وثائق سوريا

كتاب فخري البارودي إلى ي مارتيل المفوض السامي الفرنسي عام 1935

كتاب فخري البارودي إلى الكونت مارتيل

بعث فخري البارودي إلى الكونت دي مارتيل المفوض السامي الأفرنسي قبل سفره إلى باريس بالكتاب التالي باللغة الفرنسية.

نص الكتاب:

يا صاحب الفخامة

إن الحالة الشاذة القائمة في سوريا لا تناقص نص المادة (22) من ميثاق عصبة الأمم فقط، ولكنها تناقض المبادئ التي لم يدخل الخلفاء غمار الحرب العامة إلا في سبيل الدفاع عنها.

ومع أن سوريا اشتركت في المعاراك إلى جانب الحلفاء ابتغاء الظفر بحياة حرة مستقلة فمن المؤسف جداً أن يعامل الشعب السوري معاملة عدو لا صديق ولا حليف!

يا صاحب الفخامة

إن الهوة التي يعمل بعض السوريين بالتآمر مع نفر من الموظفين الأفرنسيين على توسيقها ليلقوا فيها بلادنا تستوجب منكم تدخلاً عاجلاً قبل أن يفوت الوقت وتضييع مصالح الأمتين هؤلاء الأشخاص لو تخلوا عن مصالحهم الشخصية لعقد الاتفاق المنشود ولما وصلت البلاد إلى الحالة المحزنة التي هي فيها، ولما رميت فرنسا بتهمة الأخفاق بمهمة الأرشاد في الشرق الأدنى.

إن اتباع هذه السياسة العقيمة ووقف الدستور وإبطال الحياة النيابية لهو تمهيد لخلق جو بعيد عن المراقبة، وإلقاء مقاليد السلطة إلى شخص أخفق في الانتخابات العامة إخفاقاً فظيعاً وسبب اهراق الدماء هذا كله ليس من شأنه أن يضمن مصالح فرنسا ولكنه على العكس يسيئ إلى سمعتها إساءة بالغة.

وإذا ألقينا نظرة على العهد الذي كان فيه الرجل مستلماً أعنة الحكم نجد ألوان الفظائع وإساءة استعمال الوظيفة والمساومة على الوظائف العامة الخ..

مما جر البلاد إلى الإفلاس المالي والاقتصادي والإداري والعدلي الذي تئن البلاد منه اليوم. وهو يعود الآن إلى الحكم ليمثل نفس الدور الذي مثله من قبل وقد سافر إلى فرنسا على نفقة الأمة الفقيرة يهيئ كارثة جديدة للبلاد، ويعكر جو الصلات الفرنسية السورية ويزيد في خطورة الخلاف بأقاويله المكذوبة (المعروفة التي لم تنجح أبداً) وذلك ليخدع ولاة الأمر في فرنسا.

ألم يعط للمفوض السامي وعداً 1928 بأن يختار للمجلس التأسيسي رجالاً ليني العريكة يسيرهم كما يريد وأنه مستعد أن يحمل المجلس التأسيسي على قبول الدستور خلواً من مواده الست؟

ألم يتعهد بالقضاء على المعارضة وتمهيد السبيل لانتخاب جديد يوافق رغائب السلطة؟

ألم يتعهد بنجاحه ونجاح قائمته في انتخابات عام 1931.

ألم يؤكد بأن له نفوذاً واسعاً في البلاد يسهل له جل القضايا ويسكت من تحدثه نفسه بمعارضة السلطة في اللحظة التي تحاول فيها أن تطبق مشروع المعاهدة؟

إننا نتساءل إذا كان لم يخفق في كل تعهداته وإذا كان لم يخدع السلطة المنتدبة طويلاً ولم يخلق جواً عدائياً في الصلات الأفرنسية السورية، اسمحوا لنا يا صاحب الفخامة بأن نصرح لكم بأن الشعب السوري يرى في هذا الشخص الذي فرضتموه عليه موظفاً عاجزاً عن الكلام إلا بأسمه واسم الذين عينوه وأرسلوه ولقد بدأت البلاد تظهر سخطها بالمقاطعات والإضرابات التي تشتد يوماً بعد يوم.

يتضح من كل ما تقدم أن الحالة قد وصلت إلى درجة من الخطورة لم يعد يمكن السكوت عنها، وأصبح من واجب عصبة الأمم والأمة الفرنسية إذا كانتا تحرصان على سمعتهما وعلى المدافعة عن الثقافة الأفرنسية والنفوذ المعنوي في الشرق، أن تضعا حداً للمحاولات العقيمة الناتجة عن سياسة رديئة وإقصاء العناصر الهدامة المجردة من عواطف الإخلاص الوطني الذين يلا يحجمون عن أن يكونوا ألد أعداء فرنسا إذا اقتضت مصلحتهم ذلك، وطرح التقارير الكاذبة التي لفقتها فريق من عمال الانتداب النفعيين الذين لا يعيشون إلا من تجارة الدس والإيقاع.

ان البلاد أغلقت احتجاجاً على تعطيل الدستور وتعليق الحياة النيابية واستبقاء التدابير الشاذة التي تقود البلاد نحو الخراب، وحكومة غير مشروعة لا تعترف سوريا بها وتعدها طائفة من الموظفين فرضهم في البلاد المفوض السامي وليس لرئيسهم أي حق بأن يتكلم أو يعقد أي معاهدة باسم البلاد مع أية مؤسسة رسمية أو جمعية أو شركة لأن مثل هذا العقد لا تكون له أية قيمة.

إننا نؤكد مرة جديدة بأن القضية السورية لا يمكن أن تحل نهائياً إلا باتفاق الدولة المنتدبة مع الوطنيين السوريين الذين هم الممثلون الحقيقيون للرأي العام، والذين يأخذون بعين الاعتبار مصالح فرنسا الحقيقية في الشرق.

إن جميع الحريات وأخص حرية الصحافة هي عندنا اليوم أحرف مهملة ويؤسفنا جداً أن القائمين على السياسة الخارجية في فرنسا لم يهتموا ابدأ ببلادنا.

لقد طلبنا أكثر من مرة إرسال لجنة تحقيق إلى لبنان وسوريا ليتحقق من صحة شكاوينا المشروعة.

ونأمل أن تتحقق رغائبنا هذه المرة! إننا لنرجو يا صاحب الفخامة أن تتفضلوا بإرسال نسخة من هذا الاحتجاج إلى وزارة الخارجية الأفرنسية وإلى جميع الأمم وأن تتقبلوا اعتباراتنا الفائقة.

رئيس لجنة الدفاع عن الحياة البرلمانية

نائب دمشق

فخري البارودي

المراجع والهوامش:

(1). صحيفة الجامعة العربية – القدس، العدد 1637 الصادر يوم الاثنين 23 تموز عام 1935م.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى