دراسات وترجماتمقالات
عمرو الملاّح: الجزيرة السورية في العهد العربي الفيصلي الأول 1.. (الفلت) والصدام العربي-البريطاني 1918-1919
عمرو الملاّح: التاريخ السوري المعاصر
دير الزور بعد جلاء الترك (العثمانيين) بعد رحيل الترك (العثمانيين) عن دير الزور في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 1918 متممين بذلك انسحابهم الكامل من سورية، وجد أهالي المدينة تلك أنفسهم بدون سلطة مركزية تتبع لها متصرفيتهم، التي كانت في الأصل قائمقامية (منطقة) ملحقة بولاية حلب، ثم ما لبثت أن تحولت إلى سنجق أو لواء (متصرفية) مستقل مرتبط مباشرة بالعاصمة استانبول في عام 1881 ومركزه مدينة دير الزور، وستطلق عليها تسمية “لواء دير الزور” (زور سنجاغي)، ويضم معظم منطقة الجزيرة السورية وبادية الشام الشمالية، ويمتد من جنوب ماردين إلى تدمر، وتحده من الشرق ولاية الموصل ومن الغرب ولاية حلب ومن الشمال ولاية ديار بكر ومن الجنوب الغربي ولاية سورية (1) . فتسلحوا بما وصلت إليه أيديهم من بنادق خلفها الجنود الأتراك المنسحبون وراءهم، للحفاظ على الأمن تجاه بعضهم البعض، وتجاه العشائر المحيطة بهم التي كان ديدنها ممارسة أعمال الغزو والسلب والنهب سواء من بعضها البعض، أو بإغارتها على المدن والبلدات ونهبها (2) .
وفي غضون ذلك وريثما يتفقون على السلطة التي يريدون الالتحاق بها، كان من الضروري إقامة حكومة محلية تضبط أمور الأمن وتسير شؤون المدينة مؤقتاً. وبعد التشاور اتفقوا فيما بينهم على تشكيل مجلس محلي، ليكون بمثابة حكومة مؤقتة تصرف الأعمال، وعلى أن يتولى رئاسته بالتناوب كل يوم أحد رؤساء العصبيات العائلية- العشائرية البلدية الثلاث التي تتكون منها المدينة تبعاً لطبيعتها العشائرية أو الأحياء الثلاثة التي تتألف منها المدينة القديمة (الدير العتيق)، ألا وهي: حي الشرقيين، وحي الوسطيين، وحي الخرشان (3) .
وربما كانت هذه هي المرة الأولى التي يتمكن فيها أعيان المدينة المنقسمون على أنفسهم بشدة بين العصبيات العائلية- العشائرية البلدية الثلاث بشأن الهيمنة على مواقع السلطة والنفوذ من التوحد فيما بينهم (4) . وكان السبب الكامن وراء توحدهم هو حماية مدينتهم من أي خطر قد يتهددها. ولقد ضم المجلس في عضويته واحداً وعشرين عضواً يمثلون العصبيات العشائرية أو الأحياء الثلاثة تلك، أي بمعدل سبعة أعضاء عن كل عصبية أو حي. واستمرت الحكومة المؤقتة هذه، التي أطلق عليها الأهالي اسم (حكومة الرؤساء الثلاث) أو (الفلت) في إشارة إلى الفوضى التي عمت منطقة وادي الفرات السوري في تلك الفترة وافتقاد أية سلطة مركزية تتبعها، حتى الأول من ديسمبر/ كانون الأول 1918. وأما نظامها فكان أشبه ما يكون بالعشائري. وإبان حكم الرؤساء الثلاثة كانت مدينة دير الزور معزولة عن القرى وبحالة استنفار تحسباً للطوارئ (5) .