مروان حبش– التاريخ السوري المعاصر
18تشرين الثاني 1963وسقوط حكم الحزب في العراق
كانت بعض قواعد الحزب وقياداته تتهم الأمين العام بالعمل الحثيث للتخلص من الاتجاه اليساري الذي ظهرت ملامحه في المؤتمر القومي السادس، وأن الأحداث التي جرت في العراق ما بين 11 18 تشرين الثاني 1963، كانت انفجاراً حتمياً للتناقضات الموجودة في الحزب وفي الحكم، وأن بعض المنطلقات النظرية التي أقرها المؤتمر القومي السادس كانت الخطوة الأولى نحو تجاوز وتصفية ما سموه بـ “العفلقية”، ولقد دعت القيادة القطرية العراقية مؤتمرها القطري الخامس للانعقاد في 11 تشرين الثاني 1963 لانتخاب الأعضاء الاحتياطيين في قيادة القطر وفقاً للتعديلات التي طرأت على النظام الداخلي، وبعد مضي نصف ساعة من انعقاد المؤتمر فوجئ المؤتمرون بدخول عدد من “اليمينيين العسكريين” قاعة المؤتمر ليفرضوا أنفسهم أعضاء في المؤتمر، متذرعين بعدم تمثيل التنظيم العسكري تمثيلاً سليماً، واعترضوا على من حضر المؤتمر ليمثلهم.
كما طعنوا في انتخابات التنظيم المدني، وتكلم أحدهم وهو العقيد محمد حسين المهداوي “كان ملحقاً عسكرياً في سورية بعد 8 شباط ثم عاد إلى العراق بعد المؤتمر القومي السادس” قائلاًُ: “إن الرفيق ميشيل عفلق فيلسوف الحزب، قد أخبرني بأن هناك عصابة متسلطة على رأس الحزب في العراق، وهناك عصابة مماثلة لها في سورية، وقد التقت هاتان العصابتان وسيطرتا على المؤتمر القومي السادس، لذا يجب إزالتهما، وأن ما يحدث هنا سيحدث مثيله قريباً في سورية … ثم طالب باعتبار جميع الحاضرين أعضاء في المؤتمر”، وتم انتخاب قيادة قطرية جديدة، قامت على الفور بنفي “حمدي عبد المجيد، علي صالح السعدي، محسن الشيخ راضي، هاني الفكيكي، أبو طالب الهاشمي” إلى مدريد، دون تزويدهم بجوازات سفر حتى لا يستطيعون مغادرتها.
وصل الأمين العام يوم 13/ 11 إلى بغداد، على رأس وفد ضمّ في عضويته الفريق أمين الحافظ، اللواء صلاح جديد، من أعضاء القيادة القومية، والوزير يوسف زعين وآخرين، وبعد الاطلاع على مجريات الأمور، صدر يوم 13 / 11 بيان باسم القيادة القومية، ومما ورد فيه: “إن ما وقع في المؤتمر القطري العراقي المنعقد بتاريخ 11/11/1963 من استغلال لطيبة رفاقنا الضباط الذين لم يُفسح لهم المجال في السابق لإبداء آرائهم بأسلوب صحيح ومن ممارسة لطرق غير حزبية في المؤتمر تجعل القيادة القطرية التي انتُخبت لا تعبر عن إرادة الحزب”، واتخذ الحاضرون من أعضاء القيادة القومية مقررات منها:
1 – اعتبار المؤتمر القطري المنعقد في بغداد بتاريخ 11/11 مؤتمراً غير شرعي، وحل القيادة القطرية المنبثقة عنه.
2 – حل القيادة القطرية التي كانت تمارس مهامها عند انعقاد المؤتمر المذكور.
3 – تولي القيادة القومية مسؤولية القيادة القطرية في العراق.
ونتيجة ذلك تولى الأمين العام، مع عضوي القيادة القومية أحمد حسن البكر وصالح مهدي عماش، وأعضاء القيادة القومية الذين كانوا في عضوية الوفد، توجيه دفة الأمور.
وحسب وجهة نظر المنفيين وجناحهم في الحزب، أن دور الأمين العام والبكر وعماش، كان يهدف إلى تثبيط عزيمة الحزبيين وتمييع المواقف، وعدم الأخذ أو الاستماع للرأي الآخر في الحزب.
كما رفض “أعضاء القيادة القومية” إدانة ما حدث يوم 11 /11، ورفضوا عودة القيادة الشرعية للحزب، ورفضوا، أيضاً، طلب الحزبيين بإخراج عبد السلام عارف من العراق رغم وضع “المنفيين” أمام أعضاء القيادة القومية جميع المعلومات المتوفرة عن تحركاته واجتماعاته، وتأكيدهم للأمين العام بأن عبد السلام عارف يُعِدّ لانقلاب بالاشتراك مع العناصر التي دخلت عنوة إلى المؤتمر، ورغم كل ذلك أقدم الأمين العام بعد تحرك الحرس القومي لحماية الثورة يوم 13 /11، على تشكيل مكتب عسكري للتنظيم الحزبي في الجيش ضم في عضويته “طاهر يحيى، حردان التكريتي، رشيد مصلح، سعيد صليبي، صلاح الطبقجلي”، وأصدر هذا المكتب بموافقة الأمين العام، تعليمات طلب فيها من الحزبيين العسكريين اعتبار تعليمات طاهر يحيى وأوامره تعليمات من الحزب، وقد استخدم طاهر يحيى هذه الصلاحيات ليُنفذ ، بالتعاون مع عارف، انقلاب 18 تشرين الثاني بمنتهى السهولة، وخاصة، بعد أن أصدرت اللجنة التي يترأسها الأمين العام الأوامر للحرس القومي بالانسحاب من مراكزه الاستراتيجية في مدينة بغداد، على أساس أن المشكلة قد تمت تسويتها.
خان طاهر يحيى، الذي تسلّم رئاسة الوزارة، الأمانةَ وقام باعتقال مئات البعثيين، وحين بادرت الإذاعة السورية إلى مهاجمة الانقلاب فور حصوله، هاتف حازم جواد “عضو في القيادة القطرية الجديدة التي تم حلها وتقرر إبعاده، أيضاً، إلى لبنان”، من بيروت اللواء محمد عمران نائب رئيس مجلس الوزراء، وطلب الكف عن مهاجمة عبد السلام عارف، بل وتأييده، لأن الضباط الذين قاموا بالانقلاب هم ضباط بعثيون، وأن هذا الانقلاب قد تم بالاتفاق مع الأستاذ صلاح البيطار وبعلم الأمين العام الأستاذ ميشيل عفلق(3).
إذاً، وحسب وجهة نظر بعض القواعد الحزبية في منظمات الحزب، أن الأمين العام قد هيأ الشروط الضرورية لتنفيذ الانقلاب على حكم الحزب في العراق، حتى إن البعض يذهب في الاتهام، بأن الأمين العام قد اشترك في الإعداد له.
اقرأ:
مروان حبش: حركة 23 شباط – الدواعي والأسباب – المقدمة (1)
مروان حبش: حركة 23 شباط – الحزب في السلطة (2)
البلاغ رقم 3 لحركة 23 شباط 1966
بيان ميشيل عفلق حول إنقلاب 23 شباط 1966
محمود جديد : المقدمات والأسباب المباشرة لحركة 23 شباط 1966
صحيفة المنار 1966- التنافس الروسي – الصيني في سورية