التراث اللاماديمحافظة دمشق
بامية وبام .. من الحكايات الشعبية الشامية
من حكايات حي مئذنة الشحم
توثيق الباحث نزار الأسود
بامية وبام.. من الحكايات الشعبية الشامية
كان ياما كان حتى كان يا قديم الزمان، كانت امرأة تعيش مع زوجها، ولها صبي وبنت. وتوفي الأب، فكانت الأم توصي ابنها بأخته: يابني عينك على أختك، غداً أموت ومالي وصية عندك إلا أختك، أختك. ثم أخذ صاحب الأمانة أمانته وماتت الأم.
كانت الجارة تدخل كل يوم إلى المنزل، وتقول للأخت: يجب أن تزوجي أخاك. فتقول الأخت: ابنة الحلال سوف ترمي الشرّ بيني وبين أخي. ومازالت الجارة تلح على الأخت، حتى رضيت أخيراً.. ومن سوف يتزوج؟ طبعاً من الجارة! التي سرعان ما أصبحت زوجة الأخ، واصبحت الأخت ابنة حماتها.
وبدأت الغيرة تشتعل في صدر الزوجة، كلما اشترى زوجها شيئاً، أو ذهب إلى السيران، أو إلى سهرة.
وفي يوم من الأيام، مرّت عجوز على زوجة الأخ- اللعنة عليها تجوز، مشطها في جيبها الله يلعن شيبها- سألت العجوز الزوجة: مالك دائماً زعلانة؟
قالت الزوجة: زوجي دائماً يفضل أخته علي في الأكل والشرب، والملبس والنزهة.
قالت العجوز: ما رأيك أن أصرف أخت زوجك من البيت؟ قالت: أرجوك، أنا داخلة عليك، أفعلي ما تستطيعي الله يعينك. قالت العجوز: غداً تذهبين أنت وهي إلى الحمام- حمّام السوق- ثم أدخل أنا وأتغسل. فإذا ضيفتكما (بامية) فكلي أنت وهي وبعد مدة سوف تحبلين أنت وهي.. أما الأخ فسوف يذبح أخته..
مرت الأيام، والأيام دولاب.. وأصبح الأخ ملكاً على البلاد.. والملكة لم تزل توغر صدر الملك على أخته.. أختك حامل، أختك تتوحم، اعتن بها، حضر لها الداية، نيمها على ركبتك، تر كيف يتحرك الجنين!! والحكاية تمضي بسرعة..
قال الملك : أعوذ بالله، وقد تأكد له حمل أخته.. وبطنها يمشي أمامها.. فما العمل!! ثم خطر له أن يذهب معها في سيران، ويذبحها في البرية.. فلا من يعلم ولا من يحزن.. وبذلك تنتهي هذه الفضيحة.
تعبت أختك الملك من السير، فقالت لجلالة الملك: أريد أن أرتاح، وقد نعست من الوحام.. فنامت على ركبته، وغطت في نومها.. وياغافل لك الله!! حاول الملك أن يذبحها مرة بعد مرة.. وفي كل مرة كانت السكين تأبي الذبح.. وتتصلب في يد الملك.. دهش الملك من هذه الظاهرة الغريبة. فترك أخته نائمة.. ومضى عائداً إلى قصره.
استيقظت أخت الملك من نومها.. فلم تجد أحداً حولها.. أرض قفر.. وظلام موحش.. فمشت مشياً وئيداً، وهي تتحسس الأرض.. فتعثرت بحلقة. رفعت الحلقة، فإذا أرض دار كبيرة وشجر وبستان، وبيت جميل، فأسرعت إلى المطبخ، فطبخت ثم كنست ورتبت وشطفت.
كانت الدار لأربعين لصاً، ولص.. وعندما دخلوا الدار وجدوها تشتعل بالنظافة فصاح كبيرهم: من هنا؟؟ إن كان كبيراً فهو أبونا، وإن كان صغيراً فهو أخونا، وإن كانت بنتاً فهي أختنا.
فلما ظهرت البنت فرحوا بها، وخاووها.. وجرحوا إصبعهم وإصبعها، وخلطوا دماءهم بدمها.
وذات يوم وبينما كانت البنت تجلي وتمسح، دبّ فيها الطلق، فتوجعت وتألمت ولكن سرعان ما ظهر ثلاثة ملائكة فولدوها واعتنوا بها.. ونقطوها ثلاثة أشياء.
النقوط الأول: جعل البنت الوليدة، التي سميت بامية، آية في الحسن والجمال، فشعرة من ذهب، وشعرة من فضة..
النقوط الثاني: إذا كانت “بامية” تبكي عمّ الخير ونزل المطر.. وإذا كانت تضحك، فتّح الورد والياسمين.
النقوط الثالث: تحكي بامية حكايتها لأهلها.. وتظهر براءة أمها.. وجاء إخوة الأم، وفرحوا “ببامية” ودللوها، واعتنوا بأمها، حتى أصبح عمر البنت تسع سنين..
وذات يوم، كانت الأم تسرح شعر ابنتها.. وتمشطها.. فبكت البنت.. ونزل المطر فقالت لها أمها: مالك! وحياة أخوالك، لم أشدّ شعرك؟ّ!؟ قالت البنت: خالي في الشام ويجب أن أذهب إليه! قالت الأم: سأحاول. فضحكت البنت، وفتّح الورد والياسمين.. وبذلك أدركت الأم أن هناك شيئاً..
وحين جاء إخوة الأم، عرفوا أن أختهم على غير عادتها.. فسألوها ما بها؟؟ فقالت: البلاد اشتاقت لأهلها، وقالت “بامية” خذوني وبيعوني في سوق الجواري أنا وأمي. نزل ابن الملك “بام” إلى سوق الجواري، فرأى بنتاً، سبحان الخلاق العظيم، فاشتراها هي وأمها، ودفع ثمنها من شاء إخوتها من ذهب.. ثم حملها وأمها إلى أبيه الملك!!
الملك بطول الزمن، لم يعرف أخته، ولكن أخته عرفته. ومع الأيام توثقت عرى الصداقة بينها وبينه، وأحب هذا الإنسانة- والحر قلبه دليله- وذات مساء قالت الأخت: معي حكاية حلوة سأرويها في السهرة.
تعرفت زوجة الملك، بصدق إحساسها، على أخت الملك، وأدركت سر حكايتها، فكانت تمنع أخت الملك من قصّ قصتها أمام الملك وابته..
أصرّ ابن الملك على الحكاية. وقد أحب بامية، وأراد أن يعرف شيئاً عن ماضي حياتها.. فقالت أخت الملك: لن أحكي الحكاية حتى تشعل الشمعدانات.. فأشعلها ابن الملك، وأنا المجلس..
ثم قالت: كل كلمة من حكايتي بدينار. قال الملك: أبشري.. وهذا دينار.. فقاطعته زوجته.. وقالت له: نم يا ملك الزمان، ليس لك أن تسمع الحكايات. بيد أن ابن الملك أصرّ على الحكاية.
قالت بامية: أقعد ياخال واستفهم..؟ وبدأت بامية تحكي حكاية أمها، وكل كلمة بدينار، إلى أن ظهرت الحقيقة، حقيقة حمل أمها من البامية في الحمام، واتهامها زوراً وبهتاناً. قال الملك: لك ديناران من أجل ذلك.
قال الملك لزوجته، وقد عرف لعبتها: ما أنا فاعل بك؟ سأجوع الكلاب سبعة أيام وأعطش الخيل تسعة أيام، وأربطك بذنب الخيل، والخيل تعدو، والكلاب تنهش منك، وسأضع أنيك في زعرور الباب، وكلما فتح الباب، وقال زيق، قلنا له: على الله تمزيق هذه الخائنة.
ثم زوجوا بام بامية،وعاشوا عيشة سعيدة، وتركناهم وجينا.
وتوتة توتة خلصت الحتوتة
انظر:
الحكايات الشعبية في الساحل السوري