You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

محمد كرد علي : عشرة مآخذ على سياسة شكري القوتلي


تناول محمد كردعلي في مذكراته موضوعات عديدة، منها حسني الزعيم الذي وصفه بالبطل الذي “ثار على الظلم وغضب للحق”.

كما تحدث عن الرئيس شكري القوتلي وسياسته التي نقدها، وكتب عن عشر مآخذ على سياسة شكري القوتلي، نوردها كما هي نقلاً عن المذكرات التي نشرت بدمشق في عهد الرئيس شكري القوتلي عام 1948:

النص كما ورد في المذكرات:


سياسة رئيس

بقى أمر رئيس الجمهورية السورية السيد شكري القوتلي مكتوماً إلا عن بعض الخواص مدة رئاسته الأولى، ولما بدا له أن يجدد رئاسته ليستمتع بالحكم خمس سنين أخرى، مع أن الدستور حدد الرئاسة بخمس سنين فقط لا يجوز لرئيس أن يتولاها مرتين إلا إذا تخللهما رئيس آخر- لما تذرع بذلك كان منه أن حنث بيمينه الذي أقسمه يوم رئاسته الأولى وهو المحافظة على الدستور.

وراح الرئيس يعمد إلى انتخاب بعض النواب من حزبه بالضغط والتزوير وإذ تعذر عليه أن ينال أكثرية الأصوات ابتاع فيما قيل أصوات بعض النواب، ومع هذا لم يتهيأ له بالاجماع لاستنكاف حزب المعارضة من انتخابه.

وعاد إلى ما كان جرى عليه من العطف على زعانف الأحياء، ومزيتهم عنده أنهم يتسلطون على الأهلين يوم الانتخابات ويخدمونه بما يشاء، ولذلك فتح لهم الأبواب الرسمية يدخلونها بلا استئذان وهو يبالغ في اغداق العطايا عليهم ويخصهم بالامتيازات والاعفاءات، ويجعل منهم عشراءه وأولياءه، ووقع له أن سعى لانتخاب أحد أصحابه نائباً مشهوراً بطول اللسان، وقال أنا ما اخترناه لهذه المهمة إلا ليسب غداً من يخالفون رأينا في المجلس!

وأفرط في توظيف أهله وأنصاره ومنهم الأمي العامي ومنهم من كان يقبض عدة رواتب من بضعة دواوين وليس له عمل، أفرط في ذلك حتى خيل للأهلين أن سورية اقطاع له ولمن يحب.

وإذا اعتاد الرئيس التدخل في الصغير والكبير من شؤون الحكومة بما لا تتطلبه رئاسته كان من لهم شيئ من عزة النفس من وزرائه يتأففون من تحكمه ومقترحاته، أما المنافقون منهم وهو يفرضهم على كل وزارة فكان يسكت عن مساويهم كأنه شريكهم، حتى عمت الرشوة وسادت الفوضى.

كان الرئيس يعبث بالقضاء  فمن يحكم له من القضاة بما يروقه يرقيه ويرفع مقامه ومن يجري مع القانون يوبخه وقد ينحيه أو يحول دون ترقيته.

فقد حكم على أحد أرباب الصحف بإهانة الرئيس ولما لم يحكم القاضي النزيه بالقانون العثماني أي لم يقس القذف في الرئيس على القذف بالملك، ولم يعتبر رئيس الجمهورية ملكاً أقصاه ونبذه، أما الذي تفوه بما يسقط من قدر الرئيس وحكم القاضي عليه حكماً جائراً فأعلى الرئيس مرتبته وأرضاه.

وله أشياء من هذا القبيل لا يليق صدورها من المهيمن الأول على القانون فقد اختلف مع بعض جيرانه على حدود أرض فاضطر الموظف المختص ان يرضيه بالباطل ومستندات خصومه شاهدة ان لهم الحق دونه، واكره وزارة الأشغال ان تفتح طريقاً ليتصل من مزرعته بأرض له بعيدة وهي سبخة ونزة لا تصلح للزرع فاستلزم قطع أشجار مثمرة من جانبي الطريق، وكذلك ألزمها بفتح طريق بيت أمه فأنفقت في ذلك نفقات باهظة كانت طرق أخرى أحق بهذه العناية.

ومنها أنه كان يستعمل بضع سيارات عل حساب الحكومة يخص بعضها بركوبه وأخرى بحرمه وبعضها لأولاده وبعضها لبناته وسيارتين لصهريه.

ومنها اعطاؤه لأحد شعراء المهجر خمسة عشر ألف ليرة سورية وأنفق عليه ما يقرب منها مدة اقامته في عاصمة الجمهورية، فأعطى عشرات الألوف من الليرات لمن مدحوه أو كتبوا رسالة أو كتاباً باسمه ومن تغنوا بمحامده فيما كتبوا من كتب اعناهم.

وكان يعطي بعض الصحافيين بلا حساب لأنهم رضوا أن يكونوا أبواقاً لتمجيد سياسته، ومن غلط غلطة واحدة من أرباب الصحافة أوعز إلى المحاكم أن تشدد عقوبته وتغرمه الغرامات الثقيلة, وكان يصرف جانباً من أوقاته في مثل هذه المسائل.

ولما كان من طبعه حماية أهل الطبقات النازلة لم يحوز ازعاج من كان يشملهم بلطفه وعطف ولو كانوا من الجناة الأشقياء ومنهم أحد المفاتي في قضاء ثبت أنه لص كبير وجان تعددت جناياته بتحقيق قاضيين نزيهين فلم يرض أن ينحيه لأنه كان ينادي يوم الجمعة من أعلى المنبر: اللهم انصر أمير المؤمنين شكري القوتلي، وكان هذا الخطيب يدعو بمثل هذا الدعاء البارد على عهد الانتداب الافرنسي فيقول: اللهم انصر فرنسا وجيوشها.

ولعل هذا المفتي السخيف كان ممن يمهد للسيد القوتلي دعوى امارة المؤمنين.

ويتخلص ما أتاه الرئيس من الأعمال النابية عن القوانين في المواد التالية:

(1) العبث بالدستور وقد أقسم ان يحافظ عليه.

(2) انتخاب نواب حزبه بالتزييف والضغط.

(3) افساد بعض النواب ليتم الاجماع على انتخابه.

(4) اعتماده على أرباب الدعارة واعطاؤهم الأموال والسكر والأرز والحنطة والبترول والمازوت من مال الدولة بمقادير عظيمة جداً حتى أغتنى أكثرهم.

(5) افساد طلبة المدارس باعطائهم رواتب من الدواوين وهم لم يتموا دروسهم ولو يوظفوا على الأصول.

(6) استهزاؤه بنصح العقلاء من الوطنيين وثقته العمياء بالجهلاء.

(7) اسرافه البالغ بأموال الجمهورية وحمله البرلمان على اعتماده أموال عظيمة لم يعلم محل صرفها.

(8) ادخاله في خدمة الحكومة الافاقين والأميين من أسرته وأنصاره ومنهم من كان يعطيهم عدة رواتب وكذلك يعطي بعض الوزراء الراضي عنهم تعويضات باهظة.

(9) أخذه بيد شاب من النواب حتى ألف حزباً خطراً من برنامجه القيام بثورة وقد أعد لها عدتها بالفعل.

(10) لم يحقق مدة حكمه شيئاً يعتد به من أعمال الإصلاح على كثرة ما دخل خزانة الأمة من الأموال الجسيمة.

وكان على الرئيس وهو يعرف أنه مصاب بمرض عضال، أن يتنحى عن الرئاسة من تلقاء نفسه فالمريض يحتاج إلى من يدبره ولا يرجى منه أن يدبر مملكة.

كان الرئيس قبل رياسة الجمهورية يتكرم من ماله فيحمد أو يذم فلما تولى الرئاسة غرف في الجود من مال الأمة فتبرمت باسراقه.

كان الرئيس ثورياً يحب الثورات ويمتدح الثائرين ويبالغ في اكرامهم وشاء القدر ان يصرف بثورة، وما ظلمه أحد بل هو الذي ظلم نفسه باهماله ما عهد إلى أمانته.

كان خروجه على القوانين بادياً لكل ذي بصيرة حتى خيل لنا ان عدنا إلى العصر التركي أيام كان الوالي يحكم بلا محاسب ولا مراقب. وأصبح الحكم الجمهورية الذي يراد به رفع تسلط الأفراد حكم الهوى لا حكم القانون. الشكل دستوري مدني والفعل استبدادي عامي.

ولطالما نصح لع العقلاء ومنهم من كتب له التقارير في بيان طرق الاصلاح وجاءته عدة وفود تصارحه في سوء مغبة السياسة المتبعة في الإدارة فكان يؤلمه ان يسمع ما يخالف اغراضه ويقلب الحديث من جد إلى هزل، وقد يبتسم ويسكت ويتأفف من مخاطبه ويتجهم له ويود لو عجل الانصراف من حضرته.

كان رئيس الجمهورية الثالث ضعيفاً في ارادته، قوياً في حزبيته، مسرفاً بماله ومال غيره، حريضاً على تحقيق رغائبه الخاصة، اخطأ طريق المجد وما عرف اختيار الاسباب التي تعين عليه.

ومن الانصاف أن يقال ان له فضلاً على القضية الوطنية، وقد ثبت أنه في الأمور السلبية أقدر منه في الأمور الإنشائية الإيجابية.

المراجع والهوامش:

(1). كردعلي (محمد)، المذكرات، مطبعة الترقي في دمشق عام 1948م، صـ 907- 909

المصدر
كرد علي (محمد)، المذكرات، مطبعة الترقي، دمشق عام 1948م، صـ 907 -909



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى