الأحزاب السورية
الجمعية العربية الفتاة
الجمعية العربية الفتاة
التأسيس:
انبثقت فكرة إنشائها في أذهان أحمد قدري وعوني عبد الهادي ومحمد رستم حيدر في الآستانة، حيث كانوا طلاباً، وذلك عقب إعلان الدستور العثماني.
يؤكد أحمد قدري في مذكراته أن أو هيئة إدارية للفتاة كانت في باريس عام 1911م ، بينما يقول عزت دروزة والأمير مصطفى الشهابي وهما من الأعضاء المؤسسين أيضاً: أن الجمعية تشكلت عام 1911م. أما أحمد عزت الأعظمي فيقول: تأسست عام 1909 م.
أما الأستاذ عوني عبد الهادي وهو عضو بارز في هذه الجمعية فيقول: كنت وزملائي محمد رستم حيدر والدكتور أحمد قدري نلتقي في الأستانة عند إعلان الدستور عام 1908 م وقد هالنا تعصب أعضاء (تركيا الفتاة) الذي أصبح فيما بعد (حزب الاتحاد والترقي) وتحديهم للعرب والتهجم على القومية العربية، وعلى هذا الأساس تداولنا حول مشروع تشكيل جمعية سرية عربية قومية في مواجهة (تركيا الفتاة ـ الاتحاد والترقي) وتهدف إلى استقلال أمتنا العربية عن الأمة التركية. فصممنا على تشكيل هذه الجمعية بشكل سري. ولم يكن للجمعية قانون ولا رئيس في الأستانة بل كانت فكرة يتداولها (عوني عبد الهادي ـ ومحمد رستم حيدر ـ والدكتور أحمد قدري)، وعندما توجهوا إلى أوروبا عام 1909 تعاهدوا في باريز على تحقيق فكرتهم وانضم إليهم جميل مردم بك وغيره من الشباب العرب في باريز وتنادوا إلى عقد المؤتمر العربي الأول الذي انعقد عام 1913 م.
رحل أصحاب الفكرة للدراسة في باريس، والتقوا فيها بكل من محمد المحمصاني وعبد الغني العريسي (بيروت) ورفيق التميمي (نابلس) واتفقوا على تأسيسها وشكلواهم هيئتها الإدارية الأولى التي ضمت كلاً من: عوني عبد الهادي، رفيق التميمي، محمد رستم حيدر، محمد محمصاني، عبد الغني العريسي، صبري الخوجة، توفيق الناطور وأحمد قدري.
استطاع أعضاء الجمعية عقد اجتماع عام لهم بدمشق خلال الحرب العالمية الأولى تم فيه التعارف. ثم انتخبوا هيئة مركزية جديدة، وقرروا:
1) وضع نظام أساسي وداخلي.
2) اعتبار أنفسهم “مؤسسين” لهم وحدهم حتى القرار وانتخاب الهيئة المركزية منهم، وتكون مسؤولة أمامهم.
3) عقد دورات يتداولون فيها شؤون الحكم والدولة والجمعية. وتتخذ قراراتهم بالأكثرية وتكون نافذة وملزمة.
4) إنشاء فروع في المدن المهمة في أنحاء سورية.
5) إبقاء السرية طابعاً للجمعية.
6) تفويض الهيئة ضم من تراه أهلاً حسب المواصفات التقليدية، ودون أن يكون له حق القرار والانتخاب، مع حقه في الاقتراح والتزامه بقرارات اجتماعات المؤسسين والهيئة المركزية.
مقر الجمعية:
كان مقر الجمعية في باريس، وفي عام 1913م، نقل مركزها إلى بيروت،، وفي عام 1914م، تأسس فرع لها في دمشق.
كما تم افتتاح فرع للجمعية في نابلس.
الانتساب إلى الجمعية:
بعد تأسيس الجمعية، أخذ أعضائها ينشطون في ضم من يرونه أهلاً من شباب العرب، وفي التفكير بما يمكنهم عمله في سبيل شعارهم. وقد ضموا إليهم عدداً من شبان العرب في فرنسا. وذهب بعضهم إلى الآستانة، وجاء بعضهم إلى سورية فضموا أعداد أخرى.
وكان من نتيجة النشاط التوسعي للجمعية انضواء عدد كبير من رجال وشباب بلاد الشام والعراق وشانهما تحت لوائها، منهم المدنيون ومنهم العسكريون.
ولقد ابتدعت الجمعية أسلوباً متحفظاً متشدداً في اختيار أعضائها لضمان الجد والاخلاص والكتمان. فكان من شأن ذلك أن ظل معظمهم من أكثر العاملين في قضايا العرب اخلاصاً وحماسة وجهداً وتضحية.
برز كثير منهم أعضاء الجمعية في مجال الحكم والسياسة والزعامة والرئاسة والعلم والأدب. كما ظل اسم الجمعية نتيجة ذلك سرياً، رغم ما تعرض له عدد كبير من أعضائها من اعتقال وتعذيب ومحاكمة وإعدام، فقد كان نحو ربع الذي شنقهم جمال السفاح منهم.
وكان يفاتح المراد ضمه بعد درس أخلاقه وسلوكه والوثوق من أهليته من قبل شخص، ثم يؤخذ منه يمين الولاء والكتمان، دون أن يعرف غير اسم الجمعية وشعارها وغير الشخص الذي فاتحه وأخذ منه اليمين. وما باشرته الجمعية من نشاط أثناء الحرب تمثل في جهود أعضائها وتعاونهم مع آخرين بعنوان غير عنوان الجمعية.
أعمال ونشاط الجمعية:
-كان من نشاط الجمعية، قبل نشوب لحرب، اندماجها في الحركة الاصلاحية التي هدفت إلى نيل الولايات العربية استقلالاً إدارياً أو لا مركزية إدارية، ثم اندماجها مع حرب اللامركزية* المؤسس في مصر للغاية نفسها، ثم دعوتها إلى المؤتمر العربي* الذي انعقد فعلاً في باريس سنة 1913 حينما تنكرت الحكومة العثمانية للمطالب الإصلاحية واللامركزية.
-عزي إلى الجمعية ثلاثة منشورات وزعت في بلاد العرب باسم “الصرخات” تحمل على حكام الدولة وعسفهم وتنكرهم لحقوق العرب، وتدعو هؤلاء إلى النهوض والذود عن حقوقهم وكيانهم واستعادة أمجادهم، كما عزي إليها صنع زرذي ثلاثة أجنحة، أخضر وأبيض وأسود صارت فيما بعد علم الثورة العربية والدولة الهاشمية، ثم بعض الدول العربية بإضافة اللون الأحمر (رَ: العلم الفلسطيني).
– التصدي لسياسة الأتراك الاتحاديين، والتنسيق مع الشريف حسين لإعلان الثورة .
– يرى البعض أن للجمعية دور في مبايعة فيصل ملكاً على سورية عام 1920م.
-كان للجمعية، هيئة وأفراداً، آثار إيجابية مهمة في قضية فلسطين. من ذلك تأسيس جمعية فلسطينية سرية في دمشق لتنظيم حركة كفاح مسلح في فلسطين، زودت بالمال والسلاح. وبدأت عملياتها الأولى قرب سمخ*. غير أن تفاقم الأزمة الفرنسية – السورية التي أدت إلى الكارثة حال دون الاستمرار.
-من جهود الجمعية أيضاً إنشاء ناد شعبي “النادي العربي” في دمشق، كان على رأسه فلسطينيان، فكان لقضية فلسطين نصيب كبير في نشاطه المفتوح المتنوع.
– تأسيس حزب الاستقلال:
وفي العهد الفيصلي قرر المؤسسين إنشاء حزب باسم “حزب الاستقلال” يكون ستاراً علنياً للجمعية، يندمج فيه أعضاؤها، وينضم إليه رجال وشبان آخرون وطنيون مخلصون، ولا يشترط أن تتوفر فيهم جميع مواصفات عضوية الجمعية، وتكون معظم هيئته الإدارية من أعضاء الجمعية، ويسير وفق توجهاتها وقراراتها.
ولقد دعي إلى مؤتمر سوري عام في دمشق ضم ممثلين عن جميع أنحاء سورية، لتقرير رغبات أهلها أمام لجنة الاستفتاء الأمريكية في حزيران 1919 وظل المؤتمر قائماً، حيث دعي لدورتين آخريين وصار بمثابة مجلس تأسيسي ونيابي بعد اعلان الاستقلال، فكان معظم أعضائه البارزين من أعضاء الجمعية القدامى والجدد (رَ: المؤتمر السوري العام).
ولقد كان من أعضاء الجمعية القدامى والجدد معظم الحكام العسكريين والمدنيين، قبل اعلان الاستقلال، ومعظم معاونيهم ورؤساء دوائرهم، كما كان معظم الوزراء ورؤساء دوائرهم، بعد اعلان الاستقلال من أعضائها أيضاً. وحين كانت المصلحة العامة تقتضي تعيين غيرهم لهذه المناصب، كانت الهيئة المركزية تبذل جهدها لضمهم إلى الجمعية، والحصول على يمين الولاء منهم. وظل الأمر على ذلك الى أن غزت فرنسا سورية وأسقطت عهد فيصل في 22/7/1920، فتفرق شمل أعضاء الجمعية وانفرط عقد تنظيمها.
لقد حاول بعض الذين تجمعوا من أعضاء الجمعية في عمان، بعد الكارثة، أن يعيدوا إليها الحياة والتنظيم، ولكن الأمر لم يستقم، لأنهم اصطدموا بالأمير عبد الله بن الحسين الذي صار له زمام امارة شرق الأردن، وبالانكليز، الذين كانوا أصحاب السيطرة فيها. وكانت فرقة جديدة، فدخلت الجمعية في ذمة التاريخ.
علم الجمعية:
اتفق الأعضاء أثناء اجتماع في مكاتب جريدة المفيد في بيروت في آذار 1914، على اعتماد راية للجمعية، وكانت هذه الراية قد صممت من قبل المنتدى الأدبي العربي الذي تأسس في الأستانة عام 1909، وتتألف من أربعة ألوان هي الأبيض والأسود والأخضر والأحمر (جامعة لألوان الرايات العربية المختلفة، اللون الأسود للدولة العباسية والأبيض للأموية والأخضر للخلافة الراشدة)، ونقش على العلم بيت من الشعر لصفي الدين الحلي: بيض صنائعنا سود وقائعنا خضر مرابعنا حمر مواضينا
وكانت الراية تتكون من ثلاثة أجزاء، الثلث الأعلى أسود والثلث الأسفل أبيض والثلث الوسط أخضر ومثلثين أحمرين في كل جانب.
أعضاء الجمعية:
تم تقسيم أعضاء الجمعية إلى أعضاء مؤسسين وأعضاء غير مؤسسين وذلك بسبب كثرة الأعضاء، وأصبح أكثر المتربعين في الوظائف الكبرى الرئيسية في الحكومة من أعضائها، لذا رُؤي تقسيم الأعضاء إلى قسمين:
آ ـ من دخل الجمعية قبل دخول الجيش العربي (الفيصلي) إلى دمشق، اعتبر عضواً مؤسساً وله الحق بمعرفة جميع الأعضاء، وأن ينتخب الهيئة الإدارية في كل سنة.
ب ـ من دخل الجمعية بعد دخول الجيش العربي دمشق، اعتبر عضواً عادياً مع جواز تحويله إلى عضو مؤسس بطريق الاستثناء، وبقرار من لجنة خاصة.
وقد عقدت هذه اللجنة جلسة خاصة في 13 أيار 1920 استثنت فيها الأعضاء العاديين واعتبرتهم أعضاء مؤسسين فكان بين هؤلاء الأعضاء:
(محمد النحاس ـ سعيد المنلا ـ عادل أرسلان ـ عارف نكد ـ يوسف العظمة ـ صالح قمباز ـ عبد الحميد كرامة ـ عبد الرحمن الشهبندر ـ محمد رضا مردم بك). ولم تأخذ الجمعية إطلاقاً بما يسمى “عضوية الشرف” فكل أعضائها كانوا أعضاء عاملين.
وقد أنشأت الجمعية لجان على المستويات كافة جرى تحديد مسؤولياتها والعلاقة بينها، وقد تم انتخاب أعضاء هذه اللجان وتم تحديد أمين سر وأمين صندوق لكل واحدة منها.
كما تشكلت لجنة وطنية عليا منبثقة عن جمعية العربية الفتاة، ومن أقطاب هذه اللجنة رئيسها الأستاذ كامل قصاب والأستاذ محب الدين الخطيب الكاتب العام، أما أعضاء الهيئة منهم: سامي مردم بك ـ نسيب حمزة (الحمزاوي) ـ عبد القادر الخطيب ـ عوني القضماني ـ الشيخ عيد الحلبي ـ أسعد المالكي ـ شكري طباع ـ عبد القادر سكر ـ أسعد المهايني ـ محمد النحاس ـ جميل مردم بك[1].
قالوا عن الجمعية:
قال أحمد جمال باشا عن هذه الجمعية وخطورتها على الدولة العثمانية: “إذا استطاعت هذه الجمعية بأعضائها العسكريين أن تحدث تمرداً في صفوف الجيش لما كانت لديّ وسيلة لمنع الثورة وتسكينها!!”، ومما قاله أيضاً بهذا الموضوع: “يجب علينا أن لا نتهاون بهذه البوادر التعصبية للفكرة العربية، علينا ألا ندع الضباط العرب يستريحون من العناء، ويتحتم دائماً إبقاؤهم خارج البلاد”.
المصادر:
[1] سلامة (بلال)، مجلة سوريتنا، العدد 74