شهادات ومذكرات
معن حيدر: افتتاح بانوراما حرب تشرين عام 1998م
معن حيدر- التاريخ السوري المعاصر
في عام 1998 تقرّر أنْ يفتتح الأسد الأب (بانوراما حرب تشرين التحريرية) في ذكرى تلك الحرب في 6 تشرين الأول، أي بعد مرور 25 عاما.
وهي عبارة عن متحف حربي قام بتصميمه وتنفيذه مهندسين من كوريا الشمالية، وهم من صمّموا ونفّذوا بانوراما مشابهة في مصر تم افتتاحها في نهاية السبعينيات.
وبالتوازي كانت الأخبار في تلك الأيّام تتحدّثُ عن تدهور في العلاقة بين سوريا وتركيا، وتصعيد عسكري تركيّ غير مسبوق ضد سوريا
بسبب قضية الزعيم الكردي “أوجلان” الذي احتضنته سوريا وفتحتْ له أرض لبنان كمعسكر تدريب لقواته المناوئة لتركيا.
بُلّغنا في الإذاعة والتلفزيون أنْ نتّخذ إجراءات نقل الافتتاح على الهواء، دون الإعلان عنه.
وكالعادة ركّبنا عربات النقل قبل يوم من الموعد، وكان سيناريو الاحتفال على النحو التالي:
يترجّل الرئيس عند البوابة الرئيسية، ثم يمشي عبر الفسحة الخارجية التي عُرِضتْ على جانبيها الأسلحة المدمّرة والمستولى عليها من الجيش الإسرائيلي، وصولا إلى بوّابة البناء الرئيسي
وعندها يقصّ الشريط الحريري، وفي البهو يسلّم على مستقبِليه من كبار ضباط الجيش وأبطال حرب تشرين
ثم يقوم بجولة ضمن المبنى ويصعد إلى البانوراما ليحضر فيلما عن حرب تشرين.
وينتهي الاحتفال ويغادر.
بعد أن أنهينا التركيب والتجريب غادرنا بحيث نعود في اليوم التالي في السادسة صباحا.
وكالعادة استلم الحرس الجمهوري المكان، وكذلك أسطح الأبنية في شرقي التجارة المقابِلة للبانورما على الطرف الآخر من أتوستراد العدوي.
في الليل بلغ التصعيد أوجه، ونقلتْ الأخبار أنّ تركيا نصبتْ الصواريخ ووجّهتها باتجاه دمشق.
في صباح اليوم التالي وصلنا إلى البانوراما، ووصل كبار مسؤولو القصر حيث شاهدناهم يعايرون الوقت الذي ستسغرقه الاحتفالية في ثلاث حالات:
1-السيناريو كاملا: المشي بين البوابة الرئيسية والبوابة الداخلية ثم قصّ الشريط والسلام على المستقبِلين في بهو البناء، والصعود إلى المبنى، وحضور الفيلم والمغادرة.
2-انتهاء الاحتفالية في البهو الداخلي للبناء بعد قصّ الشريط الحريري والسلام على المستقبِلين، دون الصعود إلى المبنى.
3-اتمام الاحتفالية كلها في الفسحة الخارجية، وتقتصر على السلام على المستقبِلين، دون قص الشريط الحريري، ثم المغادرة.
غادر مسؤولو القصر.
وأبْلِغنا بعد وقت قصير أنّ الاحتفال أُلغي.
بنفس اليوم زار سوريّا الرئيس المصري حسني مبارك، وتمّ نزع فتيل الأزمة/ الحرب.
وأُخرِج “أوجلان” من دمشق، ثمّ سُلِّم إلى تركيا بعملية استخباراتية معقّدة عن طريق نيروبي، اشتركتْ فيها أجهزة مخابرات عالمية.
وبدأتْ المفاوضات بين سوريا وتركيا، وُقّعتْ إثرها اتفاقية أضنة، ونُسي لواء اسكندرون، وضاغتْ مياه الحسكة.
وخفتُ الضجيج الإعلامي العدواني بين الطرفين، بل انتقل إلى تهليل.
ووصل (التهليل) إلى ذقن الدراما السورية، حيث مُنع عرض وإنتاج أي مسلسل يحوي مواقف معادية للاحتلال العثماني أو مسيئة له، وتمّ مونتاج وحذف كل اللقطات والمشاهد والمواقف التي تُظهر ذلك.
(وللتذكير، فقد جرى قبلها نفس التهليل ونفس الإجراءات عندما تحسّنتْ علاقتنا مع فرنسا عقب زيارة ميتران لدمشق).
فأُلغي كل ما يذكّر بالاحتلال الفرنسي.
وعندما وصل الوريث الهبيلة إلى الحكم دخلنا في شهر عسل مع تركيا (ومع فرنسا)
وبالطبع واكب الإعلام شهر العسل، وواكبته الدراما أيضا
وزاد مقصّ الرقابة حدّة ودقّة في حذف كل ما يسيء لتركيا وفرنسا.
وأصبح الاهتمام الإعلامي بذكرى 6 أيار باهتا.
وأذكر أنّه في مطلع الألفين ظهرتْ في إحدى الفعاليات خريطة لسورية محذوف منها الركن الشمالي الغربي الذي يمثّل لواء اسكندرون
ونشرتْ وسائل الإعلام خبر تلك الفعالية وفيها تلك الخريطة
وأعتقد أنّه كان تسريبا مقصودا من الأجهزة كعادتها، كنوع من التدرج في القبول
وللأمانة فقد انتقد كثير من الإعلاميين تلك الفعالية والخريطة.
واستمر شهر العسل في تصاعد، وتوارتْ الزيارات الرئاسية المتبادلة، ومعها زادت العطاءات والإعفاءات الضريبية لصالح تركيا
ولولا دخول إيران على الخط، لكان (ثيادته) باع تاريخ سوريا كلّه وليس فقط اللواء ومياه الخابور ودجلة والفرات و 6 أيار،



الزي الشعبي في مدينة حماة
بانوراما حرب تشرين