You dont have javascript enabled! Please enable it!
مختارات من الكتب

ميشيل عفلق: النضال الايجابي سبيل الجيل الجديد الى تحقيق الانقلاب العربي

من كتاب في سبيل البعث، الجزء الأول، الباب الثاني (10)

منذ ايام ذهب طبيب شاب الى بيروت ليحجز لنفسه مكانا على باخرة تنقله الى فرنسا للتخصص في معاهد باريس الطبية، بعد ان تهيأ لهذه الرحلة منذ أشهر. ولكنه سمع عن الحوادث الاخيرة في فلسطين، ونسف اليهود للابنية العربية في يافا والقدس، مما سبب سقوط العشرات من القتلى والجرحى فعاد أدراجه الى دمشق، وتطوع في صفوف الجهاد لانه قدر ان حاجة فلسطين اليه في هذه الاونة -وهو الطبيب الجراح- أمس من حاجته هو الى الاستزادة من العلم. لقد عاد الى دمشق مساء، وفي صباح اليوم التالي كان في طريقه الى فلسطين.

لقد كنا في ذلك المساء واياه على ميعاد في مكتب البعث العربي لنودعه وداعا اخويا، واذا هو يدخل ويفاجئنا بتصميمه الجديد ويطلب موافقة الحزب عليه. والحق ان احدا منا لم يفاجأ بذلك لأننا نعرف رفيقنا حق المعرفة، ولاننا في قرارة نفوسنا كنا نتوقع منه ان يغير وجهة سفره في اللحظة الاخيرة.

ان الحادثة جديرة بأن تثير الاعجاب، وان يكون فيها لشباب العرب قدوة، خاصة اذا لوحظ انها بالنسبة الى صاحبها لم تكن حادثة بل عملا طبيعيا بسيطا، ولكن الذي يعنينا نحن منها ليس اثارة الاعجاب والحماسة وانما القاء ضوء على تفكيرنا القومي السياسي من خلال سلوك هذا الشاب.

ان الذين يؤمنون بأن الوحدة العربية، والانقلاب العربي، ورسالة الجيل الجديد، ليست ألفاظا يتطرف بها الكتاب والخطباء او عناوين وشعارات تتاجر بها الاحزاب، اوذرائع تتخذ لمحاربة الخصوم ورجال الحكم، بل هي حقائق راهنة، وأهداف واقعية وانها هي الغاية التي من اجلها نكتب ونخطب ونشكل الاحزاب ونحارب الخصوم ونعارض الحكومات، ان الذين يؤمنون بذلك كله يعرفون ان الغاية التي يسعون اليها لن تتحقق بالاقتصار على الكلام والنقد، والانكماش والاستنكاف عن كل عمل، بل ان السبيل الوحيد لتحقيقها هو دخول ساحة العمل، والاقبال على التضحيات، وتحمل أعباء النضال بدرجة من الجد والحيوية تظهر للشعب الفارق الجوهري بين القيادة الجديدة وبين قيادة الزعامات القديمة والحكومات. وهم يعرفون أيضا ان الجهاد في سبيل فلسطين هو أرحب مجال، وانسب فرصة، وأصدق امتحان لكفاءة القيادة الجديدة وقدرتها على فرض احترامها واقامة بنائها على امتن الأسس الشعبية النضالية.

ولئن كان اكثر رجال السياسة والاحزاب يتخلون في وقت الازمات العصيبة عن مبادئهم وأفكارهم، ويستسلمون بحجة التصافي وتوحيد الصفوف، للسياسة الحاكمة، أي سياسة التخدير والتضليل والجمود والفوضى، فيبرهنون بذلك على ان المبادئ، والافكار بالنسبة اليهم لم تكن الا مزاحا يجيزه العرف السياسي والتنافس الحزبي في الاوقات العادية، ويصبح غير جائز ولا معقول في ظروف الجد والخطر، فلسنا نرى نحن خيرا من ظروف الازمات والاخطار لكي تزيدنا استمساكا بمبادئنا العربية الشاملة، واقتناعا بفكرتنا الانقلابية وعزما اكيدا على تحقيقها فالعمل بوحيها.

فالعمل الايجابي في سبيل كل قضية قومية، وفي سبيل قضية فلسطين بوجه خاص، ليس امرا يفرضه الواجب القومي فحسب، بل هو من منطق الفكرة الانقلابية التي يؤمن بها الجيل الجديد، والتي تدعوه ان يشق طريقه بين تخاذل الحكومات وتآمر المصالح الاستعمارية والاقطاعية على مصير الشعب العربي، لكي يقود هذا الشعب ويتيح له ان يقبض على قضيته بيده، وينقذها من نتائج التآمر والفوضى والاستغلال. وبدلا من أن يحسب الجيل الجديد ان اقدامه على الجهاد في سبيل قضية فلسطين يوقعه في شراك الفئات الحاكمة المشرفة على هذه القضية، ويشجعها على التضليل والاستغلال، يجب أن ينظر الى نضاله الايجابي كخير وسيلة لانتزاع الاشراف من يدها، ووقف محاذيره أو التخفيف من شروره. فاذا غابت هذه الحقيقة عن اذهان البعض ودفعها الحذر من الحكومات الى التردد في نصرة فلسطين، فانهم بهذا الاسلوب الخاطئ لا يكونون قد حرموا من نشاطهم أخطر قضية قومية فحسب، بل يكونون أيضا قد حكموا على فكرتهم الانقلابية بالعقم والفشل، لانهم أوصدوا في وجهها باب النضال والعمل.

ان النضال الحقيقي لا يكون في يوم من الايام هدما وسلبية وتنكبا عن العمل، بل هو خلق وبناء وعمل ايجابي مثمر، الا ان صفة الخلق والجدة فيه تظهره في أعين الكثيرين، وخاصة في أعين الذين يوجه ضدهم بمظهر السلبية والهدم، لان مجرد ظهور العمل الصحيح يهدم أعمالهم الفاسدة، ومجرد انتاج السبيل القويم يبدو تحديا لاعوجاج سيرهم ومجرد ارتفاع البناء الجديد يحجب النور عن أبنيتهم الهرمة، ويحد من المكان الذي كانت تستأثر به!

 

10 كانون الثاني 1948

المصدر
موقع ميشيل عفلق



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى