مقالات
ياسر مرزوق: وجوه من وطني.. الأمير مصطفى الشهابي
ياسر مرزوق- مجلة سوريتنا
ولد الأمير مصطفى بن الأمير محمد سعيد بن الأمير جَهْجَاه بن الأمير حسين الشهابي، في قرية حاصبيا مقر بني شهاب في وادي التيم في سفح جبل حرمون بلبنان، عام 1893 وكان بنو شهاب قد دخلوا الشام في الفتح الإسلامي بقيادة أبي عبيدة بن الجراح، وعُرفوا بمُزاولتهم الأدب والسياسة.
نشأ الأمير في بلدة حاصبيا، وبها تلقى تعليمًا ابتدائيًّا، ثم انتقل إلى مدرسة المطران في بعلبك، ثم مدرسة المَوارنة في زحلة، ثم التحق بالمدرسة البطريركية الكاثوليكية؛ حيث تلقى دروسًا في العربية والفرنسية ومبادئ العلوم العصرية، وفي سنة 1907 سافر مع شقيقه عارف الشهابي إلى الأستانة، وفيها دخل مدرسةً إعداديةً فرنسيةً، ودرس في أثناء تلك الفترة اللغة العربية وآدابها وتاريخ العرب والإسلام على يد أخيه الأمير عارف، وفي سنة 1910 عاد الشقيقان إلى دمشق، فالتحق مصطفى بالمدرسة السلطانية الثانوية لمدة سنة ” مكتب عنبر “، أُرسل بعدها إلى فرنسا فحصل فيها على شهادة الدروس الابتدائية العليا للزراعة، ثم دخل مدرسة غريغنون لمتابعة تعليمه العالي، وحصل منها سنة 1914 على شهادة مهندس زراعي.
عاد إلى الأستانة مع بداية الحرب العالمية الأولى، فدخل المدرسة الحربية ثم تخرج منها ليشغل عدة وظائف عسكرية، ومع نهاية الحرب ودخول الملك فيصل دمشق، تقلد الأمير الشهابي مديرية مدير الزراعة والخراج حتى عام 1923 ثم مديراً لأملاك الدولة حتى عام 1934، ثم مديراً للاقتصاد الوطني عام 1935.
عام 1936 تولى الشهابي وزارة المعارف في حكومة الرئيس عطا الأيوبي، وعندما تقلد الوزارة بعث إليه الأديب والشاعر الدكتور زكي المحاسني هذين البيتين:
ما عجبنا لما غدوت وزيراً فلقد كنت في علاك أميراً
يا “شهاباً” على البيان تلالاً أسطع اليوم في “المعارف” نوراً
كان الأمير أحد أعضاء الوفد السوري المفاوِض لوضع معاهدة بين سورية وفرنسة، ومحافظاً لحلب عام 1937، وفي عام 1939 تولى وزارة المالية في حكومة سعيد الألشي، ثم وزارة المالية والاقتصاد الوطني والإعاشة والتموين في حكومة عطا الأيوبي الثانية، ثم محافظاً للاذقية عام 1943، والأمين العام لرئاسة مجلس الوزراء عام 1945، ومحافظ حلب للمرة الثانية بين عامي 1946 – 1947، ومحافظ اللاذقية للمرة الثانية بين عامي 1948 – 1949، ووزيراً للعدل عام 1949، ووزير سورية المفوَّض في مصر بين عامي 1951 – 1954، وكان أول سفير لسورية في مصر.
انتخب الأمير مصطفى الشهابي في العام 1926 عضواً عاملاً في المجمع العلمي العربي بدمشق. وانتخب في العام 1948 عضواً مراسلاً لمجمع اللغة العربية في مصر. وانتخب غير مرة عضوا في مجلس المعارف الأعلى في سورية، وفي مجلس إدارة المتاحف والآثار، وفي جمعيات علمية وأدبية مختلفة. وعين عضوا في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية في القاهرة ودمشق، كذلك مثل جامعة الدول العربية ثلاث مرات في حلقة الدراسات الاجتماعية. وفي 14 شباط 1956 انتخبه المجمع العلمي العربي بدمشق نائباً لرئيس المجمع. وفي 15 تشرين الأول 1959 انتخب بالإجماع رئيساً للمجمع خلفاً لرئيسه المرحوم خليل مردم بك. فكان بذلك الرئيس الثالث للمجمع، بعد مؤسسه ورئيسه، الأول المرحوم محمد كرد علي، ورئيسه الثاني شاعر الشام خليل مردم بك. وظل رئيساً له حتى رحيله في العام 1968.
كان الأمير مصطفى الشهابي من أكثر الرجال ثقافة، ومن أغزرهم اطلاعا على العلوم الحديثة والقديمة، ومن أكثرهم خبرة في شؤون الحكم والدولة. وهو مطبوع على حب الأدب بشتى ألوانه.. قرأ كتب الأدب العربي القديم، قراءة درس وفهم، وتابع مسيرة الأدب الحديث منذ أوائل هذا القرن. واطلع على آثار كبار الأدباء الفرنسيين، وتثقف بما حوته من أفكار وآراء مختلفة الأشكال والاتجاهات. ومن هنا استطاع أن يجمع بين الثقافتين العربية والغربية. وحين بدأ يكتب، ظهر إنشاؤه عالي الأسلوب، واعتبر من كتاب العصر المرموقين. غير أن تعلقه بالعلم خاصة، جعله في عداد العلماء، ولم يصنف بين الأدباء. على أن شاعر القطرين خليل مطران أصر على تسميته ب “العالم الأديب”.
إلى جانب هذه المناصب والأعمال الإدارية والرسمية الشاقة، التي شغلها الأمير الشهابي، استطاع أن يدرس ويحقق ويؤلف عددا من الكتب والمعاجم في علوم الزراعة تعتبر دون ريب، أهم مرجع لأرباب الزراعة. كذلك يعتبر معجمه الزراعي أهم مرجع، يرجع إلى ألفاظه الأساتذة والمدرسون. وأهم كتبه التي تركها هي:
1 – كتاب الزراعة العملية الحديثة. ويقع في 506 صفحات.
2 – الأشجار والأنجم المثمرة – ويقع في 450 صفحة.
3 – كتاب البقول – طبع بدمشق في العام 1927
4 – كتاب الدواجن 232 صفحة. ويبحث في تربية الخيل والبقر والضأن وغيرها.
5 – الدفاتر الزراعية – طبع بدمشق عام 1923
6 – معجم الألفاظ الزراعية – وهو معجم فرنسي – عربي لألفاظ العلوم الزراعية الحديثة، ويقع في 700 صفحة.
7 – المصطلحات العلمية في اللغة العربية في القديم والحديث – 259 صفحات.
8 – كتاب الاستعمار – يبحث تاريخ الاستعمار في الأرض (جزآن).
9 – القومية العربية وتاريخها – 360 صفحة.
10 – معجم المصطلحات الحراجية – عربي – فرنسي – إنكليزي
11 – أخطاء شائعة في ألفاظ العلوم الزراعية والنباتية.
12 – الشذرات – وهو مختارات من محاضراته 1966.
وهناك كتب أخرى شارك بوضعها أو نظر فيها.
للأمير الشهابي إلى جانب أعماله العلمية، ومحاضراته، ونشاطاته المختلفة، بعض الشعر، ولكنه قليل. وهو لم يعرف كشاعر، لأنه لم يول الشعر شيئاً من اهتمامه. غير أنه قال بعض الشعر في مناسبات قليلة، ونشر بعضه أيضاً. نشر قصيدتين في مجلة “الهلال”، الأولى بعنوان “حنين”، والثانية بعنوان “وداع القاهرة”. كذلك نشر في مجلة المجمع العلمي العربي محاضرة بعنوان “رحلة إلى دير الزور والجزيرة “ختمها بأبيات رقيقة في وداع تلك الربوع. وله كذلك مجموعة من الرباعيات، لم ينشر منها شيئاً، وهي تتناول أمورا فلسفية واجتماعية وسياسية.
وقارن بين حياة جاهل غرِ ينعم بالمال والغنى، وعالم فطن يكاد يمزقه الجوع فقال:
غر ينغم في الثراء وعالم فطن، يجالد في سبيل القوت
أشرعة الله المهيمن هذه أم هذه مشروعة الطاغوت!
ومن المساجلات بينه وبين بعض الشعراء، أن شاعر العرب بدوي الجبل دعي ذات يوم لإلقاء قصيدة في حفل تأبين الزعيم الخالد إبراهيم هنانو التي أقيمت في حلب. فسافر بدوي الجبل إلى حلب، ولكنه نسي أن يصحب قصيدته معه. فهتف إلى صديقه الشهابي، وكان محافظا لجبل العلويين، راجيا أن يسعفه بالقصيدة، فلبى الطلب، وأرسلها إليه، وكتب على حاشيتها بيتين من وزن القصيدة وقافيتها وهما:
أيا شاعر العرب الذي سار شعره يدوي فلا يثنيه بر ولا بحر
تذكر بثغر اللاذقية صاحبا إذا دب فيه اليأس انعشه الذكر
فأجابه بدوي الجبل بأبيات رائعة مطلعها:
أمير الندى والأريحية والعلى أحب من النعمى شمائلك الغر
بيانك لا عطر الجنان وسحرها وطبعك لا الشهد المصفى ولا الخمر
وذات يوم زار الأمير مصطفى المجلس النيابي. فلما رآه “بدوي الجبل”، وكان واحدا من النواب، نظم البيتين التاليين مداعبا، وبعث بهما إليه مع أحد السعاة:
ما قول مولانا الأمير بمجلس جمع الغباء طريفه وتليده
وبسادة لولا السنون وحكمها كانوا بقانون الرقيق عبيده
فأجابه الأمير مصطفى على الفور بقوله:
الله يعلم أن شاعر شامنا يبدي من الرأي الحكيم مديده
هذي “النوائب” لو تركن وشأنها هدمت قديم بنائنا وجديده
عاش الأمير هاجس الحفاظ على اللغة العربية وتطويرها، وظل هاجِسَا اللغةِ العربية والوطن العربي يَشغلانه حتى وافاه الأجل متأثِّرًا بداء السكري في 14 أيار عام 1968 ودفن في مقبرة جبل قاسيون بدمشق، وكان قد أوصى أن يُكتَب على قبره:
أمُّ اللغات قضيتُ العمرَ أَخدُمُها
فهي الشفيعةُ في غُفرانِ زلاَّتِي
أخبارنا: بريطانيا قدّمت 50 مليون استرليني للاجئين السوريين
الملف: الإسلام السياسي.. بين حتمية الصعود.. والسقوط
ملف خاص: الثورة السورية: نقد ذاتي أم جلد للذات؟!
رأي: الثورة السورية بين الشّباب.. والشّيّاب
كلمة في الثورة: خــــذلان الثـــــورة
دندنات اندساسية: من قتل يوسف الجادر (أبو الفرات)
نبض الروح: معركة الأمعاء الخاوية.. من دمشق إلى كاليفورنيا.. إضراب النساء عن الطعام في سجن عدرا
حقوق وحريات: الحرية والمصداقية الإعلامية
رصيف سوريتنا: هنا دمشق
المصدر: سوريتنا | العدد الخامس والتسعون | 14 تموز 2013