حسني باقي زاده
هو حسني بن الحاج أحمد بن عبد القادر أغا آل عبد الباقي/ آل باقي زاده(1) .
النشأة والدراسة:
ولد في مدينة حلب في السابع عشر من ذي الحجة 1259هـ، الثامن من كانون الثاني 1844م، وورد في إعلام النبلاء: 15 ذي الحجة.
تلقّى تعليمه الأساسي في مكتب السبيل في محلة سويقة الحجّارين عند الشيخ سليمان أفندي، فدرس عليه مقدمات علوم الدين والفقه، والصرف والنحو العربي، ومؤلفّا “تحفة وهبي” و”كلستان” في اللغة الفارسية، والإنشاء باللغتين العربية والتركية.
انتسب بعدها إلى مدرسة الفرانسيسكان بحلب، فدرس علوم التاريخ والجغرافيا والفلسفة، ودرس اللغة الفرنسية والإيطالية على معلّم مخصوص إلى أن برع فيهما.
المسيرة العملية:
انتظم في السلك العثماني الرسمي فلازم أقلام النفوس والمجلس الكبير والمحاسبة في أيالة حلب، ثم عيّن في أوائل عام 1858م كاتبًا لتفقّد الظابطية في حلب، وتسلّم وظيفة إضافية معها هي مقيّد السندات في قلم محاسبة الأيالة، ولم يكن حينها قد بلغ الخامسة عشرة من عمره.
ومع صدور قرار تشكيل ولاية حلب، عيّن كاتبًا ثانيًا لديوان تمييز الولاية عام 1866م، ثم عيّن مأمورًا على الضرائب الزراعية (الأعشار) لإدلب ومعرّة النعمان صيف 1870م.
عيّن قائم مقام لقضاء “بيره جك” مطلع عام 1871م، ثم قائم مقام لقضاء البستان شمال مرعش صيف 1871م، إلى أن قدّم استقالته من منصبه بعد خمسة أشهر.
عيّن بعدها عضوًا لديوان تمييز ولاية حلب، ثم عيّن قائم مقام لقضاء أنطاكية بدايات عام 1873م، وقدّم استقالته من منصبه بعد سبعة أشهر.
أعيد تعيينه بعدها في ديوان تمييز حلب وظلّ فيه ثلاث سنوات، ثم إحيلت إليه رئاسة الديوان وكالةً لمدة ستة أشهر.
تولّى بعدها عدة مهام تحقيقية؛ فأوفدته السلطات إلى أورفة للتحقيق في الأزمة الحاصلة بين الجيش العثماني والأهالي، وعقب ذلك أوفد للتحقيق في قضية أعشار قضاء العزبة شمال دير الزور، ثم للتحقيق في مزايدة أعشار أنطاكية وفي قضية الباخرة الإنكليزية المشتبه بها حمل الأسلحة والذخائر إلى المنطقة، ثم للتحقيق في قضية اعتداء بالضرب في إدلب، وأخيرًا للتحقيق في شكاوى المسيحيين من سكّان لواء اسكندرون وبيلان للباب العالي(2).
انتخب نائباً عن ولاية حلب في مجلس المبعوثان لدورته الأولى عام 1877م، واهتم أثناء فترة نيابته بوضع قانون البلديات، لاهتمامه بشؤون العمران والبناء(3).
وحينما كانت الحرب الروسية على الأبواب، كان رأيه في المجلس ضد الدخول في الحرب، لما يعلمه من عجز الدولة العسكري وخلّو الخزينة من أي موارد.
بعد انتهاء فترة نيابته في مجلس المبعوثان، عيّن وكيلًا لقائم مقام عينتاب مطلع عام 1878م، وأسندت إليه في ذات الفترة مأمورية الضرائب الزراعية (الأعشار) في القضاء المذكور.
عيّن بعدها قائم مقام لقضاء “زيتون” في مرعش بولاية حلب، إلى أن قدّم استقالته بعد ستة أشهر.
أوفدته السلطات بعدها مباشرةً للتحقيق في نزاع حصل بين طاقم سفينة حربية فرنسية وبين أهالي اسكندرون، وقد أنهى التحقيقات في ظرف شهر ونصف، فنصّبته السلطات قائم مقام اسكندرون بالوكالة، ثم بالأصالة، ثم عيّن قائم مقام لعينتاب مرة أخرى مطلع 1882م، ثم أعيد إلى قائم مقامية الاسكندرون نهاية العام المذكور، ورفّع في حزيران 1883م إلى رتبة “المتمايز”.
وقد شهد له والي حلب جميل باشا في ملاحظة رسمية بدرايته واستقامته وحسن إدارته.
عيّن مطلع عام 1887م قائم مقام لقضاء أنطاكية، وأعيد إلى قضاء الاسكندرون صيف 1888م. وقد عزل من منصبه صيف 1892م بسبب خلل قانوني وبعض الشكاوى الأخرى من الأهالي.
عيّن في أيار 1894م قائم مقام لقضاء حيفا، وأبدى في وظيفته الكفاءة وحسن الإدارة، فحصل ترفيعه إلى الرتبة الأولى من الصنف الثاني في ذات العام.
إلا أن السلطات عزلته عن منصبه في أيار 1895م بعد ورورد برقية من والي بيروت عن قيامه بتحقير الأعيان والأهالي وتنفيره إياهم من الدولة والحكومة. ورغم أن التحريرات التي وردت بعد عزله من طرف مجلس إدارة الولاية وقيادة الفرقة العسكرية الرديفة في عكا أكّدت على مآثره العمرانية والأهلية والاقتصادية، والتدقيقات التي حصلت بعد ذلك عن القضية وأكّدت براءته، إلا أن هذا منصب قائم مقام حيفا كان آخر منصابه في السلك الرسمي(4).
ورغم أن السيد محمد راغب الطباخ في إعلام النبلاء أن آخر وظيفة رسمية له كانت عضوية هيئة التحقيق بنظارة الظابطة العثمانية، ومنها أحيل إلى التقاعد حسب طلبه في تشرين الثاني 1895م، إلا أن ذلك لم يرد في سيرته الذاتية الرسمية المحفوظة في الأرشيف العثماني.
مؤلفاته:
يورد محمد راغب الطباخ في إعلام النبلاء عن مؤلفات باقي زاده ما يلي:
” كان للمترجم عناية بجمع الكتب واقتنائها، صرف فيها مبلغا عظيما، فكان لديه مكتبة نفيسة غير أنها ذهبت طعمة الحريق الذي حصل في داره في الحوادث الأرمنية التي حصلت في الإسكندرونة في شباط سنة 1917 م الموافقة سنة 1337 هجرية.
وله كتاب «منهاج الأرب في تاريخ العرب» يبحث عن عوائد العرب وحالتهم وعيشتهم في الجاهلية وصدر الإسلام، ألفه على إثر إعلان ملك الأسويج والنرويج أوسكار الأول بأن من ألّف في هذا الموضوع وحاز قصب السبق فله جائزة كذا، فكان من جملة من ألّف في ذلك المترجم، والذي فاز بقصب السبق وحاز الدرجة الأولى العلامة محمود شكري الألوسي البغدادي في كتابه «بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب»، وقد طبع مرتين الثانية في مصر سنة 1343. وحاز كتاب المترجم الدرجة الرابعة ، وبيض من تأليفه نسختين قدم إحداهما للملك المشار إليه وبقيت الثانية عنده ، غير أن السلطان عبد الحميد كان لا يسمح في زمنه بطبع أمثال هذا الكتاب لما فيه من نشر آثار العرب وفضائلهم خصوصا إذا كان من قبل موظف في حكومته ، فبقي هذا الكتاب مهملا محفوظا في خزانة كتب المترجم إلى أن حصل الحريق التي ذكرناه فذهب فيما ذهب.
ويسعى الآن ولد المترجم ثريا بك في استنساخ نسخة منه عن النسخة التي قدمت لملك الأسويج ، وفي عزمه إذا توفق لذلك أن يسعى في طبعه.
ومن مؤلفاته رسالة باللغة التركية سماها «عبرت ياخود مرسينده إيكي دوكون» أي عبرة أو عرسان في مرسين ، وهي درس اقتصادي يفصل فيها حالة الإسراف في الأعراض المؤدية إلى الإفلاس ، طبعت في الآستانة.
ورسالة في التركية أيضا في فن الاستنطاق ، ذيّلها ببيان كيفية إصلاح المجرمين وتهذيبهم ، ووضع فيها خرائط توضح كيفية إنشاء السجون ، وقد طبعت أيضا.
وإحصاء لبلدة الإسكندرونة يحتوي على نبذة من تاريخهم ويبين ما لموقعها الجغرافي من الأهمية السياسية والاقتصادية ، وما حوته من أجناس المعادن وما فيها من ينابيع مائية صالحة للشرب ومعدنية صالحة للاستحمام إلى غير ذلك من الفوائد.
وإحصاء لبلدة حيفا نظير ذلك الإحصاء، وكلاهما باللغة التركية، وقدم الاثنين للمابين الهمايوني في الآستانة ونال امتنان السلطان عبد الحميد خان منهما.
ورسالة فصل فيها المسألة الصهيونية قديما وحديثا، وبين الوسائل التي يقتضي اتخاذها والطرق اللازم سلوكها تجاه هذه القضية ، وقدم هذه الرسالة للمابين أيضا ونالت هناك القبول”.
آثاره العمرانية العامة والخاصة:
يتابع الطباخ في سرد آثاره فيقول في الجانب المعماري:
“سعى بواسطة الإعانة في تأسيس مكتب رشدي ومكتب ابتدائي وعمارة دار وثلاثة دكاكين ألحقها بالمكتب الابتدائي، وذلك في الإسكندرونة.
وأسس في حيفا مكتبًا ابتدائيًا للذكور وآخر للإناث. ورمم في عينتاب (34) دارا للفقراء والأرامل والأيتام التي خربت دورهم على إثر الزلزلة التي حصلت هناك. وجدد عمارة جسر (قشيق) في الزيتون ، وكان قد نسف من قبل عصاة الأرمن. وأنشأ هناك ثكنة عسكرية بواسطة الإعانة مبتدئا بنفسه ثم بما جادت به أكف المحسنين وذوي الحمية. وعمر جسر عفرين الشهير وكثيرا من الجسور التي بين حلب والإسكندرونة وبينها وبين عينتاب.
ووقف بالإسكندرونة وفي ناحية أرسوز وقفا على ذريته وفي وجوه البر والإحسان ، وأشفعه بوقف ثان من جملته حمّام في الإسكندرونة من أحسن حمّامات سورية. وأنشأ غرفة لتدريس علم الحديث وغرفة للمدرس خاصة وتحتها غرفة لمبيت الغرباء الفقراء الذين يمرون من الإسكندرونة ، ومكتبا ابتدائيا للصبيان جعل راتب من يتولى التعليم فيه من غلة وقفه. وأنشأ مخفرا بموقع عين الحرامية في منتصف الطريق ما بين الإسكندرونة وأرسوز تأمينا للمارة هناك”.
وممّا أورده الأرشيف العثماني الرسمي؛ إنشاؤه دار الحكومة (السرايا) في الاسكندرون أثناء فترة إدارته لها، وإيصال طريق الشوسة بين حلب والاسكندرون إلى عينتاب عبر مدّه 10 كم إضافية. كما اتخذ عدة تدابير مؤثرة في حفظ مياه حلب من الضياع والاستغلال، وكذا في مكافحة الجراد، وكان يأمر بتنظيم جدول لواردات ومصاريف كلّ قضاء يستلّم إدارته. إضافةً إلى تأمين موارد الخزينة اللازمة من الضرائب الحكومية والأعشار، واستئصال الأشقياء وقطّاع الطرق، وإجراء القرعة العسكرية للتجنيد بأتمّ صورة ممكنة وسوق المجنّدين إلى قطعهم العسكرية. ويذكر له كذلك أنه أخمد فتنة كانت ستحصل في قرية البرج بالقرب من مدينة الباب بحلب.
أما في حيفا فقد قام خلال سنة واحدة بإحلال الأمن والسلم الأهلي في القضاء، وأجرى تحصيلات الضرائب الحكومية بكلّ انتظام، وكما ذكر الطباخ أيضًا؛ قام بتأسيس مدرستين في المدينة.
تقاعده ووفاته:
تفرّغ بعد تقاعده لإدارة أملاكه ومزارعه في الاسكندرون وناحية أرسوز، وتعاطى الزراعة وطبّق فيها الأساليب الحديثة.
توفي في التاسع عشر من تشرين الثاني عام 1907م، إثر إصابته التي نجمت عن جموح جواده، ودفن في مدفنه الخاص في ناحية “قلعة الصغيرة” بالاسكندرون. والغالب أنها ما يعرف اليوم بقرية “قلعة” جنوب ناحية أرسوز.
أنجب حسني باقي زاده السادة: سامي وعبد العزيز وثريا ورشدي وأحمد إقبال.
(1) عبد الباقي أغا جدهم الأعلى، ومن أحفاده ناصر أغا باقي صاحب الأوقاف الخيرية، وأحمد بن عبد القادر بن عبد الباقي بن علي بن ناصر بن عبد الباقي الذي أنشأ القلاع والحصون الحربية في جهات السويدية وكسب والبسيط، وقد توفي عام 1869م. ونقش على قبره لوحة فيها ثلاث أبيات جاء في الشطر الأخير منها:(في جنة الفردوس يرقد أحمد)، وهو تاريخ وفاته. ومن أحفاده شوكت باشا باقي الذي صار شيخاً للحرم النبوي، وقد أعقب عدة اولاد انتقلوا من حلب إلى الآستانة، وغيرها وتولوا اسمى المناصب، منهم رشيد باشا باقي رئيس شورى الدولة العسكرية، وهو جد الفريق علي رضا باشا وأمير اللواء وصفي باشا، والمشير إسماعيل حقي باشا الذي كان مشيراً للجيش الخامس في الشام عام 1903م، والمتوفى في الآستانة عام 1909م.
(2) الجندي (أدهم)، الأعلام، الجزء الثاني، صـ 10
(3) السوريون في مجلس المبعوثان – الدورة التشريعية الأولى (المشروطية الأولى) عام 1877م.
(4) الأرشيف العثماني الرسمي:DH.SAİDd.10/ 277
انظر:
عمرو الملاح: حسني بك باقي زادة ..أحد رواد السياسة في حلب العثمانية