مقالات
هاشم الأتاسي حياته – عصره (5) .. المؤتمر السوري العام واستقلال سورية
عهد الاستقلال الأول- الحكومة العربية
محمد رضوان الأتاسي
هاشم الأتاسي حياته – عصره.
الفصل الثالث – عهد الاستقلال الأول -الحكومة العربية- المؤتمر السوري العام واستقلال سورية
كما نرى عارض الشعب السوري وممثلوه في المؤتمر السوري أي انتداب فرنسي على سوريا، بل طالب بدولة سورية مستقلة واحدة، وكان رد فرنسا إعلان فصل منطقة لبنان الكبير المؤلف من قسم من ولاية بيروت، ومتصرفية جبل لبنان، وضم إلى ذلك أربعة أقضية كانت تابعة لولاية الشام، وهي البقاع وبعلبك وحاصبيا وراشيا.
دعا هاشم الأتاسي رئيس المؤتمر السوري المؤتمر إلى عقد جلسة أعلن فيها هذا المؤتمر احتجاجه على فرنسا إعلان لبنان الكبير الموسع الحدود على حساب الأراضي السورية ومنها الأقضية الأربعة السالفة الذكر.
وفي جلسة أخرى انتخب المؤتمر لجنة لصياغة الدستور برئاسة هاشم الأتاسي وعضوية سعد الله الجابري، الشيخ عبد القادر الكيلاني، وصفي الأتاسي، إبراهيم القاسم، عوني عبد الهادي، سعيد حيدر، عثمان سلطان، الشيخ عبد العظيم طرابلسي، تيودور أنطاكي، وسكرتيريه عزت دروزة، مهمتها وضع دستور جديد للدولة سُمي “القانون الأساسي للدولة”. وقد عكفت هذه اللجنة على عملها منذ اليوم الأول لانعقادها.
ولما ارتأت الحكومة البريطانية دعوة الأمير فيصل إلى أوربا لإقناعه بالموافقة على اتفاق لويد – جورج- كليمنصو، وهو تطبيق نوعاً ما لاتفاقية سايكس- بيكو السابقة مع بعض التعديلات. وافق المؤتمر على ذهاب الأمير فيصل إلى أوربا، لكنه اقترح أن يكون للوفد المرافق صفة شعبية، لهذا ضم الأمير إلى وفده العضوين في المؤتمر السوري أمير تميمي وأحمد قدري.
كما انتداب المؤتمر السوري وفداً من أعضائه، كلفهم إبلاغ معتمدي الحلفاء في دمشق أن المؤتمر يمثل الشعب السوري في جميع مناطقه الداخلية والساحلية والجنوبية، ويحتج على كل قرار أو اتفاق يخالف وحدته واستقلاله.
وفي غياب الأمير فيصل في أوربا رأت أغلبية المؤتمر السوري رفض اتفاقية لويد جورج – كلمنصو ومقاومتها، بينما اعتبرت الأقلية ومعها رئيس الحكومة رضا باشا الركابي أن لا جدوى من المقاومة بعد تخلي بريطانيا عن السوريين في هذه الإتفاقية، وإن هذه المقاومة العبثية، حسب رأيهم، قد تضر بالقضية الوطنية السورية. وألقى رئيس الحكومة خطاباً في المؤتمر السوري بهذا المعنى.
رد الكثير من المندوبين في المؤتمر على هذا الخطاب منتقدين بشكل قاس جداً كل من بريطانيا وفرنسا، وصاغ المؤتمر جواباً على خطاب الركابي، كما أصدر بياناً عاماً:
(بما أن حياة البلاد لا تقوم إلا بوحدتها التامة واستقلالها التام، وبما أن بعض الاستعماريين يتهددون تلك الوحدة ويعبثون بهذا الاستقلال، قد رأى المؤتمر السوري الذي يمثلكم وينطلق بلسانكم ويعبر عن رغائبكم في جلسة يوم 24 تشرين الثاني أن يوجب على الأمة الدفاع بدناً ومالاً ضد كل من يحاول الإخلال بوحدة البلاد واستعمارها والعبث باستقلالها. والمؤتمر على ثقة تامة من أن الأمة العربية الكريمة ذات المجد الأثيل والشرف الأصيل ستقدر الواجب حق قدره فتسرع إلى تلبية نداء الوطن بكل ما لديها من قوة وحياة. وإنه يأمل كل الأمل أن الأمة العربية ستجد في أوربا وأميركا كثيراً من المخلصين المنصفين ممن يساعدونها على نيل حقوقها وأمانيها ويدافع عن قضيتها والله ولي التوفيق).
وأكد المؤتمر في جوابه هذا على النقاط الرئيسية التالية:
1- اعتبار نفسه “ممثلاً للأمة السورية العربية قانونياً وسياسياً”.
2- إدانة موقف الحلفاء وانقلابهم ضد المبادئ التي نادوا بها.
3- اعتباره اتفاق “لويد جورج – كليمنصو” مؤشراً واضحاً على سوء القصد بشأن مصير سوريا.
واستناداً إلى هذه النقاط فإن المؤتمر يرى ما يلي:
1- “إن واجب الأمة التي يمثلها في آمالها ورغائبها يقتضي عليها الدفاع عن وحدتها واستقلالها”.
2- “إعلان الاستقلال التام للقطر السوري بحدوده التي عينها المؤتمر السوري بقراره الذي قدمه للجنة الدولية الأميركية، وإنه غير قابل للتجزئة ولا للإنقسام بوجه من الوجوه..”.
3- “مع تعيين شكل الحكومة بأنها ملكية شورية مدنية..”.
4- “.. لمجلس الأمة حق المراقبة عليها ضمن حدود القانون الأساسي..”.
ثم ينتهي المؤتمر بالطلب من الأمير “بلزوم اتخاذ التدابير لتطبيق هذه الأوضاع والأحوال، وتشكيل حكومة مسؤولة أمام الأمة..”.
وهذا ما دعا رضا باشا الركابي رئيس الوزراء الذي وجد نفسه يواجه الأكثرية إلى الإستقالة في 10 / 12 / 1919م.
وكانت نتيجة اتفاقية لويد جورج- كليمانصو، وتخلي الإنكليز عن الأمير فيصل، وقرارهم سحب جيوشهم من سوريا واستبدالها بالجيوش الفرنسية، أن اضطر الأمير فيصل إلى عقد اتفاقية في باريس مع كليمانصو رئيس الوزارة الفرنسية تضمن لسوريا، برأي الأمير فيصل، ووفق ما قاله للزعماء السوريين وأعضاء المؤتمر بعد عودته إلى سوريا:
“.. استقلالها ووحدتها بين الداخل والساحل عدا جبل لبنان (الذي سيتمتع باستقلال إداري واسع)، واعتراف جمعية الأمم باستقلالها ، وتمد فرنسا سوريا بما تحتاج إليه من مال، وتبعث لها ما تطلبه حكومتها من خبراء فنيين دون النهوض بأعباء الدفاع عن الوطن، ويستغي عن الجنود الفرنسيين، فلا يبق منهم جندي واحد عندنا”.
وبقي رأي زعماء سوريا الوطنيين موزعاً بين متشددين يريدون الاستقلال التام الناجز بعيداً عن أية وصاية أو حتى أية علاقات خاصة مع فرنسا، وبين معتدلين يرون مصلحة سوريا في القبول بالأمر الواقع، والتفكير بمستقبل سوريا البعيد، حيث أن المنطقة كلها كانت في طور مخاض تتحكم فيه القوى العظمى بشكل رئيسي، ولتفاوت كبير في ميزان القوى بين سوريا الدولة العربية الصغيرة الوليدة، وبين الحلفاء الخارجين من الحرب العالمية الأولى منتصرين، وقواتهم تحتل الأراضي السورية.
كان رضا باشا الركابي يتزعم المعتدلين، ومن بين من انضموا إليه (لفترة زمنية محدودة)، بعد سماع كلام الأمير المقنع، عبد الرحمن الشهبندر، وكان قبل ذلك من غلاة المتشددين.
أما هاشم الأتاسي رئيس المؤتمر ، وبالرغم من قربه من المتشددين، فقد كان يرى وجوب التفكير بعقلانية وحكمة والتوفيق بين الاتجاهين قدر الإمكان لتأمين تضافر جهود جميع الوطنيين في سبيل استقلال سوريا ووحدتها.
لكن المنشددين استمروا في تشددهم، وكانوا يؤلفون الأغلبية في المؤتمر السوري، وقد أجابوا فيصل أنه:
“خير للبلاد أن ترد عدوان فرنسا وإنكلترا بالقوة بقدر المستطاع من أن تخضع لشروط الاتفاق التي ستجعل سوريا بحكم تونس ومراكش”.
