وثائق سوريا

كتاب رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي إلى حافظ الأسد عام 1975م

كتاب الدكتور أنطون أبو حيدر رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي  إلى حافظ الأسد في الحادي عشر من آذار عام 1975م


نص الكتاب:

سيادة الرئيس حافظ الأسد المحترم

رئيس الجمهورية العربية السورية

تحية وسلاما

ان بادرتكم لأعمق جذراً وأسمى مطلباً، مما لاحظته من  ردات الفعل عليها في جميع الأوساط دون استثناء، وحده من بين الذين يحق لهم التعليق ولم يفعل- سيادة الرئيس أنور السادات- هو في ظني قد أوصله شعوره بالمسؤولية إلى حد التقييم الصحيح لبادرتكم فلم يعلق عليها، فوراً ولعله تريث بالتعليق كما يفرض التريث على مساعديه إلى أن يحصل منكم على إيضاح للهدف الذي دفعكم إلى مثل هذا التصريح – الاقتراح.

ما يتخذه السادات حيال تصريحكم هذا يتوقف على ما يستشفه من مدى الجدية في الطلب ومن الابعاد التي تحدده في اللامحدود.

فإذا كان القصد فائشاً سطحياً سياسي السمات يرحب به جمهور من الساسة الظرفيين.

أما إذا كان القصد في المرمى البعيد يتسامى مع اتساع افاق النفسية الأصلية المتوافقة مع حقيقة وجودنا، فيكون للسادات وسواه من ساسة العرب مواقف لا تواكب المسيرة التاريخية وان سايرتها قولاً.

بكلام آخر: إذا كان تصريحكم- الاقتراح هو استجابة لحالة راهنة محدودة مهما كانت وأي كانت، فان القصد يكون قريب الحصول لأنه في مرماه آني سطحي. ويبقى حال التطبيق فائشاً وسطحياً.

أما اذا كان انطلاقاً من ذات الشعور الوجداني الذي جعلكم تصرحون في السابق بأن فلسطين هي جزء من الوطن السوري (من سورية) والفلسطينيين هم من الشعب السوري – سوريون، فإن قبول اقتراحكم يجب أن يتم على نفس السوية الوجدانية سواء من قبل سيادة ياسر عرفات أو سيادة أنور السادات.

نعني بذلك أن كل اتفاق يحصل أو قبول يعلن ليطبق يجب أن يكون واضح الأسس والمنطلقات والهدف الأخير.

نحن لا نشك بأن التصريح ليس إلا ظاهرة من ظاهر الوجدان اليقظ، ذلك لأننا نؤمن بالنفسية السورية العظيمة بلا حدود ونؤمن بأن يقظة الوجدان ليس لها إلا هذا السبيل لتحقيق الذات الحقيقة ذات الأمة المجتمع الواحد الإنسان الكامل.

أما الوسائل فيمكن أن تتغير وتتبدل وفق الظروف والأحداث والوقائع.

ان توحيد القيادات السياسية والعسكرية مع منظمة التحرير يكون أمراً عادياً اذا كان محدوداً بوقت أو بظرف أو يحدث.

وكون الأمر من هذا العيار العادي يحملكم مسؤولية سياسية وعسكرية لا نتوافق في مردودها مع خطورتها وضخامتها.

أما اذا كانت من النوع الأصيل المنوه به فوق – من ظاهر الوجدان القومي الصحيح- فإن كل مسؤولية مهما كان حجمها وخطورتها، بل وخطرها الظاهري، فإن مردوها في السياق يوازي كل ما نقدم من أجلها من تضحيات.

ثقتنا بأبناء أمتنا فرداً فرداً نابعة من ايماننا بعظمة النفس السورية، وكل التحديد الظرفي أو الزمني والقصور عن المدى الأسمى لآفاق الوجدان القومي اللامحدود، تكون من هادرات القوة في تجارب أو معالجات لا تخرجنا من الحلقات المغلقة التي لا يزال شعبنا  يدور فيها فيدوخ ويسبب الزوغان لشعوب عربية عدة تركزت أبصارها علينا في هذا الصراع الذي لم يسبق له مثيل بين الحق القومي وقدرات الاغتصاب.

اذا كان تصريحكم هو نداء وجداني نابع من صميم حقيقتنا الوجدانية فإن اقرب طرق التحقيق هي في إقناع قيادة التحرير الممثلة للفلسطينيين بهذه الاشعاعات الوجدانية.

ولسنا نعني ان عدم الاستيعاب يوجب التراجع عن التطبيق العملي للتوحيد في القيادتين العسكرية والسياسية. نعني أن لا تنكفئوا عن المسيرة المستهدفة وان تستمروا في التوعية في السياق دون هوادة.

وفي الوقت نفسه تقوم المؤسسات المولجة بالتثقيف والاعلام بالايقاظ والتوعية والتثقيف الفعلي المتصاعد في أوساط الفلسطينيين ومن هم في معدودية الجمهورية العربية السورية.

ان توحيد القيادة العسكرية والسياسية مع منظمة التحرير تضع – في نطاق الاتفاقات الحاصلة مع مصر وليبيا وفي حدود الجامعة العربية – تضع مسؤولية على هذه الجهات. ويمكن أن تتصدى هذه الالتزامات للاتفاق الجديد في بعض نواحيه وتفاصيله.

لهذا فإن التطبيق يستلزم اختراقاً لبعض هذه العوائق ويتطلب شجاعة المؤمن لكي لان تبقى كل اتفاقاتنا في عالمنا العربي مظاهر لتمزقنا المفروض علينا من قبل ارادات خارجة على ارادتنا ومعادية لحقيقة وجودنا.

نجمل فنقول:

أ- إذا كانت البادرة ظاهرة يقظة الوجدان فلا يجوز أن تقصر عن مداها الوجودي اللامحدود.

ب- أذا كانت لمواجهة ظرف أو حالة وقتية فالأفضل عدم عقد اتفاقيات تزيد في الركام المتعارض المتشابك المبلبل.

ولكن: ثقتنا بالوعي الصافي فيكم ويما تتمرسون به من صحة الإيمان وصدق العزيمة ويقظة الوجدان تجعلنا نتطلع إلى هذه البادرة كبارقة شعاع نفسي يدل على هدف لامتناه في تساميه. وان هذه البارقة المشعة ستزيد اشعاعاً حتى نصل بالشعب إلى طريق الحياة الجديدة العزيزة التي شقت لتحيا سورية.

ان ما نشرته الصحف عن “ترحيب” سيادة السادات ببادرتكم الشجاعة لم يكف للدلالة على كون الترحيب ينبع عن القبول الفعلي – العلمي بوحدة الحياة السورية، في أساس نظام الوجود الإنساني. جاء الترحيب في إطار “المراحل” والموجبات السياسية الأنية. وهذا ما تعوده العدو منا، فلا يقيم له وزناً إلا في نفس الإطار “المرحلي” السياسي.

ما يرعب العدو ومسانديه ويردعهم هو يقظة الوجدان القومي الاجتماعي- والثورة الحقة على كل ما دفع علينا أيام الأظلام وما أفتعل لنا من تمزيق موهن.

ومتى وضع للعدو ان طلب توحيد القيادة نابع عن يقظة الوجدان القومي الصحيح يتغير تقييمه لقواتنا الفعلية التي لا تسمح إلا بسلام وعدالة من صنعنا لنا أولاً، ثم لبني الإنسان جميعاً.

أقبلوا مع ثقنا بالأصالة النفسية احترامنا

الحزب السوري القومي الاجتماعي

رئيس الحزب

الدكتور أنطون أبو حيدر

11 آذار 1975

المراجع والهوامش:

(1). عبد المسيح (جورج)، رسائل من الحزب السوري القومي الاجتماعي إلى الملوك والرؤساء في العالم العربي، الجزء الثاني، جورج عبد المسيح، عام 1981، صـ 566.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى