مقالات
سامي الخيمي: الجاسوس كوهين والسفير الوطني عمر أبو ريشة
نشر موقع ‘وشوشات شامي عتيق’ مؤخراً صورة جميلة للشاعر عمر أبو ريشة يقابل كسفير لسورية الرئيس الأميركي جون كينيدي. ورغم أن الشاعر هو زوج خالتي وأنا متحيز له كإنسان وشاعر، إلا أني سأروي قصة لا يعرفها سوى القليلون.
كان عمر أبو ريشة سفيراً في واشنطن بين عامي ٦١ و٦٣ أثناء الانفصال. وكان شديد الاعتماد على ابراز الوجه الحضاري لسورية واكتسب عدداً كبيراً من الأصدقاء في الوسط الدبلوماسي والعام والخاص.
طلب شخص لا يعرفه مقابلته باصرار وفي المقابلة تبين أنه ذي علاقة قوية بعدد من أعضاء الكونغرس وموظفين كبار في آل CIA. قال له: ان عواطفي نازية وأنا معاد جداً لاسرائيل. ولدي معلومات ما كنت جئت بها إليك لولا علمي بسمعتك ووطنيتك وصعوبة اختراقك ! ‘تخطط اسرائيل للهجوم المباغت على سورية واحتلال الجولان وسيبدأ الهجوم يوم كذا بدءاً بموقع اسمه ‘تل النيرب. لا تخبر أحداً لا تثق به فأنتم مخترقون’.
شعر السفير بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، فاستقل أول طائرة متاحة ليطلب في دمشق مقابلة الرئيس ناظم القدسي. أعلم السفير الرئيس ورجاه أن يحصر الخبر في أضيق حلقة ممكنة لأن صاحب الخبر يعتقد أننا مخترقين. غني عن الذكر أن المخابرات السورية في ذلك الوقت لم يكن لديها أية فكرة عن الاستعدادات الاسرائيلية.
في ١٦ أدار (مارس) ١٩٦٢ وفي اليوم المحدد، بدأ الهجوم وفوجئ الاسرائيلي بالتصدي البطولي للجيش السوري الذي الحق بهم أفدح الخسائر واضطرهم للانسحاب ساحبين عتادهم المعطوب وجثث قتلاهم عدا دبابتين نقلتا الى المتحف الحربي في دمشق. فشل الهجوم برمته واحتفلت سورية بالنصر، وأدركت اسرائيل أنّ سورية لا تزال العدو الحقيقي رغم انفصالها عن مصر. بعد فترة الانفصال، انتقل أبو ريشة كسفير الى موقعه الأساسي في الهند. ولا يزال أبناء الخارجية السورية يعتبروه من رعيل السفراء العظام الذين مرّوا على سورية.
كامل أمين ثابت ‘كوهين’، جاسوس إسرائيلي دخل الى سورية كمغترب كبير عائد الى الوطن. استخدم الرجل خلال ١٩٦٣ اسمه وماله والنساء اللواتي أحاط نفسه بهن. للتغلغل في أروقة الحكم وصفوف الحزب الحاكم. قبض عليه عام ١٩٦٥ وشُنق، كما حُكم على المجموعة المحيطة به والتي لم تكن تعلم بنشاطه التجسسي بأحكام مختلفة. إكتسب كوهين شهرة كبيرة كأهم جاسوس قبض عليه في أرض عربية. بعد سنوات، كنت أعاين في بيت أبو ريشة صندوقا كبيراً يحتوي على مقالات وقصاصات صحف تتحدث عن الشاعر الكبير.
واسترعى انتباهي مقال اخباري في صحيفة معروفة ( النهار أو الحياة أو الأنوار)، يتحدث عن مناقشات حزب البعث الحاكم يومها تحضيرا للمؤتمر الذي انعقد في شباط ١٩٦٤ في دمشق.
ولما كان عمر أبو ريشة معروفاً في لبنان، ذكر المقال أن عضواً في الحزب اسمه كامل أمين ثابت، وقف ينتقد الإبقاء على سفراء رجعيين يمثلون البلد من أمثال عمر أبو ريشة وأن من الضروري تسريحه فوراً. كان كوهين ينتقم من عمر أبو ريشة لدوره في معركة تل النيرب المجيدة
على أولادك يا عمر بك أن يبحثوا بين أوراقك أو في أرشيف الصحف عن هذه الوثيقة النادرة وأن يحيطوها بإطار جميل ويعلقوها على جدران بيوتهم
‘ جاسوس إسرائيلي كبير يطالب بتسريح عمر أبو ريشة ‘ من مثلك أيها الكبير يستحق مثل هذه الشهادة في الوطنية.
بوركت ذكراك.
السفير سامي الخيمي- موقع سوريتي