل فضفاض في (اتفاقية انقرة) . وفي البروتوكول الملحق بالمعاهدة تقرر ان تولى فرنسا اهتماما خاصا للادارة الخاصة, ولم يتم الترسيم النهائي للحدود السورية ـ التركية الا بعد اربع سنوات حين تم توقيع البروتوكول النهائي في 3 مايو عام 1930, وخلال الفترة بين العامي 1920 و1925 جعلت فرنسا لواء الاسكندرونة ناحية ذات وضعية خاصة ملحقا بمحافظة حلب, ثم وضعته بعد ذلك تحت الاشراف المباشر للحكومة المركزية في دمشق, وحتى تقلل فرنسا من الاغلبية العربية في الاسكندرونة اخذت في توطين مجموعات من غير العرب (الأرمن, الخ) في المنطقة.
نشوء المشكلة في 9 سبتمبر وقعت حكومة الجبهة الوطنية التي كانت قد وصلت الى السلطة في فرنسا في مستهل ذلك العام على معاهدة الصداقة والتحالف التي كانت قد عقدتها مع ممثل سوريا. وبصفتها دولة انتداب ابلغت فرنسا عصبة الامم بهذه المعاهدة في 26 من نفس الشهر. وبمقتضى المعاهدة التي صدق عليها البرلمان السوري بالاجماع في 20 ديسمبر تعهدت فرنسا بالاعتراف باستقلال تلك البلاد بعد ثلاث سنوات, وقد نصت المعاهدة على الادارة المشتركة للشؤون الخارجية في شكل التحالف بين الجانبين, وانها ستوضع موضع التنفيذ فور ان تصبح سوريا عضوا في عصبة الامم, الامر الذي يترتب عليه انتهاء الانتداب.
وقد اعترض الجناح اليميني من الساسة الفرنسيين بشدة على تلك المعاهدة التي رأت الحكومة عدم عرضها على البرلمان ليصدق عليها, وفي تلك الظروف لم تضيع تركيا وقتا في اللجوء الى العمل الدبلوماسي فقد اعلن وزير الخارجية الدكتور توفيق روستو (أراس) في اجتماع مجلس عصبة الامم في 26 سبتمبر ان تركيا بدورها تريد ان ترى سوريا مستقلة ولكن ينبغي اعطاء سكان لواء الاسكندرونة فرصة ادارة شؤونهم الخاصة بالقدر الذي سوف تتاح به الفرصة للشعب السوري. غير ان ممثل فرنسا مسيو فينو Vienot رد بان بلاده لن تقبل مثل هذا الطلب والذي يتجاوز حدود الانتداب, والحقيقة انه, وفقا للمادة 4 من ميثاق الانتداب (فإن دولة الانتداب مسؤولة عن عدم التنازل او التأجير باي شكل لقطعة من اراضي سوريا ولبنان التي وضعت تحت ادارتها لأية دولة اجنبية) .
وفي 9 اكتوبر تقدم السفير التركي في باريس سعاد داواز Suad Davaz بمذكرة الى وزير الخارجية Yvon Delbos تقترح رسميا حل موضوع الاسكندرونة, وقد صيغت المذكرة بعبارات ودية, وشددت في القول بأنه ما دامت فرنسا قد قررت منح الاستقلال لكل من سوريا ولبنان فان عليها ان تعترف ايضا باستقلال اللواء غالبيته من السكان العرب, مما يمثل النتاج الطبيعي لمعاهدتي 1921 و1926. اجاب Yvon Delbos في 10 نوفمبر وبنفس الروح الودية ان فرنسا مكلفة بمقتضى شروط الانتداب التي قررتها عصبة الامم في 24 يوليو 1922, وبصفتها دولة الانتداب, ان تسعى لتوفير الاستقلال لكل من سوريا ولبنان, وانها ليست مخولة ان تمزق سوريا, ولكن تستطيع وفقا لمعاهدة 1021 ان تقر نظاما محليا خلصا هناك, وان تتخذ من الاجراءات ما يسمح بتطوير اوضاع الاقليات وتبع هذه المذكرات الاولية مذكرات اخرى في نوفمبر وديسمبر عندما نشبت بعض الاحداث الدموية في السنجق.
وبينما كان يتم بحث المسألة التركي والفرنسي من خلال القنوات الدبلوماسية اعلن اتاتورك في خطبة افتتاح دورة المجلس الوطني الكبير في اول نوفمبر عام 1936 ان الاسكندرونة ينتمي للترك, وان هذه المسألة ينبغي حلها بحكم انها المنطقة الوحيدة الاخيرة التي لم يتم الاتفاق عليها بين فرنسا وتركيا, وفي مواجهة روح التصميم التي بدت في التحركات التركية اقترحت فرنسا عرض الموضوع على مجلس عصبة الامم, وهو ما قبلته تركيا على الفور. وجرت المباحثات الاولية حول الموضوع في مجلس العصبة يومي 14 و15 ديسمبر, وطرح كل من الدكتور توفيق روستو والمسيو فينو آرائهما. وفي 16 ديسمبر قرر المجلس وضع تقرير عن المسألة ينظر فيه للبحث عن حل الصراع وكلف المندوب السويدي ساندلر Sandler بوضع هذا التقرير, قرر المجلس ايضا ارسال مجموعة من ثلاثة من المراقبين الى السنجق, وقد نصح كلا من فرنسا وتركيا بان يستمرا في التفاوض في تلك الاثناء.
وقد تغيبت عند التصويت على قرار المجلس. وقرر مراقبو عصبة الامم الى السنجق في 31 ديسمبر, وفي نفس الوقت كانت تجرى المفاوضات في باريس بين الجانبين, وهي المفاوضات التي أصرت على تركيا فيها على أن يكون لواء الاسكندرونة عضوا في كونفدرالية تضم كل من سوريا ولبنان بصفته دولة مستقلة, وان يتم نزع سلاح هذه الاراضي, وان يتم تأجير منطقة من اراضي في ميناء الاسكندرونة لتركيا, وان تتخذ كل من فرنسا وتركيا الاجراءات المشتركة لاقرار القانون والنظام في اللواءن غير ان فرنسا اعترضت على تلك المقترحات خلال هذه المرحلة. خلق (كيان متميز) في 20 يناير عام 1937 عاد المجلس لبحث المسألة. وفي هذه المرة بذل انطوني ايدن وزير الخارجية البريطانية جهوده لدفع الجانبين الى الاتفاق. واخيرا عدلت فرنسا من توجهاتها, وتوفر اساسا للاتفاق على نحو يتفق مع وجهة النظر التركية التي قدمها ساندلر الى المجلس في تقرير اصبح الاساس للاتفاق وفي 27 يناير عام 1937 وبينما كان المجلس يبحث هذه الوثيقة اصدر كل من دكتور توفيق روستو وايفون دلبو بيانات يدافع فيها كل منهما عن وجهة النظر التي يحملها, وتم في نفس اليوم قبول المجلس للتقرير. وكانت بمثابة صيغة توفيقية بين تركيا التي ارادت منح الاسكندرونة استقلالا غير محدود وغير مشروط وبين فرنسا التي اعترضت على ذلك مدعية ان مثل هذا الوضع يتناقض مع شروط الانتداب التي اسندت اليها قبل عصبة الامم, ولهذا السبب فقد كانت على استعداد ان تمنح فقط للواء وضعية خاصة تماشيا مع الترتيبات التي تقررت في اتفاقية انقرة عام 1921.
وفي الحقيقة فان هذه التسوية مثلت صيغة مؤقتة تستمر قائمة حتى تحصل سوريا على استقلالها. وعندما تيم ذلك فانه من الممكن وضع نهاية لمثل هذا الموقف في ويصبح الطريق ممهدا للتحرك نحو الاستقلال الكامل, ولما كانت هذه الصيغة المؤقتة لا تتعارض مع ميثاق الانتداب فقد صدق عليها مجلس العصبة. واستمرت الحكومة الفرنسية تحول دون انجاز مشروع منح الاستقلال نتيجة للمعارضة داخل البلاد. وما لبثت الحرب العالمية الثانية ان اشتعلت, وكان على كل القضايا الانتظار الى ما بعد انتهائها. وفي خلال دورة عصبة الامم في 20 فبراير عام 1937 قرر المجلس تشكيل لجنة, بناء على اقتراح من ساندلر, تضم خمسة من الخبراء, لتقوم باعداد تقرير عن وضعية ودستور الاسكندرونة. وبعد ان قامت اللجنة بتقصى الامور هناك اعدت ووفقا للمبادئ التي وضعها ساندلر: – مرسوما لتعيين حدود لواء الاسكندرونة – وضعيته – دستوره (القانون الاساسي), وفي 2 مايو عام 1937 قدمت اللجنة لاول مرة عرضا شفهيا لكل المجلس, وفي 29 مايو قدم ساندلر للمجلس تقرير اللجنة ومشروع قرار تمت الموافقة عليه بالاجماع, واصبح للاسكندرونة بذلك كيانا متميزا, وفي نفس اليوم وقع وزيرا الخارجية التركي والفرنسي في جنيف اتفاقية بضمان وحدة اراضي الاسكندرونة واتفاقية اخرى بضمان الحدود التركية ـ السورية, فضلا عن عدد من الملاحق, وتم تبادل التصديق على هذه الوثائق في باريس ودخلت حيز التنفيذ في 22 يوليو عام 1937.
وفي 3 يونيو 1937 احتج البرلمان السوري على هذه الاتفاقات وسارت المظاهرات ضد الفرنسيين في سائر انحاء البلاد. وفي الفصل الخاص بحدود الاسكندرون فقد تقررت طبقا للمناطق الادارية التي سبق ترسيمها. وكان السبب وراء استبقاء مدن Bucak Bayir, وHazne ذات الاغلبية التركية على الجانب الآخر من هذه الحدود. اما الوثيقة الخاصة بالنظام الاساسي فقد تضمنت المبادئ الاساسية لتقرير ساندلر بعد ان اتخذت شكلا دوليا تقرر بمقتضاه ان يصبح للواء (كيانا متميزا) فضلا عن ذلك فانه بينما اسندت العلاقات الخارجية للسنجق (والحقيقة دولة الانتداب ممثلة في فرنسا ما دامت سوريا لم تحصل على استقلالها) فانه قد وضعت تحفظات في هذا الشأن, منها منع سوريا من عقد اي معاهدات دولية تمس استقلال او سيادة الاسكندرونة دون تخويل من مجلس عصبة الامم, والتزاما بابلاغ حكومة لواء الاسكندرونة في حالة ابرام اية اتفاقيات تمس مصالحه الاساسية (مواد 15 ـ 18 من القانون الاساسي).
واعترف القانون الاساسي بالتركية باعتبارها اللغة الرسمية الاولى والعربية كلغة ثانية (الفقرة الاخيرة من مادة 1) وصورت مواد عديدة من القانون الاساسي شكّل سيطرة مجلس عصبة الامم, والتعاون بين كل من فرنسا وتركيا لتسهيل وضع القانون الاساسي موضع التطبيق, ومسألة الجنسية (مواطنو اللواء كانوا ايضا مواطنين سوريين), كذا النص على تبادل المندوبين الحكوميين بين حكومة لواء الاسكندرونة والحكومة السورية بهدف خلق شكل من أشكال الاتصال, هذا فضلا عن مواد خاصة بنزع السلاح هناك, وحقوق الاقليات, وما يتصل بالحقوق الجمركية والنظام النقدي (وتقرر ان يكون بالاساس الجنيه السوري), كما منحت الحكومة التركية التسهيلات في ميناء الاسكندرونة والخدمات في البريد والاتصالات. وكشف الدستور عن النقاط الآتية: يتم التدقيق في القوانين بشكل يضع في الاعتبار تنوع المجتمعات, وذلك من خلال برلمان يتم انتخابه على درجتين ويتشكل من 40 عضوا, ولكن ومهما كانت نتيجة التصويت في المرحلة الاولى يبقى لتمثيل الطوائف الاعداد التالية: 8 من الاتراك و6 علويين و2 عرب سنة و2 من الارمن, وينتخب البرلمان رئيس الجمهورية الذي سيصبح رئيس السلطة التنفيذية (الحكومة), والتي تتكون من خمسة اعضاء بمن فيهم الرئيس, وان يكون اعضاء السلطة القضائية مستقلين كما تقرر الحفاظ على حقوق الانسان الاساسية.
وقد شملت دولة الاسكندرونة (السنجق) التي ظهرت مساحة تبلغ 4,805كم2 ووفقا للاحصاءات الفرنسية السابقة على عام 1937 بعدد سكان 210,000 (منهم 39,7% اتراك, 28% علويين, 11% أرمن, 10% عرب سنة, 8% روم ارثوذكس وغيرهم من المسيحيين, 3,3% كرد وشركس ويهود واسماعيلية وألبان), غير ان هذه الاحصاءات لم تعكس الحقيقة, حيث ان الانتخابات البرلمانية التي جرت في اول اغسطس عام 1938 تمخض عنها حصول الاتراك على الاغلبية الساحقة. ووفقا للتقديرات التركية كان من بين 300 الف هم عدد السكان 240 الفا من الاتراك. وقد جاء في التصريح المشترك الملحق باتفاقية ضمان وحدة الاراضي السنجق ان فرنسا على استعداد لضمان استقلال سوريا ولبنان, وان الحكومة التركية تعهد من جانبها لمعاونة هذه البلاد في الحصول على استقلالها, وانها بالتعاون مع فرنسا تشمل الحفاظ على وحدة اراضيها. التوتر بين تركيا وفرنسا بشأن انتخابات السنجق وعقد اتفاقية عام 1938 بدا انه من الصعب اجراء الانتخابات البرلمانية التي كانت مقررا اجراؤها تحت اشراف اللجنة في ابريل عام 1938.
وقد خلف الموقف المائع من جانب الحكومة الفرنسية ردود فعل حادة في انقرة, وتأجلت الانتخابات, اخيرا قررت فرنسا وتحت وطأة الموقف الدولي المخيف ان تسعى الى تحسين علاقاتها مع تركيا, ووقعت الدولتان اتفاقية عسكرية سميت بال Accord General في انطاكيا في 3 يوليو عام 1983, وطبقا لهذه الاتفاقية التي عقدت لمواجهة التهديد الاجنبي (من المحتمل ان المقصود كان التهديد الايطالي), صرح للقوات (الفرنسية والتركية) بدخول السنجق, ونصت الاتفاقية على ان يكون عدد القوات من كلا الجانبين متساويا, وان يمكن زيادتها اذا ما دعت الحاجة بقرار مشترك, وفي (بروتوكول من 22 مادة الحق بالاتفاقية تم توصيف القوات التركية التي تقرر ان تدخل السنجق بان يقودها ضابط برتبة عقيد والا يزيد عددها على 2500. وفي اليوم التالي لتوقيع المعاهدة (4 يوليو عام 1938) دخلت القوات التركية بقيادة العقيد شكري قناتلي السنجق, وكان هذا الحدث نقطة تحول في تطور مسألة هاتاي, فقد تلقى الشعب التركي في السنجق او في تركيا انباءه بسرور بالغ, ثم انه قدم تأكيدا على انتخابات البرلمان سوف تجرى في نظام وأمن تامين.
في نفس اليوم وقع كل من رشدي أراس والسفير الفرنسي هنري بونسو Henri Ponsot في انقرة على (اتفاقية صداقة وتوفيق وتحكيم) حلت محل معاهدة 1930 التي كانت قد ألغتها تركيا مع بداية الازمة, وصدر تصريح مشترك في هذه المناسبة يعلن ان الطرفين المتعاقدين يتعهدان بوضع القانون الاساسي ودستور السنجق موضع التنفيذ, واضاف الى ذلك انه مع الاعتراف بان العنصر التركي يشكل غالبية سكان السنجق فان ذلك لا يرتب لتركيا مشكلة اقليمية, وانه ينظر الى هذا فانه سوف يستمر تطبيق اتفاقية انقرة المعقودة في 20 اكتوبر عام 1921, وهذا التحفظ الاخير يظهر ان فرنسا رغم سماحها للقوات التركية بدخول السنجق فانها معينة بمنع ضم تلك الاراضي من جانب تركيا. غير ان معاهدة الصداقة تلك لم يتم التصديق عليها من الجانب التركي, ليس فقط بسبب الاحداث المتعلقة بمسألة هاتاي, ولكن ايضا بسبب التقدم السريع الذي شهده عام 1993 في المفاوضات التي كانت تجري لعقد معاهدة تحالف بين كل من تركيا وبريطانيا وفرنسا, الامر الذي لم توضع معه الاتفاقية موضع التنفيذ. بعد تلك التطورات بدأت الاستعدادات لاجراء انتخابات ثانية في 22 يوليو عام 1938, وكان البرلمان الذي انعقد في 2 سبتمبر بعد اجراء الانتخابات يضم 22 تركيا و9 من العلويين و5 من الارمن و2 من العرب و2 من الروم الرثوذكس. وعند افتتاح البرلمان اقسم جميع الاعضاء اليمين باللغة التركية.
وتم انتخاب عبد الغني تركمن رئيسا للبرلمان واصبح طيفور سوكمن Teyfur Sonkmen رئيسا للدولة, وعين عبدالرحمن مالك رئيسا للوزراء. وقبل البرلمان مشروع الدستور الذي وضعته عصبة الامم وتغير اسم الدولة من السنجق الى هاتاي وتم رفع علم الاخير, وفي 5 سبتمبر شكل عبدالرحمن مالك حكومته, وفي 10 نوفمبر توفي اتاتورك الذي استمر لفترة طويلة العقل الموجه لهذه المسألة ذات الاهمية الوطنية.
ضم الاسكندرونة الى تركيا (1939) كان واضحا الطبيعة الاصطناعية والاقليمية لدولة الاسكندرونة وصلتها بتركيا (1938 ـ 1939). وفي الحقيقة فان اتراك هذه البلاد كانوا يريدون الانضمام الى تركيا بأسرع ما يمكن, ومن وجهة النظر التركية وما دامت استمرت تتأخر في الاعتراف باستقلال سوريا فلم تكن مسألة ربط مستقبل الاسكندرونة بسوريا مطروحة, وفي تلك الاثناء كانت اوروبا تندفع بسرعة تجاه الحرب العالمية, وفي 21 يناير عام 1939 وفي وقت كانت الاحداث خلاله تأخذ بتلابيب اوروبا ابلغ وزير الخارجية التركي شكري سراج أوغلى السفير الفرنسي Rene Massigli ان تركيا تريد ان تضم اللواء وانه لا يشك في ان ذلك سوف يحدث عاجلا او آجلا, وبالنظر الى أهمية التحالف الذي كانت فرنسا تسعى الى عقده مع تركيا, وبعد بحث المسألة في جانبها القانوني للنظر فيما اذا كان ممكننا التنازل عن قسم من سوريا دون موافقة مجلس عصبة الامم, ارسل وزير الخارجية جورج يونيه تعليماته الى ماسيجلي يبلغه فيها ان الاسكندرونة سوف يسلم الى تركيا بشرط الحصول على مزايا (مادية وايجابية) في المقابل.
من بين هذه المزايا عقد تحالف في البحر المتوسط, ومنها التأكيد بانه لن يكون لتركيا مطالب اقليمية اخرى في سوريا باستثناء الاسكندرونة. وقد دارت المفاوضات بين سراج أوغلى ومساجيلي في هذا الاطار وتم التوصل في العام التالي الى نهاية مؤقتة لهاتين المشكلتين. وبعد تصريح مشترك يمهد الطريق لعقد التحالف الثلاثي والذي كان على درجة كبيرة من الاهمية لبريطانيا اعلنه البريطانيون في 12 مايو عام 1939 قررت فرنسا ان تنضم اليه بحل هذه المسألة بشكل نهائي وفقا لرغبات الحكومة التركية وفي 23 يونيو عام 1939 تم التوقيع في انقرة على (الترتيب النهائي للمسائل الاقليمية بين تركيا وسوريا) وفي نفس اليوم تم التوقيع على تصريح مشترك بشأن التحالف الثلاثي في باريس. وقد تعامل هذا (الترتيب) بالأساس مع النقاط التالية: * تتم الموافقة على الحدود السورية ـ التركية في هذه المنطقة على النحو الذي اقرته عصبة الامم عام 1937 والذي قامت لجنة لهذا الغرض بترسيمه. * ان يوضع في الحسبان في الوضعية الاقليمية, والاعتراف بحق سكان لواء الاسكندرونة في اختيار جنسيتهم. وقد اتفق على ان اولئك الذين لا يرغبون في تغيير مواطنهم او مغادرة البلاد يعتبرون اتراكا. * ان تكون عملية تصفية حقوق الملكية للفرنسيين او غيرهم من الاجانب موضوعا لبروتوكول وبعضا من الوثائق التي تلحق بالترتيب. وكان برلمانا لاسكندرونة قد صوت في 29 يونيو على الوحدة مع تركيا, وفي 7 يوليو اقرت تركيا قانونا جعلت فيه لواء الاسكندرونة اقليما تابعا لها, وتم بذلك استكمال عملية الضم وجلت القوات الفرنسية عن المنطقة في يوليو. ودخل الاتفاق مرحلة التنفيذ في 24 يوليو بعد التصديق عليه في باريس في 24 يوليو, واعقب ذلك ان ارسل الوزير يونيو خطابا يتضمن النص الفرنسي من الاتفاقية الى السكرتير العام لعصبة الامم, وقد تم نشر هذا الخطاب والنص الملحق به في الجريدة الرسمية لعصبة الأمم.
وبعد التوقيع على اتفاقية انقرة بعدة ايام بعث رئيس البرلمان السوري Nasuhi Buhari برقيات احتجاج باسم سوريا لكل من الحكومة الفرنسية ومجلس عصبة الامم اعلن فيها ان هذا (الترتيب) مخالف لكل من اتفاقية انقرة عام 1921 ومعاهدة لوزان عام 1923 واتفاق انقرة عام 1926 والبروتوكول النهائي عام 1930 والقرارات التي اتخذتها عصبة الامم المتصلة بالحدود عام 1937 وتحديد الصلاحيات الممنوحة لفرنسا وفقا لقرار الانتداب, وفي 10 يوليو سلمت الحكومة الايطالية بدورها مذكرة لفرنسا ان هذه الاتفاقية قد تم عقدها دون استشارتها او موافقتها باعتبارها احدى الدول المشاركة في مؤتمر سان ريمو عام 1920, وقد اعلنت ان الاتفاق مخالف لكل اغراض الانتداب ولرغبات الشعوب المعنية, الامر الذي يجعل ايطاليا تتحفظ على ما جاء به. وعلى الرغم من كل هذه الخلافات فان وزير خارجية حكومة سوريا المستقلة التي قامت في 5 يوليو عام 1944 قد بعث بمذكرة دورية لممثلي الدول الاجنبية في دمشق اعلن فيها ان الحكومة السورية قد قررت احترام المعاهدات والاتفاقات الدولية التي عقدتها فرنسا باسم سوريا.
اقرأ:
اتفاقية ترسيم الحدود السورية – التركية عام 1921
خلفية النزاع التركي ـ السوري على لواء الاسكندرونة
صحيفة الشعب 1946- تركيا تؤيد مشروع سورية الكبرى
تبدلات الحدود السورية – التركية في فترة ما بين الحربين
المراجع والهوامش:
(1). فهمي بشار، صحيفة البيان، عام 1998
المراجع والهوامش:
(1). فهمي بشار، صحيفة البيان، عام 1998