You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

محمد حسنين هيكل: حكومة سورية وعبد الحميد السراج

محمد حسنين هيكل- بصراحة .. صحيفة الأهرام 07-05-1962

لا أعرف من الذى أشار على حكومة دمشق بأن تصدر بلاغها الذى أعلنت فيه عن فرار عبد الحميد السراج من السجن، على النحو الذى صدر به.

لكننى أعرف أن الذى أشار لم يكن مخلصاً فيما أشار به، وهو فى أغلب الظن واحد من ثلاثة أحمق، أو جاهل، أو حاقد!

أحمق – لأنه نسى أن عبد الحميد السراج لا ينبغى أن يوصف فى أى بلاغ يصدر عنه مهما كان سببـه، بأنه “السجين عبد الحميد السراج”.

إن عبد الحميد السراج وضع فى سجن المزة فى أعقاب الانقلاب الانفصالى الرجعى، بعد أن حاول بعض قادة هذا الانقلاب أن يضموه إلى صفوفهم، وان يقنعوه أو يرغموه بأى وسيلة من الوسائل على أن يساير قفزتهم بسوريا إلى الظلام، لكنه رفض، ورضى بدخول السجن، الذى أصبح رهينة فى يد الرجعية التى تسلمت مقاليد الأمور فى سوريا بعد أن خدعت المتآمرين ودفعت للمرتشين من صناع انقلاب الانفصال.

ولقد كان عبد الحميد السراج فى سجن المزة أقوى من كل سجانيه، بدليل انهم برغم كراهيتهم له، لم يستطعوا تقديمه للمحاكمة، ولقد كان أول الأسباب أنه كان يعرفهم واحداً واحداً، وإذا ما أتيحت له فرصة محاكمة علنية، فلسوف يخرج هو من قفص الاتهام ليدخل إليه كل الذين أرادوا أن يلفوا الحبل من حول عنقه.

ولقد أبقوه رهينة وهم يعرفون ما يفعلون، ثم جاء انقلاب على الانقلاب ومع ذلك بقى عبد الحميد السراج فى سجن المزة بأمر الذين لا يعرفون ما يفعلون.

جاهل – لأنه نسى أن عبد الحميد السراج كان يوماً من الأيام ولسنوات طويلة واحداً من أبرز مجموعة من شباب سوريا الوطنى، تصدوا وحدهم لكل مؤامرات الاستعمار والرجعية على سوريا العربية.

واجهوا وحدهم مؤامرات حلف بغداد ودوله الكبرى.

واجهوا وحدهم مطامع الأسرة الهاشمية فى سوريا.

واجهوا وحدهم تواطؤ الرجعية السورية مع الاستعمار ومع أدواته الهاشمية.

واجهوا وحدهم محاولة الحزب الشيوعى السورى أن يحكم سوريا بالمذابح الجماعية وبحمامات الدم.

واجهوا وحدهم هذا كله، بإرهابه، بسلاحه، بماله، وتصدوا للدفاع عن سوريا وحفظوا سلامتها فى أحلك الليالى ظلاماً وأحفلها بالخطر.

ولقد دفع عبد الحميد السراج ثمن سلامة سوريا بسهره، وبأعصابه، وبكل طاقة فيه تقدر على العمـل.

بل دفع عبد الحميد السراج فى ذلك السبيل ما هو أغلى من السهر والأعصاب والعمل.

لقد وجهت إليه من جانب الاستعمار والرجعية، حملة من أعنف حملات الكراهية ضمن الحرب النفسية الشاملة التى جرت فى الشرق العربى.

حاقد – لأنه نسى فى غمرة حقده انه وضع حكومة سوريا فى نفس الموضع الذى كان فيه من قبل عدو سوريا.

إن المكافأة التى أعلنتها حكومة سوريا لمن يدل على مكان عبد الحميد السراج وقدرها 20 ألف ليرة ليست أول ثمن يعرض لشراء عبد الحميد السراج.

قبل هذه المرة بأربع سنوات دفع الملك سعود ليشترى عبد الحميد السراج ودفع 20 مليون ليرة، أكثر ألف مرة مما تعرضه حكومة سوريا، ولكن الملك سعود بملايينه العشرين لم يستطع أن يشترى عبد الحميد السراج من نفسه، لم يستطع ان يشترى روحه، بل تقدم عبد الحميد السراج، بشجاعة وشرف وكشف صفقة الشيطان!

ومن عجب انه بين الذين يتصدون للأمور فى دمشق اليوم بعض الذين مدوا أيديهم لليرات الملك سعود وباعوا له سوريا أو حاولوا بيعها.

وبعد فليس هدفى اليوم ان أدافع عن عبد الحميد السراج.

لقد تعرضت مرة بالتفصيل، لحسناته ولأخطائه.

لكن الذى حدث لعبد الحميد السراج خلال الشهور السبعة الأخيرة لا يرضاه أحد.

لقد وضعه فى السجن أعداء سوريا.

وجربوا معه أساليب الغواية والإرهاب فلم ينجحوا.

وطلب الملك سعود رأسه على طبق من ذهب، وكانت الرجعية الحاكمة فى سوريا تتمنى لو أجابت الطلب، لكنها ترددت عن غير عفة وتمنعت لأسباب أخرى غير هواجس الضمير.

ثم مضوا يحاولون إذلاله إلى حد أن معاشه توقف عن أسرته، واحتاجت إلى حد أنها عجزت عن دفع فاتورة النور واشتراك التليفون فى بيتها، فإذا بالتيار الكهربائى يقطع، وإذا بالتليفون يخلع من بيت عبد الحميد السراج.

ولقد يسألنى سائل:

– هل كنت تريد أن تسكت حكومة سوريا عن هرب عبد الحميد السراج؟

وأقول: لقد كان ضرورياً لها أن تتكلم!

ولكنها لو سألت المشورة مخلصة قبل الكلام لنصحها بغير ما تورطت فيه.

لقد كانت الحكومة تستطيع بدلا عن الحديث المهين عن “السجين الهارب” وبدلا من “التحريض الرخيص” عليه بعشرين ألف ليرة ان تصدر بلاغاً تقول فيه مثلاً:

“إن السيد عبد الحميد السراج قد هرب من سجن المزة.

والحكومة تطلب إليه أن يسلم نفسه، على وعد منها بأنها سوف تبت فى أمر سجنه بأسرع مما يمكن، وسوف تعامله كما ينبغى أن يعامل وطنى شريف حاول أن يخدم سوريا بقدر ما مكنته الظروف والوسائل.

وإذا كانت الحكومة قد تأخرت حتى الآن فى ذلك فلم يكن السبب إلا أنها فى غمرة مشاغلها ومسئولياتها نسيت.

شىء من هذا القبيل كان أولى بحكومة سوريا وأليق.

وأنا أعلم انه ليس من حقى أن أشير على حكومة سوريا بما ينبغى لها أن تفعله ولا تفعله.

ولكن حقى وحق كل مواطن عربى غيرى – أن يقول لحكومة سوريا أنها – كما يبدو من تصرفها – لم تحسن اختيار مستشاريها فلم تسمع منهم إلا الحماقة أو الجهل أو الحقد فى حق شاب عربى، انطلقت ضده أعنف حملة كراهية منظمة دبرها أعداء سوريا، أعداؤه هو أيضاً بسبب سوريا.

ثم أقول بغير تردد.

– قلبى الآن مع عبد الحميد السراج فى مخبئه حيث يكون.

ليست حكومة سوريا وحدها هى التى تطارده!

وإنما غيرها، اكبر منها وأقوى – يطلبون الآن دمه، وهم على استعداد لأن يدفعوا ما هو أكثر من العشرين ألف ليرة التى عرضتها حكومة سوريا.

إنى واثق هذه اللحظات إن الملك سعود، وغيره وغيره، يريدون أن يسبقوا حكومة سوريا فى العثور على عبد الحميد السراج وتصفية حسابهم معه إلى الأبد.

ثم أقول:

– يا رب… لا تمكنهم منه!



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى