You dont have javascript enabled! Please enable it!
وثائق سوريا

كتاب فخري البارودي إلى المفوض السامي الفرنسي

 

 سيدي الجنرال ويغاند[1] المحترم:
    أكتب إليك هذا الكتاب من منفاي الاختياري، وأنا أمين أنه سيقع منك موقع القبول، لأنك رجل عالم عاقل. فأرجوك أن تدقق في كتابي وتتفهمه وإن كان طويلاً.
يا سيدي:
    إني غادرت دمشق فراراً من تهمة اتهموني بها. وإني أقسم لك بشرفي ووطني أن القضية التي اتهمت بها مفتعلة، وليس لها أصل بتاتاً. ولا تظن من كتابي هذا أني أريد الرجوع إلى بلدي وأني أتيت به لتبرئة نفسي أمامك، كلا! فأنا يا سيدي الجنرال لا أعود إلى بلدي مادام الحر مضطهداً فيها، والسلطة تكيد للوطنيين الصادقين.
    إني الآن في أمان الله. ولكن هناك رجلين من خدمي، أحدهما يدعى حسن بن بكري خيتي، والثاني اسمه محمود، وهما من أهالي دوما، للأول عائلة مركبة من ثماني أشخاص، والثاني من أربعة أشخاص، طرحا بالسجن ظلماً وعدواناً وحكم على كل منهما عامين، بدعوى وجود سلاح حربي في كاراج داري في قرية الجرباء التابعة لقضاء دوما.
    هذه القضية يا سيدي لم يكن المقصود منها الحكم على خدمي، بل كنت أنا المقصود بالذات. وإذا أجريت تحقيقاً دقيقاً نزيهاً يمكنك معرفة الحقيقة بتمامها. ولهذا أرجوك يا سيدي أن تحضر المخبر والخادمة الطباخة التي رأت بعينها الجنود الذين وضعوا السلاح، فتسمع شهادة الطباخة، وتجبر المخبر ليصدقك القول، عندها يمكنك أن تعرف أن القضية مفتعلة من أساسها. وبعد ذلك أطلب إجراء العدل، وإلغاء الحكم الصادر بحق هؤلاء المساكين، عن الجريمة الملصقة بهما لأنهما بريئان.
    وأزيد على ذلك أنني لست بالغر لأضع سلاحاً حربياً في داري، وأنا من خصوم الوضع الحاضر. وأعرف قوة فرنسة والتحشيدات التي كانت تقوم فيها في سورية، في وقت تجهمت فيه الحوادث، واستلمت فيه السلطة جميع الصلاحيات وسلبت الأمة جميع ما كان بيدها من الحقوق، في حين أن وضع هذه البنادق العديمة الفائدة ليس فيه أقل نفع لي أو للبلاد. وكانت الحرب على الأبواب ونحن في أَعف حالاتنا وأنتم في أقوى قوتكم.
    فإذا كنت أعرف هذا، وأعرف أن وجود مثل هذا السلاح في داري سيعرضني للشقاء والدمار، فلابد أنكم متأكدون من أني لا أقدم على مثل هذا العمل الخطير. وأن القضية مفتعلة من أصلها، وقد ذهب ضحيتها هذان المسكينان.
    فإذا عفوت فلك الأجر، وإذا كنت لا تنال أجرك عاجلاً فلابد من أن تلقاه بآخرتك أجلاً ما دمت ممن يؤمنون بالله.
يا سيدي الجنرال!
أنا لا يهمني تصريحات رجال سورية من وطنيين أو رجعيين، في الجرائد أو الإذاعات، وتأييدهم للديمقراطيات وحكوماتها مادامت أعمال السلطة في سورية كما نرى، والسجون ملأى بالأحرار المظلومين وهذه الأحكام الجائرة التي لم نسمع بمثلها.
    هذا غاندي، أقام الهند فيما مضى وأقعدها على الحكومة الإنكليزية. فكانت نتيجة محاكمته أنه حكم بست سنوات، قضى بعضها في السجن، وأعفي من الباقي.
    أما الحكم على شبابنا ورجالنا بخمسة عشر عاماً، ومثلها نفياً بعد الحبس من غير أن يتمكن المتهم من الدفاع عن نفسه بتوكيل محام في عصر تتبجح به الدول الديمقراطية بالعدل والحرية، فتأييد رجالنا لها هو من قبيل النفاق بل هو النفاق نفسه.
    ولذلك فإني أؤكد لكم أن هذه التصريحات هي صادرة عن الألسنة، لا عن القلوب، إما عن رهبة. وهذا ليس له من الأهمية شئ.
    إن الحكومات الديمقراطية لم تصل إلى قلوب العرب، وعلى الأخص السوريين منهم فتكسبها. إن حكوماتكم بعدما عاهدتنا نكلت، وبعدها أمضت المعاهدة وملاحقها عادت واسترجعت ما أعطت. لذلك فكل تصريح بتأييدكم هو كذب ونفاق والشعب السوري الذي هو في مقدمة الشعوب العربية لا يركن إليكم، بعدما حارب في صفوفكم في الحرب العامة، ورأى نتيجة مناصرتكم والاعتماد عليكم.
    إن زهالي سورية في الحرب العامة كفَّروا أحد أركان النهضة العربية بل أبوها، المرحوم جلالة الملك حسين بن علي، بالفتاوى التي أفتوها. وجردوه من الوطنية- سواء بالخطابة أو بالجرائد على اختلاف أنواعها- خوفاً من قوة جمال باشا وبطشه. ولكن عندما زالت قوة الأتراك من فوق رؤوس العرب ظهروا على حقيقتهم، ورأيتم بعدها موقفهم من الأتراك بجانب الحسين بن علي. مع أن الأتراك أبناء دينهم قضوا معهم عصوراً في حكومة واحدة.
    أنا لا أقول إن نتيجة تلك الحرب كانت لصالحنا، رغم انتصارنا مع الحلفاء، ولكنني أقول: إن الروح التي سرت في الأمة العربية لا يمكن أن تموت بعد اليوم. والقوة مهما فعلت في أمة ضعيفة كأمتنا، فلابد من يوم تزول أو تضعف فيه هذه القوة، عندها يكون رد الفعل عظيماً بل أعظم من القوة التي كانت ترهق الأمة وتسلبها حقها.
    فإذا أردتم أن تكون الأمة العربية في جانبكم حقيقة، وتصريحات رجالها صادرة عن قلوبهم، فما عليكم إلا أن تعطوا سورية مطالبها وأنتم في أوج قوتكم وهي في شدة ضعفها، فتجدوا من هذا الشعب الذكي أنصاراً يعاضدهم جميع العر. يمكنهم أن يساعدوكم في المستقبل والحال،مساعدات لا يستهان بها إذا عرفتم كيف تعلمونهم وتدربونهم وتقودونهم.
    ولا يغرنكم تفسخ الأحزاب وتضارب رجال سورية، والدور الذي جرى في السنة الماضية. فهذا لعبة سلكت على الشعب،وتأثيرها مؤقت. وإذا تحطم بعض زعماء اليوم ففي الشبيبة الآتية خير إن شاء الله. ومادامت النساء تحمل وتضع، فالبلاد لا تترك حقوقها. وأحسن فرصة لاستجلاب قلوب السوريين هو إعادة المعاهدة بلا ملاحق في هذا اليوم وأنتم في قوتكم. وإذا فعلتم هذا فلا يوجد أحد في الناس يقول: إنكم أعطيتم ذلك مرغمين عن ضعف.
    هذا ما أردت أن أقوله، ذكرته لكم بكل حرية وإخلاص. وأرجو الله أن يلهمكم إلى ما فيه خير العرب والإنسانية ويلقي الرحمة في قلبكم للعفو عن هذين المسجونين خاصة، وبقية المساجين من أحرار سورية والعرب عامة. وتفضلوا بقبول احترامات المخلص لوطنه.

شونة عمَّان في التاسع عشر من كانون الثاني 1940 
                                                                       فخري البارودي
 المصدر: أوراق ومذكرات فخري البارودي، 1887-1966، إعداد دعد الحكيم، منشورات وزارة الثقافة، دمشق 1999م.

[1] ذكر في المصدر اسم المفوض السامي ويغاند، وهناك احتمال ان تكون الرسالة الى ضابط فرنسي كبير وليس الى المندوب السامي، لأن المندوب السامي المفوض في تلك الفترة لم يكن ويغاند بل كان غابرييل بوه.


اقرأ:

فخري البارودي ويهود دمشق

كتاب فخري البارودي إلى المفوض السامي الفرنسي

عريضة فخري البارودي إلى الجنرال كاترو

فخري البارودي … من ظرفاء دمشق

كلمة فخري البارودي في مجلس النواب السوري حول تقسيم فلسطين 1947

ما هي قصة فخري البارودي والحارس الليلي “أبو تيسير”

وليد الحلبي: الصديق فخري البارودي صاحب -بلاد العرب أوطاني-

فخري البارودي ومشروع الفرنك

بيت فخري البارودي بدمشق يتحول إلى معهد للحفاظ على المدن التاريخية

فخري البارودي والميثاق الوطني

د. عزة علي آقبيق: فخري البارودي .. شخصية وطنية ثائرة.. ودعابة حاضرة

 


للإطلاع على تسلسل أحداث التاريخ السوري المعاصر  بحسب الأيام

انظر أيضاً :

أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات

سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى