مقالات
عمرو الملاّح: النخبة الحاكمة العثمانية ذات المكون التركي في حلب.. الصعود والأفول
عمرو الملاّح * – التاريخ السوري المعاصر
أولاً- الجميلية.. حي النخبة الحاكمة العثمانية في حلب:
كان تشييد والي حلب العثماني-التنظيماتي المشير حسين جميل باشا (المتوفى سنة 1889) أثناء ولايته التي امتدت بين عامي 1881-1886 لقصره الفخم على أرض الحلبة (بفتح الحاء)- التي تسمى أيضاً أرض العقيقة لاحمرار تربتها وكانت يومئذ في الجهة الغربية من ظاهر حلب- إيذاناً بتطور هذا الحي، الذي يُعد من أوائل الأحياء الحديثة، التي أنشئت في مدينة حلب وفق مخططات تنظيمية تستلهم النمط الغربي [1].
وقد اعتبر ماكس فون أوبنهايم الرحالة وعالم الآثار والدبلوماسي الألماني قصر الوالي المشير جميل باشا أنموذجًا لفن العمارة الأوروبية الحديثة، التي انتشرت منذ نهايات العصر العثماني في استانبول والحواضر العربية الكبرى [2].
كما عمل الوالي المشير جميل باشا في العام 1883 على شق جادة عريضة، تمتد من باب الفرج مروراً بالتكية المولوية فجسر الناعورة وصولاً إلى قصره، بهدف تأمين اتصال هذا الحي الحديث بالمدينة القديمة.
وسرعان ما غلبت على هذا الحي تسمية “الجميلية” نسبة إلى الوالي المشير جميل باشا وقصره الفخم الذي شيده فيه، وإن كان اسمه الرسمي “السليمية” نسبة إلى الأمير سليم أفندي نجل السلطان عبد الحميد الثاني.
وقد شهد العقد التالي إنشاء العديد من العمائر التي زادت من أهمية هذا الحي، لعل أبرزها قناق أو دار الوالي العثماني (ثانوية معاوية للإناث حالياً)، الذي شيدته بلدية حلب في العام 1893 بدلاً من القصر الأسبق الذي كان الوالي المشير جميل باشا قد شيده في العام 1883 والكائن تجاهه، ومن بينها أيضاً المكتب الإعدادي المُلكي (ثانوية المأمون حالياً) في العام 1892، والجامع الحميدي الذي عمره الوجيه الحلبي البارز عبدالرحمن زكي باشا المدرس في العام 1898، وكان أول الأبنية الدينية المقامة في هذا الحي [3].
ومما سيجعل من محلة الجميلية مركزاً للتوسع العمراني الجديد إصدار مخططها التنظيمي، الذي تضمنه أول مخطط طبوغرافي دقيق لمدينة حلب المنجز في 1 تشرين الأول/ أكتوبر من العام 1899 على يد الفرنسي شارل شارتيه أفندي مهندس الولاية، ومساعديه بكر صدقي أفندي مهندس المركز والمهندس راغب بك ابن رائف باشا في عهد الوالي العثماني التنظيماتي المصلح رائف باشا، بينما كان الوجيه الحلبي البارز مرعي باشا الملاح رئيساً للبلدية [4].
وكان لإقامة محطة الشام في غربي الجميلية (قرب مبنى المؤسسة العامة للخطوط الحديدية حالياً)، التي بدأ العمل في تشييدها في العام 1905- بعد الاتفاق الذي أبرم بين الحكومة العثمانية وبين شركة حديد حماة وحلب على مد الخط الحديدي من حماه إلى حلب- أكبر الأثر في “ترقي قيمة الأرض في محلة الجميلية وإقبال الناس على تعمير المنازل فيها” على نحو ما يؤكد مؤرخ حلب الغزي في كتابه المرجعي “نهر الذهب” [5]؛ فقصد هذا الحي كبار الموظفين العثمانيين المعينون في المدينة أو “المبعدون” إليها، وأسر حلبية عريقة مثل آل الملاح الذين آلت إليهم ملكية قصر المشير جميل باشا لاحقاً، وكذلك آل المدرس، وآل الجابري، وآل القدسي، وآل الجزماتي، وآل الميسر وآل فنصة، وآل الوفائي وسواهم، إلى جانب أسر من أثرياء اليهود، نذكر منهم آل كوهين، وآل نحمات، وآل صفرا، وآل ساسون، وآل ديان، وآل شعيو، وآل شماع، وآل دويك، وآل جمال، وآل شامة، وآل شلم، وآل بيجوتو، وآل بيجو [6].
ولعل السمة الأبرز لهذا الحي في العقود الأخيرة من الحكم العثماني كانت اتخاذه مقراً لإقامة النخبة الحاكمة العثمانية ذات المكون التركي أو المستترك الغالب عليها، ولا سيما بعد تشييد الفريق علي محسن باشا (1851-1903) القائد العام لولايتي حلب وأضنة والمرافق العسكري للسلطان عبد الحميد الثاني لقصره شمال المكتب الإعدادي المُلكي (ثانوية المأمون حالياً)، ليكون بذلك أحد ثلاثة قصور تسكنها النخبة الحاكمة العثمانية في حي الجميلية، بما في ذلك قناق أو دار الوالي العثماني (ثانوية معاوية للإناث حالياً)، وقصر الوالي المشير جميل باشا وأسرته [7].
وكانت أسر النخبة الحاكمة العثمانية التي تقيم بالجميلية تتحدر من أصول إثنية مختلفة؛ تركية (آل أوراز، وآل أرولات، وآل جلبي)، وجركسية مستتركة (آل ألتينانيت)، وعربية مستتركة (آل بركات)، وشديدة الترابط فيما بينها عبر شبكة المصاهرات والزواج.
ولئن كانت الأسر تلك وافدة حديثاً إلى مدينة حلب ضعيفة الجذور فيها، إلا أنها لم تؤثر مغادرتها والعودة إلى تركيا بعد الانهيار العثماني عقب الحرب العالمية الأولى، وإنما اختارتها موطناً لإقامتها لأسبابٍ محض اقتصادية ترجع إلى ملكياتها العقارية ضمن المدينة، ولا سيما في حي الجميلية، وحيازاتها الضخمة من الأراضي الزراعية.
وللدلالة على ضعف جذور تلك الأسر في مدينة حلب نشير، مثلاً، إلى أن الحاج رفعت آغا بركات (والد صبحي بك بركات) ولئن انتخب نائباً عن قضاء أنطاكية التابع لولاية حلب في المجلس النيابي العثماني (المبعوثان) العثماني للعام 1908، فإنه لم يحرز سوى صوتين في الانتخابات التي جرت في سنجق حلب مركز ولاية حلب العثمانية، الذي كان يضم مدينة حلب والأقضية الملحقة بها. بينما تصدر منافسه الوجيه الحلبي الراسخ مرعي باشا الملاح قائمة الفائزين بانتخابات المقاعد النيابة بإحرازه ثلاثة وثلاثين صوتاً [8].
وقد قيض لأسر النخبة الحاكمة العثمانية تلك أن تستعيد قدراً كبيراً من النفوذ والمكانة في بدايات عهد الانتداب الفرنسي، وأن يكون لها حضورها في أجهزة الحكم والإدارة المعاد تشكيلها زمن الانتداب في سياق عملية التحول العاصف من العثمانية والمرحلة العربية القصيرة العهد إلى ما بعدها.
وسنحاول في ما يلي إلقاء المزيد من الضوء على الأسر تلك والأدوار التي اضطلعت بها في التاريخ السوري.
ثانياً- أسر النخبة الحاكمة العثمانية ذات المكون التركي في حلب:
– آل أوراز (حسين جميل باشا زادة):
وهم أسرة المشير حسين جميل باشا (1833-1890) الوالي العثماني “التنظيماتي” على حلب الذي امتدت ولايته على حلب بين عامي (1881-1886).
وكان نجل المشير جميل باشا حامد بك (استانبول 1871-حلب 1930) أحد كبار رجال المال والأعمال في الدولة العثمانية، وعضواً في مجلس إدارة البنك العثماني [9].
وقد اشتملت قائمة أملاكه على قصر والده المشير حسين جميل باشا، الذي كان يُعرف لدى جيل العشرينيات بدار الحاكم مرعي باشا الملاح، ثم باسم قناق الملاح لاحقاً إلى أن زال مؤخراً [10]، بالإضافة إلى حيازاته الضخمة من الأراضي الزراعية، ولا سيما في قرية قسطون.
– آل أرولات (علي محسن باشا زادة):
وهم أسرة الفريق علي محسن باشا (1851-1903) القائد العام لولايتي حلب وأضنة والمرافق العسكري للسلطان عبد الحميد الثاني. وكان قصره في الجميلية ثاني قصر يشيد فيها، وقد اتخذ لاحقاً مقراً لإقامة مندوب المفوض السامي الفرنسي بحلب، وكان يعرف لدى جيل الثلاثينيات باسم (بيت الجنرال)، ثم أصبح مدرسة ابتدائية باسم (مدرسة الوليد) إلى أن هدم وقامت مكانه بناية طابقية ضخمة [11].
وكان آل أوراز وأرولات يتقاسمون معاً ملكية قرية قسطون، وقد سبقت الإشارة إليها.
وممن برز من أبناء الفريق علي محسن باشا، الفريق حسن عزت باشا أرولات (استانبول 1871- حلب 1931) الذي اتخذ حلب مقراً لإقامته إبان الحرب العالمية الأولى لأسباب سياسية تعود إلى استقالته من قيادة جبهة القفقاس بعد نشوب خلاف بينه وبين القائمين على المؤسسة العسكرية العثمانية، ولا سيما أنور باشا، وكذلك لأسباب اقتصادية ترجع إلى ملكيته العقارية والزراعية الضخمة، التي آلت إليه بالميراث عن والده [12].
شغل حسن عزت باشا منصب مدير عام الأشغال العامة والزراعة الاتحادية بدرجة (وزير) في الحكومة الأولى التي شكلها قريبه صبحي بك بركات في آب 1922، ثم أصبح وزيراً للأشغال العامة والزراعة والإصلاح الاقتصادي في حكومة دولة سوريا التي شكلها بركات أيضاً في يناير/ كانون الثاني 1925 [13].
ويمكن أن يُعزى الدافع وراء استوزاره على الرغم من عدم تمتعه بالجنسية السورية إلى صلة القرابة التي تربطه ببركات، الذي أحاط نفسه طوال سني حكمه بحاشية من الأتراك أسند إليهم معظم الوظائف العامة العليا في الحكومة.
– آل ألتينانيت (جركس زاده):
وهم أسرة محمد نوري بك الجركسي (المتوفى بحلب سنة 1922)، وهو ضابط عثماني متقاعد برتبة مقدم (بكباشي) ينتمي إلى الجراكسة الذين تحول ولاؤهم بعد الانهيار العثماني إلى سلطات الانتداب الفرنسي. وقد سبق له أن انتخب في أواخر العهد العثماني عضواً في المجلس العمومي لولاية حلب، الذي كان بمثابة مجلس نيابي مصغر على مستوى الولاية [14].
عرفت عن الجركسي صلاته الوثيقة بالفرنسيين بعد دخولهم البلاد؛ فأسند إليه في كانون الثاني/ يناير 1921 منصب مدير الأمن العام في دولة حلب، ومن ثم أصبح في أيلول/ سبتمبر من العام ذاته رئيساً لمصلحة الدرك.
ومما يُعزى إلى الجركسي قيامه إبان ثورة الشمال بتجنيد فرقة من المرتزقة تقاتل الثوار، وكذلك توسطه للمصالحة بين الفرنسيين وقريبه الثائر يومئذ صبحي بك بركات التي تزامنت مع موافقة الكماليين على إبرام هدنة مع الفرنسيين، وتعليقهم الدعم المالي واللوجستي لثورة الشمال التي كان بركات أحد قادتها البارزين، ليصبح بركات بعدئذ واحداً من أبرز الشخصيات السورية السائرة في ركاب سلطة الانتداب الفرنسي [15].
– آل جلبي:
وهم أسرة تركية تقيم في قونية وتدعي التحدر من مولانا جلال الدين الرومي مؤسس الطريقة المولوية. وكان باقر أفندي جلبي المولود في قونية قد نصبه والده الرئيس الأكبر للطريقة المولوية في السلطنة العثمانية خليفة عنه لرئاسة الطريقة المولوية في حلب، التي بلغ عدد أتباعها من الدراويش في هذه المدينة في العشرينيات قرابة 2000 رجل. كما كان جلبي يتولى إدراة التكية المولوية (ملخانه) وأوقافها الواسعة في حلب.
وسرعان ما تعاظمت أهمية التكية المولوية في حلب التي باتت المركز الرئيس للمولوية بعدما ألغى أتاتورك الطرق الصوفية وأغلق الزوايا والتكايا في تركيا في العام 1925، فارتقى باقر جلبي إلى مرتبة (الجلبي الأكبر) وأصبح الشيخ الأعلى للطريقة المولوية ورئيساً لتكاياها في العالم الإسلامي [16].
ومما هو جدير بالذكر أن الأسرة موضوع البحث هي غير آل الجلبي الأسرة الحلبية البارزة، وليس ثمة صلة قرابة تجمع بين الأسرتين.
– آل بركات أوغلو (بركة زادة):
وهم أسرة من الآغوات وكبار ملاك الأراضي العرب المستتركين في أنطاكية، ويعرفون فيها باسم (بركة زادة)، ويدعون التحدر من قبيلة بني خالد من ذرية خالد بن الوليد [17].
وهي الأسرة التي ينتمي إليها صبحي بك بركات (1889-1940) الذي اتخذ حلب مقراً لإقامته طوال فترة نشاطه السياسي في سوريا في عقدي العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، التي اتسمت بقدر كبير من التحولات من عثماني ثائر على سلطة الاحتلال الفرنسي إلى انتدابي راديكالي فانتدابي أكثر اعتدالاً قريب من الوطنيين الكتلويين ثم مواطن تركي مندمج في المنظومة التشريعية للجمهورية التركية. وتخلل ذلك تعيينه على يد الفريق كامل باشا القدسي حاكم حلب نائباً عن دولة حلب في مجلس الاتحاد السوري (1922)، ثم فوزه بمقعد في انتخابات المجلس التمثيلي لولاية حلب (1926) التي شهدت مقاطعة واسعة من الناخبين الحلبيين، وانتخابه نائباً عن مدينة حلب في انتخابات المجلس النيابي السوري للعام 1932 بضغط من سلطات الانتداب. كما شغل مناصب رئيس حكومة دولة الاتحاد السوري (دولة حلب ودمشق واللاذقية) في الفترة (1922-1924)، ورئيس المجلس التمثيلي لدولة حلب (1922-1924)، ورئيس الدولة السورية (دولة حلب ودمشق السابقتين) ورئيس الوزراء معاً (1925)، وأخيراً رئيس البرلمان السوري (1932-1936) ليغادر بعد ذلك مقر إقامته في حلب نهائياً ميمماً شطر اسطنبول، حيث انتخب نائباً في البرلمان التركي [18].
ثالثاً- شبكة المصاهرات والزواج بين أفراد أسر النخبة الحاكمة العثمانية في حلب:
كانت هذه الأسر شديدة الترابط فيما بينهما عبر شبكة المصاهرات والزواج بين أفرادها؛ إذ كانت ابنة الفريق علي محسن باشا صفوت خانم أرولات متزوجة من رأفت بك ابن رفعت آغا بركات شقيق صبحي بك بركات، بينما كانت شقيقتها كزيدة خانم أرولات متزوجة من البكباشي محمد نوري بك الجركسي.
وفي الجيل التالي كانت نزهت خانم ألتينانيت ابنة محمد نوري بك الجركسي وكزيدة خانم ابنة علي محسن باشا متزوجة من حامد بك أوراز نجل الوالي جميل باشا. بينما كانت شقيقتها عزت خانم متزوجة من شيخ الطريقة المولوية بكر أفندي جلبي [19].
رابعاً- المحن التي واجهتها أسر النخبة الحاكمة العثمانية في سياق عملية التحول من العثمانية إلى ما بعدها:
كانت أول محنة تعرضت لها أسر النخبة الحاكمة العثمانية التي آثرت الإقامة في حلب بعد الانهيار العثماني إصدار الحكومة العربية الوليدة قراراً في 2 كانون الأول/ ديسمبر من العام 1918 يقضي بحصر السكان الأتراك في مدينة حلب، تمهيدًا لترحيلهم عنها، مما دفع إلى نشر دعاية “تركية” مضادة لهذا الإجراء السياسي قامت على اعتباره ذا نزعة قومية ولا يقوم به إلا حاقد على “الأتراك”، ويهدف إلى “تصفيتهم”.
وفي مسعى للتخفيف من أثر هذه الدعاية التي لاقت تعاطفاً في حلب من النخبة المحلية التي كانت ما تزال محافظة على الولاء العثماني قرر اللواء شكري باشا الأيوبي حاكم حلب العسكري تسهيل ترحيل الأتراك من حلب فورًا، مستثنيًا منهم فقط الأتراك المولودين في حلب، والمتصاهرين مع العرب، أما الأتراك ذوو العلاقات “التجارية أو العقارية مع حلب” ممن اشتهروا بحسن السيرة والسلوك ولهم مدة في حلب” فـ “يعفى عنهم، ويؤجّل سفرهم”، مما يعني أن الأتراك المولودين في حلب أو المتصاهرين مع عائلاتها أو لهم علاقات تجارية وعقارية معها لم يجري تصنيفهم ضمن فئة الأتراك “الخلص” المرشحين للترحيل. ومثل ذلك تطورًا مهمًا في النظرة المواطنية لمن هو تركي مولود في حلب أو متصاهر مع أهل حلب أو يملك مصالح اقتصادية معها أفادت منه الأسر التي تنتمي لبقايا أسر النخبة الحاكمة العثمانية بقدر ما أضفى الصفة القانونية على وجودها في المدينة في العهد العربي الفيصلي [20].
ولكن الأسر تلك ستواجه محنة أشد وطأة وذات طابع مالي في ظل الانتداب الفرنسي حينما اندمجت في مشروع التوسع في زراعة القطن الذي أطلقته المندوبية العليا في بيروت ابتداء من العام 1923، وتبنته حكومة دولة حلب، واستقطب كبار مُلاك الأراضي الحلبيين، وذلك في محاولة من سلطات الانتداب لإيجاد مصادر ريعية أكبر للناتج المحلي الإجمالي من جهة، وتغطية نفقات انتدابها على سوريا وتلبية الحاجات الصناعية الفرنسية من جهة أخرى، في ظل ما شهدته حلب من تضاؤل لاقتصادياتها بفعل سلخ لواءي مرعش وعينتاب، اللذين كانا تابعين لولاية حلب العثمانية وجرى ضمهما إلى تركيا بموجب “اتفاقية أنقرة الأولى” للعام 1921 المبرمة بين كل من فرنسا وتركيا، ومن ثم تعيين الحدود الجديدة مع العراق الخاضع للانتداب البريطاني، مما أدى إلى إلحاق ضرر بالغ بتجارة المسافات البعيدة لحلب عقب قيام الحدود السياسية “المصطنعة” والحواجز الجمركية، التي رسمتها فرنسا وبريطانيا وتركيا الكمالية إثر الانهيار العثماني، وعزل حلب عن رئاتها التجارية الحقيقية في الأناضول والعراق، لا سيما بعد فرض الجمهورية التركية الوليدة في العام 1923 لتعرفات جمركية شديدة الارتفاع على البضائع السورية [21].
وبالفعل فقد قام الخبراء الزراعيون الفرنسيون بنقل الشحنات الأولى من بذور القطن المستوردة الأمريكية القابلة للزراعة البعليّة، وكانت أسر النخبة الأرستقراطية التركية-العثمانية التي ما زالت تقيم بحلب يومئذ- ولاسيما آل أوراز، وأرولات، وألتينانيت- بحكم امتلاكها حيازات زراعية ضخمة في منطقة الغاب، وبخاصة قرية قسطون وجوارها التي تتميز بخصوبتها من أوائل المندمجين في المشروع الفرنسي لتشجيع زراعة القطن؛ إذ اتسموا بتفاعلهم المبكّر مع التقارير الفنية الفرنسية في إدخال التجارب الأولى لزراعة القطن ذي التيلة الطويلة من نوع قطن السكلاريدس المصري [22].
بيد أنه سرعان ما تلاشت الآمال العريضة بمستقبل زاهر لإنتاج القطن السوري ابتداء من العام 1926. واشتملت أسباب هذا الإخفاق على ارتفاع الإنتاج الأمريكي من القطن، وهبوط أسعاره العالمية إلى ما هو أقل من تكلفة إنتاجه في المستعمرات والبلدان المشمولة بالانتداب، بالتزامن مع اجتياح موجة جفاف حادة للبلاد استمرت وفق وتائر مختلفة قرابة سبع سنوات (1926-1932)، بالإضافة إلى تأثر الاقتصاد السوري بالأزمة الاقتصادية العالمية في العام 1929.
لقد كان إخفاق مشروع التوسع في زراعة القطن أول محنة كبيرة مر بها كبار مُلاك الأراضي في شمال سوريا ضمن سياق الاندماج الحر غير المنضبط مع السوق العالمية. وكانت الحصيلة متدرجة بين المصاعب والديون الثقيلة والدمار بالنسبة للمزارعين الذين اندمجوا في سياسة القطن الفرنسية، وكان تأثر أسر بقايا النخبة الحاكمة العثمانية في حلب بها مباشراً [23].
ففي حالة الوزير الأسبق الفريق حسن عزت باشا أرولات، مثلاً، لم تعد ملكيته الزراعية في قرية قسطون وجوارها تدر أي عائدٍ مجزٍ، مما أوقعه في عجز مالي شديد لم يتمكن معه من سداد القروض البنكية الضخمة التي حصل عليها من المصرف الزراعي؛ فطرحت الأراضي الزراعية العائدة له وتلك العائدة لشقيقتيه في قرية قسطون للبيع بالمزاد العلني؛ وذلك لقاء تسديد قيمة القروض البنكية والفوائد المستحقة عليه والبالغة 680 ألف فرنك فرنسي [24].
بيد أن ما سينزع الصفة القانونية عن إقامة الأسر تلك في حلب اتخاذ سلطات الانتداب الفرنسي في مرحلة ما بعد توقيع معاهدة لوزان الثانية ووضع صك الانتداب موضوع التنفيذ في العام 1923 لقرارات صارمة ترمي إلى تضييق الخناق على حرية تنقل المتمتعين بالجنسية التركية أو مكتسبيها ممن آثروا الإقامة في سوريا ومزاولتهم أنشطتهم بها؛ وذلك إثر زوال الدولة العثمانية وقيام الجمهورية التركية بقيادة مصطفى كمال، واعتراف تركيا بسقوط سيادتها على الأقاليم العربية المنسلخة عن الامبراطورية العثمانية، وتكريس مفهوم الدولة الإقليمية الجديدة في سوريا الانتدابية القائمة على أساس الحدود والسيادة والجنسية [25].
خامساً- التحول في موقف النخبة السياسية الحلبية إزاء استمرار وجود بقايا النخبة الحاكمة العثمانية في مدينتهم
تزامنت الإجراءات المتشددة التي فرضتها سلطات الانتداب بشأن وجود المواطنين الأتراك على الأراضي السورية مع بروز التحول الذي طرأ على موقف النخبة المحلية الحلبية الراسخة إزاء بقايا النخبة الحاكمة العثمانية ذات المكون التركي واندماجهم في شريحة أعيان المدينة من الترحيب والتشجيع إلى التحفظ بل وربما الرفض، على نحو ما تجلى في تنظيم “جماعة من سكان الشهباء” في العام 1925 لعرائض تتضمن المطالبة بإقالة صبحي بركات من رئاسة الدولة والحكومة معاً [26].
وفي السياق ذاته، كان لافتاً للنظر قيام “الكثير من أهالي حلب ومتنوريها”، على حد وصف ربيع المنقاري مراسل صحيفة “المفيد” الدمشقية في حلب، بجمع التوقيعات على عريضة يطالبون فيها بإلغاء تكية المولوية التي كان يقوم عليها آل جلبي.
وقد تضمنت العريضة المطالبة بتحويل التكية إلى “مدرسة تستفيد منها الأمة ومن أوقافها الكثيرة، مستندين إلى أن هذا لخير من أن يستفيد منها أناس هم عالة على الله والناس، فضلاً عن أن هذه الطريقة ألغيت في تركيا، وبإلغاء الأصل إلغاء كافة الفروع”. وقد تمنى مراسل صحيفة “المفيد” في حلب أن يجري التنبه لذلك؛ إذ إن البلاد “ليست مسرحاً لنشر الدعاية التركية تحت ستار المولوية” [27].
ومما زاد في استياء النخبة الحلبية يومئذ إجهاض وزير الأشغال العامة حسن عزت باشا أرولات لمشروع إحداث أول كلية للهندسة بحلب، التي ولدت فكرتها على يد حاكم دولة حلب مرعي باشا الملاح في العام 1924، وسعيه بعد قيام الدولة السورية في العام 1925 إلى أن يتبنى الدكتور رضا سعيد وزير المعارف هذا المشروع، وتكللت مساعيه بالنجاح حينما رصدت وزارة المعارف الاعتمادات المالية اللازمة في موازنتها السنوية لإقامته. ولكن حسن عزت باشا أرولات وزير الأشغال العامة الذي كان ينتمي إلى تكتل بركات العائلي أجهض هذا المشروع؛ إذ اعتبره أنه يدخل ضمن اختصاص وزارته، وهكذا نقلت مخصصات الكلية في موازنة المعارف إلى فصل آخر فيها [28].
والواقع إن إجهاض حسن عزت باشا لمشروع الملاح-سعيد الرامي لإحداث أول كلية للهندسة في حلب حرم عاصمة الشمال السوري ومنطقتها من هذا المشروع الحيوي الذي لم يكن تعليمياً فحسب، وإنما تنموياً أيضاً بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية. وكان على حلب أن تنتظر مدة واحد وعشرين سنة أخرى لكي تشهد إحداث أول كلية للهندسة فيها في العام 1946 باعتبارها أول مؤسسة للتعليم العالي، وكانت حينها تتبع للجامعة السورية بدمشق.
إن قراءة متأنية للتحول الذي طرأ على موقف النخبة المحلية الحلبية الراسخة إزاء بقايا النخبة الحاكمة العثمانية الوافدة وضعيفة الجذور وذات المكون التركي تمكننا من اكتشاف تشكل هوية محلية لدى النخبة السياسية الحلبية متمايزة عن الهوية العثمانية، التي لطالما تماهت هذه النخبة معها وشكلت عنصراً مهماً من هويتها، ورسمت قطيعة تاريخية بينها وبين المرحلة العثمانية؛ وذلك إثر زوال الدولة العثمانية وقيام الجمهورية التركية بقيادة مصطفى كمال، وهو موقف يبدو أنه كان محل إجماع إلى حد كبير لدى كافة مكونات النخبة السياسية الحلبية الراسخة، بتأثير من الضغوط التي مارسها الوطنيون المحسوبون على الخط الوطني الأكثر راديكالية المنضوون تحت زعامة إبراهيم هنانو قائد ثورة الشمال، التي دعمها الأتراك الكماليون وساندوها في البداية، ثم ما لبثوا أن أداروا ظهرهم لها وتخلوا عنها بعدما استخدموها بوصفها ورقة تكتيكية وحسب لتحسين موقعهم التفاوضي مع الفرنسيين. وذلكم هو فصل من تاريخ العلاقة المرة بين حركة التحرر الوطني السورية ممثلة بثورة الشمال وحركة المقاومة الكمالية التركية في أعقاب الانهيار العثماني [29].
ومع ذلك، تتحدث التقارير السياسية السرية الصادرة عن القيادة العليا لجيش المشرق ببيروت والموجهة إلى وزارة الدفاع الفرنسية في ربيع العام 1926 عن اضطلاع مرعي باشا الملاح حاكم دولة حلب العام الأسبق، الذي يبدو أنه اتخذ يومئذ موقفاً متمايزاً نوعاً ما عن النخبة السياسية الحلبية، بدور “الوسيط” بطلب من حكومة أنقرة عبر قنصلها في حلب من أجل تخفيف سلطة الانتداب الفرنسي من حدة الإجراءات المتشددة التي اتخذتها بحق المواطنين الأتراك المقيمين داخل الأراضي السورية، والقيود التي فرضتها على هؤلاء وبخاصة باقر أفندي جلبي شيخ الطريقة المولوية الذي يتهمه الفرنسيون ببث الدعاية التركية في حلب، والسعي لإطلاق سراح أحد الرعايا المكتسبين للجنسية التركية جرى توقيفه في اعزاز على يد الانتداب [30].
وبحلول عقد الثلاثينيات كان أبناء أسر النخبة الحاكمة العثمانية قد غادروا حلب نهائياً بعدما غيب الموت ثلاثة على الأقل من أبرز شخصياتهم، ألا وهم على التوالي البكباشي محمد نوري بك الجركسي المتوفى في العام 1922، وحامد بك أوراز نجل الوالي المشير جميل باشا المتوفى في العام 1930، والوزير الفريق حسن عزت باشا أرولات نجل الفريق علي محسن باشا المتوفى في العام 1931. بينما غادر قريبهم صبحي بك بركات إلى تركيا بالتزامن مع بداية العهد الوطني الأول على إثر إبرام المعاهدة السورية الفرنسية للعام 1936 وانحسار دور الانتدابيين في المشهد السياسي السوري يومئذ، ليقيم في الحي الأوروبي في اسطنبول، ثم ما لبث أن انتخب نائباً في البرلمان التركي.
وأما قرية قسطون المثقلة بالديون بالكامل، والتي كانت تعد بمثابة “درة تاج” أسرتي أوراز وأرولات، فقد بيعت لاحقاً في المزاد العلني، وآلت ملكيتها إلى الصناعي الحلبي الآخذ نجمه بالصعود الحاج وهبي الحريري في الأربعينيات من القرن العشرين.
الإحالات المرجعية:
[1] انظر ترجمته في محمد راغب الطباخ، “إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء”، ط٢، دار القلم العربي، حلب، 1988،، ج3، ص 372.
[2] Oppenheim, Max Freiherr von, 1860-1946: Expedition in der Asiatischen Türkei 1899. [Salamia – Aleppo] Bd. 4, Berlin [um 1930
[3] للاستزادة عن حي الجميلية انظر كامل الغزي، نهر الذهب في تاريخ حلب، ط٢، دار القلم العربي، حلب، 1991، ج 2، ص 241-247.
[4] عبد الله حجار، “إضاءات حلبية: تاريخ ومعالم وتراث”، دار شعاع، حلب، ص 208.
[5] الغزي، نهر الذهب، مصدر سبق ذكره، ج 2، ص 246.
[6] المصدر نفسه، ج 2، ص 247.
[7] المصدر نفسه، ج 2، ص 242.
[8] قارن مع “مبعوثو حلب”، مجلة “العمران”، ج9، م2، ع386، س13، مصر في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 1908، ص 155؛ “مبعوثو حلب”، المصدر نفسه، ج11، م2، ع388، س13، مصر في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 1908، ص 181.
[9] Taha Niyazi Karaca, Meclis-i Mebusan’dan Türkiye Büyük Millet Meclisi’ne Geçiş Sürecinde Son Osmanlı Mebusan Seçimleri, Türk Tarih Kurumu Yayınları, Ankara, 2004, s. 42.
[10] قارن مع إعلان تسجيل (دار الحاكم) الكائنة في محلة السليمية (الجميلية) في الدوائر العقارية (الطابو)، ويحدد مجاوراتها بالمكتب السلطاني (المأمون)، ومكتب الإناث (معاوية)، ودار الأيتام، ودار غير مكتملة (العاديات حالياً): “حلب: الجريدة الرسمية”، العدد (364)، 1 ديسمبر/ كانون الأول 1924.
[11] محمود حريتاني، المأمون: الذكرى المئوية 1892-1992، دار القلم العربي، حلب، 1994، ص 72-73.
[12] The Encyclopædia Britannica: Vol XXXII, 1922, by Hugh Chisholm, p. 803.
[13] انظر ترجمته في محمد فؤاد عينتابي ونجوى عثمان، حلب في مئة عام، معهد التراث العلمي العربي جامعة حلب، 1992، ج3، ص28.
[14] قارن مع القائمة الاسمية بأعضاء مجلس ولاية حلب العمومي في داخلية نظارتي، أمور محليه ولايات، مجموعة سنويه سي، درسعادت، هلال مطبعه سي، 1330 مالية [1914م]، ج1، ص190.
[15] جميع البيانات البيوغرافية عن الجركسي مستقاة من “حلب: الجريدة الرسمية”، العدد (180)، في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 1921؛ العدد (255)، في 21 أغسطس/ آب 1922؛ حول توسطه للمصالحة بين الفرنسيين وبركات: يوسف الحكيم، سورية والعهد الفيصلي، بيروت، 1980، ص 168. قارن أيضاً مع المعلومات التي يوردها أدهم آل جندي، تاريخ الثورات السورية في عهد الانتداب الفرنسي دمشق، 1960، ص 72.
[16] انظر ترجمته في نسيم س تاجر، الدليل المصور السنوي لسوريا ولبنان، دمشق، 1929، ص 93.
[17] الغزي، نهر الذهب، مصدر سبق ذكره، ص319-320.
[18] انظر ترجمته في آل جندي، تاريخ الثورات السورية، مصدر سبق ذكره، ص 72-73.
[19] جميع البيانات عن شبكة المصاهرات بين أفراد هذه الأسر مستقاة من مشجرة عائلة جلبي المتاحة على الشبكة العنكبوتية العالمية (الانترنيت)، الرابط: http://mevlana.net/family_list.html.
[20] محمد جمال باروت، “المؤتمر السوري العام 1919-1920، الدستور السوري الأول: السياق، الطبيعة والوظائف، المراحل والقضايا”، مجلة تبين، العدد 3 (شتاء 2013)، ص 38-39.
[21] محمد جمال باروت، “في تاريخ الوطنية الاقتصادية”، ورقة بحثية قدمت إلى الندوة العلمية “محمد سعيد الزعيم: جوانب غير مكتشفة” التي أقامها كل من المعهد الفرنسي للشرق الأدنى بحلب، وكلية العلوم الاقتصادية بجامعة حلب، وجمعية العاديات، 5 كانون الأول/ ديسمبر 2010.
[22] بذور القطن، “حلب: الجريدة الرسمية”، العدد (316)، في 10 ديسمبر/ كانون الأول 1923، ويتضمن تقرير مدير الأشغال العامة والزراعة الاتحادية حسن عزت باشا بشأن الشروع في إجراء تجارب على زراعة القطن في سوريا. وحول التجارب الأولى التي تم إجراؤها لزراعة القطن المصري في قرية قسطون، انظر: مجموعة غرفة التجارة بحلب، السنة الرابعة، 1924، ص29.
[23] باروت، “في تاريخ الوطنية الاقتصادية”، مصدر سبق ذكره.
[24] حسن عزت باشا، صحيفة “الوقت”، حلب، العدد (146)، السنة الرابعة، في 15 مايو/ أيار 1928. راجع أيضاً، “إخبار نهائي من المصرف الزراعي بحلب” في “حلب: الجريدة الرسمية”، العدد (750)، في 12 ديسمبر/ كانون الأول 1932، ويتضمن طرح أراضي ورثة حسن عزت باشا وشقيقتيه في قرية قسطون للبيع بالمزاد العلني، وذلك لقاء تسديد قيمة القروض البنكية والفوائد المستحقة.
[25] باروت، “في تاريخ الوطنية الاقتصادية”، مصدر سبق ذكره.
[26] صحيفة المفيد، دمشق، في 13 يناير/ كانون الثاني 1925.
[27] “المولوية”، المصدر نفسه، في 16 أبريل/ نيسان 1925.
[28] كان من المقرر أن يتخذ قصر الناعورة (المتحف القديم) المدشن في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 1924 مقراً لأول كلية للهندسة في حلب، وهو المبنى الذي أُزيل في العام 1959 ليقام في مكانه متحف حلب الوطني الحالي مقراً لكلية الهندسة بحلب. قارن مع الطباخ، إعلام النبلاء، مصدر سبق ذكره، ج 3، ص 446. وحول إجهاض الوزير حسن عزت باشا للمشروع انظر “مدرسة الهندسة” في صحيفة “المفيد”، مصدر سبق ذكره، في 17 أبريل/ نيسان 1925.
[29] أحمد نهاد السياف، شعاع قبل الفجر: مذكرات أحمد نهاد السياف، تقديم وتحقيق محمد جمال باروت، بيروت، 2005، ص 17؛ باروت، “في تاريخ الوطنية الاقتصادية”، مصدر سبق ذكره.
[30] Archive – Ministère de la Défense – Service historique de la Défense (Vincennes, FRANCE) – Armée de Terre – Série 4H Levant- SHDGR-GR4-H14-H269 – Dossier 1. (Cf. 7 N 3229 pour l’année 1926).
* باحث في التاريخ السوري المعاصر