عام
عمرو الملاح: (ثلجة الأربعين) في الذاكرة الحلبية
عمرو الملاح – التاريخ السوري المعاصر
كان المعمرون حتى سنوات قليلة خلت يؤرخون الوقائع التي شهدوها بـ (ثلجة حلب الكبرى) المعروفة أيضاً باسم (ثلجة الأربعين)، ومن ذلك قولهم: (ولد فلان بعد ثلجة حلب بثلاث سنوات).. و(سافر فلان بعد ثلجة حلب بعشرين سنة).. وما إلى ذلك.
ونوجز فيما يلي ما ذكره مؤرخ حلب الشيخ كامل الغزي في كتابه المرجعي “نهر الذهب في تاريخ حلب” عن ثلجة حلب الكبرى في سياق عرضه لحوادث سنة 1329هـ/ 1911م:
“ففي تلك السنة بدأت الثلوج تتساقط بغزارة وانخفضت درجة الحرارة في بعض الأيام إلى (10) درجات تحت الصفر ووصلت أحياناً إلى (27) درجة تحت الصفر، ونجم عن هذا البرد والثلج العظيمين وقوف حركة القطار مدة ثلاثين يوماً بين حلب ودمشق وبيروت، ثم سار من حلب إلى حمص بعد عناء شديد وبقيت الطريق مسدودة من حمص إلى بيروت ودمشق إلى أوائل شباط . وفي تلك السنة جراء انقطاع الطرقات غلت الأسعار غلاء كبيراً، خاصة الفحم، فقد ارتفع سعر الرطل من قرشين إلى اثني عشر قرشاً ، وثمن رطل الحطب من قرش إلى ثلاثة قروش ، فقاسى الفقراء الشدائد والأهوال من قلة القوت والوقود ، وعز وجود الحطب على الغني والفقير ، وصار من أحب الهدايا بين المتحابين ، وأفضل الصدقات عند المتصدقين، وكان الناس يستعملون بكثرة مواقد الكاز بالطبخ ويحتالون باستعمالها للتدفئة بأن ترتكز عليها صفحة الحديد المعروفة بالصاج ويضعوا فيها رملاً .
وفي ذلك الجو القارص هلك مئات الكلاب في حلب وغيرها ، وهامت الوحوش والضواري على وجوهها في ضواحي حلب ، وهلك وصيد ما لا يحصى من الغزلان والذئاب والضباع والنمور والثعالب وأنواع الطيور والدواجن وغيرها ، وهلك حوالي نصف مليون رأس غنم فارتفعت أسعار اللحوم وتوقفت حركة التجارة وأقفلت كثير من الحوانيت والخانات وتعطل كثير من الأفران لقلة الوقود وفقدانه ، وتهدم مقدار عظيم من أسقف الأسواق أو هدمتها الحكومة خوفاً من خطرها ، وهكذا كان برد تلك السنة مما لم يسبق له نظير في حلب منذ ستمائة عام وتحطم كثير من الحجارة المرصوفة أسفل الأبواب ( البراطيش)، وتحطمت الأواني الزجاجية التي تحفظ فيها السوائل ، وصقعت الخضار والبقول الشتوية في البساتين، وعطب شجر البرتقال والتين والجوز ومات كثير من المسافرين في البوادي ، وكان الناس يستيقظون صباحاً فيجدون أبواب الغرف وقد سدت بالثلج”.
ملحوظة: المرفق صور نادرة تنشر لأول مرة تظهر “ثلجة حلب الكبرى” العام 1911.