التراث اللاماديمحافظة دمشق
الكسالى .. من الحكايات الشعبية الشامية
الكسالى.. من الحكايات الشعبية الشامية
من حكايات حي مئذنة الشحم
توثيق الباحث نزار الأسود.
كان ياما كان حتى كان، كان في قديم الزمان سبع كسالى، إخوة يعيشون في بيت واحد ولا يعملون أي شيئ. حتى الأكل والشرب فإذا أراد أحدهم أن يشرب، قال لمن حوله: أعطني كأس ماء .. وإذا أراد أن يأكل، نادى من يضع اللقمة في فمه. وإذا أراد أن يلبس انتظر من يلبسه.
كذلك كانت حياتهم كسلاً في كسل. فإذا خرجوا من البيت، اصطفوا صفاً واحداً، ونادوا الناس في الطريق يا أخي أدفعني، يا أختي حركيني، ياولد شدني لأمشي .. حتى يصلوا في النهاية إلى قصدهم.
وإذا قصّر أحد المارة معهم، سبوه وشتموه حتى ذاعت شهرتهم في الكسل وانتشرت.
ذات يوم وجد الكسالى عشر ليرات من الذهب، فكانوا ينادون المارة: يا أخي أعطني اللّيرات، يارجل ناولني مالي حتى ظنت امرأة أن المال لهم – فتناولت صرّة الذهب من الأرض وقذفت بها إليهم.
تشاور الكسالى ماذا يفعلون بالمال ..! فقالوا نأكل به “صدر أوزي” -صرر من رقائق العجين محشوة بالرز والقلوبات- وبيت حمي الأوزي- أي وربات بقشطة “وربات باللحمة ..كنافة..!!”. وبالطريقة نفسها في الشي وصلوا إلى دكان الحلواني ، وأوصوه على صدر الأوزي. وطلب كسلان من الحلواني أن يمدّ يده إلى جيبه، ويأخذ الليرات ثمناً للطعام. ففعل الحلواني، وقال له الكسلان: نحن بانتظار أجيرك في البيت، وبالطريقة نفسها في المشي، وصلوا إلى البيت، وانتظروا طويلاّ حتى جاء من فتح الباب لهم.
لما وصل أجير الحلواني، ومعه صدر الأوزي والحلو. أخذ يطرق الباب، ولكن ما من مجيب. فقد اختلف الكسالى من سيفتح الباب! وأخيراً ملّ الحلواني من الانتظار وألقى بالصواني في مدخل البيت.. ومع ذلك ظل الكسالى مختلفين!.
اجتمعت قطط وكلاب الحارة جيعاً، على رائحة اللحم والسمن، وأخذت تأكل وتعوي وتموء. والقطط تعزم القطط ..والكسالى يطردونها من داخل البيت قائلين : بست بست.. ويهددون القطط ويسبونها!!
وتصادف مرور شاب، فرأى المشهد المضحك، عواء الكلاب ومواء القطط، وهي تنتف الطعام وتمزقه، والكسالى من الداخل يصرخون عليها، ويشبعونها شتماً، فتعجب الشاب من حالهم، وخطرت له فكرة، أن يأخذ الكسالى إلى حانوت، ويجعل منهم فرجة للناس وتسلية.
أخذ الشاب يدفع الكسالى إلى الحانوت، ثم زينهم زينة كركوز وعيواظ، كحلةوحمرة وبودرة، وحلق لكل منهم حاجباً واحداً، وقص شاربه اليمين وأرخى طرف اليسار. ورسم خريطة على شعرهم، وحلق لحيتهم حلاقة زخرفية مضحكة. ثم شرع ينادي : الفرجة على الكسالى بأبي المئة، والناس يجتمعون عليه، ويقبلون إقبالاً. ويا جارتي أخبري جارتك، ويا أخي قل لأخيك حتى كثر مال الشاب، وأصبح ثرياً، والكسالى لا يحركون ساكناً.
وذات يوم قالت المرأة لجارتها: ماذا أفعل أنا أريد الذهاب ومشاهدة الكسالى، وزوجي لا يسمح لي! أكاد أتميز من الغيظ. فقالت لها الجارة: لا تهتمي، سأحضرهم إليك. ثم ذهبت إلى الشاب وقالت له: كم رزقك اليومي من الكسالى؟
قال الشاب خمسين ليرة ذهباً.
قالت الجارة : أنا سأعطيك مائة، شريطة أن تسمح لي بأخذهم إلى البيت، من أجل النساء وأهل حارتنا؟ فوافق الشاب حالاً، وأخذ منها المال واعطاها الكسالى فأخذتهم الجارة العجوز بالدفع والشدّ، على أن تعيدهم للشاب بعد الفرجة.
اجتمعت العائلة والجوار، وأهل الحارة، وكل النساء ليشاهدوا الكسالى في صحن الدار ويضحكون عليهم، وفجأة طرق الباب، وإذا بزوج المرأة، وقد عاد في غير ميعاده المألوف، فخافت المرأة واحتارت ماذا تفعل؟ وشاورت جاراتها فأشارت عليهم أن تضعهم في الياخور “أي في الزريبة مع الحيوانات”، وبسرعة دفعت النسوة الكسالى إلى الزريبة، وأنقذن المرأة من الخلاف مع زوجها.
وخلال الليل، أخذ المطر يهطل وينهمر انهماراً، فتدفق الماء على الزريبة من كل ناحية، والكسالى ينادون بعضهم ولا يحركون ساكناً، حتى أنهار عليهم حائط الزريبة، وماتوا جميعاً.
وفي الصباح فزعت المرأة مما جرى وحصل وارتبكت ونادت جارتها العجوز، وقالت لها: ماذا أفعل بالكسالى .. أشيري عليّ، يا مصيبتي إذا عرف زوجي؟ قالت الجارة : لا تهتمي عليّ المشورة والنصح.
ذهبت الجارة إلى الحانوتي ، وقالت له : أرجوك، توفي عندنا شا ، ولك مجيدي ” عملة علمانية قديمة” إذا توليت أمره، وأسرعت إلى المقبرة ، ففرح الحانوتي وطمع بالمجيدي، وأسرع إلى البيت ومعه العدة والكفن، بعد أم جهز الكسول الأول ودفنه عاد إلى. البيت لأخذ المجيدي. فقالت له الجارة : أنت مخطئ .. أنت تمزح وتضحك علينا ما يزال في الدار ، وأرته الجارة الكسول الثاني، فحدث معه ما حدث مع الكسلان الثاني.
تعجبت الحانوتي مما جرى! وخاطب الكسلان الثالث قائلاً: ألم تعجبك الدنيا؟ إذن لم أنت مت وذهبت إلى الآخرة ؟ ومن ثم ألم تعجبك الآخرة؟ إذن لم أنت تركتها وعدت إلى الدنيا؟
ثم حمله حملاً كيفما اتفق، وركض به والقاه في المقبرة. ولما عاد مسرعاً، ليأخذ المجيدي، وقد زاغ نظره وعمي قلبه حزناً وأسى، شاهد أميماً يعمل الأميم “الأميمي رجل مكلف بإيقاد النار في الحمامات القديمة”.
ظن الحانوتي أن الأميمي هو الشاب الكسلان ولعظيم الشبه بينهما، فحمله حملاً، وألقاه في المقبرة، وقد جن جنونه، ثم عاد مسرعاً إلى البيت ليأخذ المجيدي، وقص ما جرى معه على العجوز، بيد أن العجوز ضحكت طويلاً، وسخرت منه، قائلة : كفاك هذراً ..هذا هو وأرته الكسلان الرابع.
وهنا طار صواب الحانوتي، وطاش حجره، فلم يعد يعرف ما يفعل ، فحمل الكسلان الرابع وأخذ يعدو به في الطريق. ثم صعد إلى قمة الجبل، وألقى به في المغارة وفرح.
وقال: الحمد لله لقد ارتحت منه أخيراً، فلن يستطيع أن يعود إلى البيت، مهما فعل، وتعجب من الإنسان الكسلان في الدنيا، والشاطر في الآخرة.
وأثناء عودته، شاهد حطاباً فقيراً مسكيناً يشبه الكسول فظن أنه الكسلان يحاول العودة إلى البيت، فحمله إلى حفرة ، ووضع فوقه الحجارة والرمل والتراب وكذلك كان بلاء الكسالى ينال الناس جميعاً حتى الأبرياء.
عاد الحانوتي إلى الدار مسرعاً فرأى العجوز تسخر منه، وهي تريه الكسلان الخامس وتقول له : هذا هو..قال الحانوتي وقد أحمر وجهه خجلاً : أنا أعمل منذ فترة طويلة في هذا الكار “أي الصنعة” ولم يسبق أن جرى معي ما يجري الآن، ثم انقض على الكسلان، وألقاه في البئر إلقاء، وكذلك السادس.
وأخيراً قرر الحانوتي أن ينتهي من هذه المهزلة فحمل الكسلان السابع إلى البستان، وأخذ يشعل النار لإحراقه، والتأكد من زواله.
فظن الناس أن في البستان حريقاً، فأخذوا يتراكضون، ويتجمعون من كل مكان، حتى كانت ضجة وبلبلة في جميع أنحاء المدينة .. وتسبب ذلك بحوادث كثيرة.
وعاد الحانوتي إلى المرأة العجوز ، فوجد المجيدي بانتظاره ..
وتوتة توتة خلصت الحتوتة..
انظر:
الحكايات الشعبية في الساحل السوري