سلايد
مذكرات “أحمد عزت باشا العابد” تصدر في اسطنبول قريباً
عمرو الملاّح – التاريخ السّوري المعاصر
أُعلن في اسطنبول مؤخراً عن قرب موعد صدور مذكرات رجل الدولة العثماني العربي ذي الأصول الدمشقية الوزير أحمد عزت باشا العابد (1852-1924)، الذي كان واحداً من أقرب المقربين للسلطان عبدالحميد الثاني.
وتقع مذكرات العابد في خمسة مجلدات، وتتضمن تفاصيل تنشر للمرة الأولى، وتكشف عن أحداث وقعت في عهد السلطان عبدالحميد الثاني وما زال يكتنفها الغموض إلى يومنا هذا.
وكان صاحب المذكرات الوزير أحمد عزت باشا العابد المعروف في الحوليات العثمانية باسم “عرب عزت پاشا” قد فر من اسطنبول بأمر من السلطان العثماني عبدالحميد الثاني بعد فشل المحاولة الانقلابية في نيسان من العام 1909 المعروفة باسم “حادثة 31 مارت 1325″، ميمماً شطر أوروبا فمصر.
وقد سُمح للعابد قبل وفاته بمصر في العام 1924 أن يزور اسطنبول لآخرة مرة في صيف العام 1923، بموجب تصريح خاص أصدرته حكومة أنقرة؛ وذلك إثر زوال الدولة العثمانية وقيام الجمهورية التركية بقيادة مصطفى كمال.
قصة المذكرات:
كان أحمد عزت باشا العابد قد فرغ في العام 1918 من كتابة مذكراته التي عكف على وضعها في منفاه، ويذكر فيها كل شاردة وواردة تتعلق بعهد السلطان عبدالحميد الثاني، ونهجه في الحكم، ومنجزاته وإخفاقاته.
وقد أودع العابد مذكراته هذه التي تقع في خمسة دفاتر ضخمة لدى كريمته السيدة لمعان خانم العابد، مشترطاً ألا تُنشر إلا بعد مرور مائة عام عليها. فما كان من كريمته السيدة لمعان خانم إلا أن بادرت إلى حفظها في خزانة حديدية خاصة في أحد المصارف السويسرية من دون أن تذكر لأحد شيئاً عن المكان الذي أودعتها فيه حتى وفاتها في مطالع الثمانينيات من القرن المنصرم.
وظل أفراد العائلة بعد وفاتها يتناقلون التكهنات بشأن مصير تلك المذكرات المفقودة طوال خمسة وثلاثين عاماً إلى أن أبلغ المصرف السويسري الأقرباء المقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية عن خزانة السيدة لمعان خانم العابد. وبعد جلب خبير أقفال لفتح الصندوق الذي فقد مفتاحه بعد رحيل صاحبته، أتى حفيد شقيقتها السيدة سنية خانم العابد رجل الأعمال سميح ممتاز حفيد المؤرخ التركي الكبير أحمد سميح ممتاز المتزوج من السيدة سنية خانم كريمة أحمد عزت باشا، واحتفظ بالدفاتر الخمس المتضمنة مذكرات جده.
وقد دفع سميح ممتاز سبط الوزير أحمد عزت باشا العابد بمذكرات جده إلى المؤرخ التركي المعروف إبراهيم كُريلي الخبير بالأرشيف العثماني؛ فعمل على تحقيقها وسينشرها بالعثمانية والتركية معاً ضمن سلسلة المنشورات الثقافية التي يصدرها مصرف العمل في شهر آب/ أغسطس القادم.
أحمد عزت باشا العابد في سطور:
كان أحمد عزت العابد المولود بدمشق في العام 1852 قد انطلق من حي الميدان الشعبي الواقع خارج أسوار المدينة ليحقق من النجاح ويبلغ من المكانة في الحياة السياسية في السلطنة العثمانية ما لم يبلغه أي دمشقي من قبل.
بدأ العابد دراسته في المدارس (المكاتب) الإسلامية في الميدان، ثم تابع تحصيله العلمي في المدرسة البطريركية ببيروت، وأجاد العديد من اللغات الأجنبية. وبدأ عمله الوظيفي معيناً كاتباً في مجلس إدارة ولاية سورية، وما لبث أن تولى رئاسة محكمة التجارة المختلطة في دمشق. كما عمل في السبعينيات من القرن التاسع عشر رئيساً لتحرير صحيفة “سورية”، وهي الجريدة الرسمية للولاية. ثم ولي تفتيش العدلية في دمشق فسالونيك، ونقل منها إلى رئاسة المحاكم التجارية المختلطة في اسطنبول.
وفي آخر الأمر، أصبح العابد واحداً من أقرب المقربين للسلطان العثماني عبد الحميد الثاني؛ فعينه عضواً في مجلس شورى الدولة، ثم جعله قرينه وثاني أمناء سره. كما رقاه في مراتب الهرمية العثمانية؛ فأنعم عليه برتبة “الوزارة” التي هي أعلى رتبة تشريفية في الدولة العثمانية، ويُلقب صاحبها بالـ”باشا”، ويُنعت بـ”حضرة صاحب الدولة” دوماً. بالإضافة إلى منحه أعلى الأوسمة والميداليات في الدولة العثمانية. ووصفه السلطان في مذكراته، قائلاً: “الصديق الحميم الذي وجدته في النهاية”.
كما أنجز العابد ترجمة العديد من الأعمال من التركية العثمانية إلى العربية منها كتاب “حقوق الدول” لحسن فهمي باشا، والمجلد الأول من تاريخ جودت، وكتاب “الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية”.
لازم العابد السلطان عبد الحميد مدة قاربت ثلاثة عشر عاماً نهض فيها بأعباء العديد من مشروعات البنى التحتية على صعيد الدولة العثمانية عموماً ومدينته دمشق خصوصاً.
والواقع إنه كان لأحمد عزت باشا العابد الفضل في تحقيق عدد من المشروعات التنموية بدمشق، وأهمها مد الخط الحديدي الحجازي، الذي يرى البعض أنه كان ممن أقنعوا السلطان عبد الحميد بأهميته، وما ينطوي عليه من أبعاد اقتصادية وسياسية.
وقد تتابع العمل في هذا المشروع منذ انطلاقته الفعلية في العام 1900 حتى وصول أول قطار إلى المدينة المنورة في صيف العام 1908، وناهزت تكلفة تنفيذه خمسة ملايين ليرة ذهبية عثمانية جمعت بشكل تبرعات من مختلف الحواضر الإسلامية، وكان العابد ممن أنفقوا بسخاء على إنشائه من ماله الخاص.
وتشتمل قائمة مشروعات البنى التحتية الأخرى التي دعمها أحمد عزة باشا العابد على مد خط حافلات الترامواي بدمشق، وإنارتها بالكهرباء. كما أنه ابتاع دار الحكومة القديمة في ساحة المرجة وهدمها وأقام مكانها بناء ضخماً على الطراز الأوروبي ليكون فندقاً حديثاً، عرف باسم “سرايا عزت باشا العابد” في طوره التأسيسي الأول، وما زال هذا البناء قائماً، ويعد رائعة من روائع العمارة ويحمل اسمه إلى اليوم.