وثائق سوريا
كلمة الجنرال ديغول في الجامعة السورية حول استقلال سورية عام 1941
قام الجنرال ديغول زعيم فرنسا الحرة بزيارة إلى دمشق في التاسع والعشرين من تموز عام 1941م.
وفي اليوم التالي لوصوله ألقى كلمة في الجامعة السورية حول استقلال سورية الناجز وسيادتها.
نص الكلمة:
إذا كان لابد من براهين على أن الصداقة التي تربط سوريا وفرنسا مع بعضهما لم تتأثر في الأحداث المرهقة الأخيرة بل إن هذه الصداقة خرجت أكثر حياة وأشد قوة من كل وقت وجدت فيه، فإن الاستقبال الرائع الذي حفتي به أمس عاصمتكم الفخمة النبيلة مع وجود حكومتكم اليوم محاطة بهذا النفر الكريم من الشخصيات الرفيعة يقدمان البراهين الناصعة على ذلك.
ويظهر لي إن إتفاقاً واضحاً كهذا بالشعور بالعزائم بين سورية وفرنسة ناتج قبل كل شيئ عن أن تفاهمنا قد ازداد تأكيداً وجلاء في هذه العاصفة التي تجتاح العالم، والتي شعرتم مؤخراً في بلادكم بذيولها المؤلمة.
لقد فهمنا جيداً نحن الفرنسيون بأن طبيعة هذه الحرب المستعرة في سبيل الحرية والتطور الذي حصل في بلادكم والذي يضطرد تقدماً فيها جعلا من العدل بل من الضروري أن ينشأ نظام جديد لكم في بلادكم سورية.
وقد رأينا بأن الوقت قد حان لفرنسا بأن تضع بالاتفاق معكم نهاية الانتداب وتتفاوض وإياكم في الشروط التي ستحقق ضمنها سيادتكم التامة واستقلالكم الناجز.
لاحظتم أيها السوريون بأن تبدلات الأشخاص التي جرت على مشهد منكم في هذه البلاد لم تغير استمرار فرنسا في البقاء، وتبين لكم بأن هزيمة عسكرية مؤقتة تمنع فرنسا من أن تقبض على ناصية الحال مرة أخرى في تاريخها سواء كان من جهة الانتعاش الروحي أم من جهة تحسين موقفها العسكري.
لا اعتقد أيها السادة بأنه يوجد شعبان كانا في وقت من الأوقات قريبين الواحد من الآخر كما هي عليه شعبانا الآن، أو أنه يوجد شعبان يتيسر لهما معالجة أمورهما سورية وتنظيم تعاونهما بسهولة أدبية من التي تجدها اليوم سوريا الحقة التي تمثلونها أنتم وفرنسا الحقة التي نمثلها نحن.
ولا أظن بأن الأحداث كانت في زمن من الأزمان ملحة علينا لتضافر عزائمنا وأعمالنا كما هي ملحة الآن، ذلك ياسادة لأننا في حالة حرب وعلى نتيجة هذه الحرب معلقة حرية وحياة الشعوب بمافيه شعبكم وشعبنا.
وإذا أصبح من المبتذل القول أن الصراع الحالي هو عالمي وأخلاقي فلذلك لأن هذا القول هو الصواب بل عين الصواب، فالمرحلة الجبارة القائمة الآن بين الحرية والظلم لا تقبل من حدود سوى حدود الكرة الأرضية ولا تقبل من خاتمة غير الظفر التام لأحد الطرفين المتحاربين.
هذا وإنه ليهدد سوريا في حريتها كل دولة من الدول هؤلاء الذين انصرفوا بعزيمتهم لتهديم حرية الغير رغبة منهم في إقامة نظام مبنى على القوة والإفساد والاستثمار، وماهذا النظام إلا شأن جديد للعبودية.
ففرنسا أيها السادة ستحول دون ذلك متحدة معكم كما تحتم عليها واجباتها، وستحصل إلى هذه الغاية بفضل القوى التي تملكها في هذه البلاد والقوى التي ستحصل عليها في المستقبل، مشتركة في العمل مع حلفائها البريطانيين البواسل الذين لم يدخلوا سوريا إلا لأسباب تدعو إليها المقتضيات العسكرية فحسب.
ويسرني أن أذكر في هذا الشأن تصريحات حكومة لندن والعهود الشريفة النبيلة التي قطعتها، والتي أكدت فيها بريطانيا العظمى تجردها التام من كل مطمع سياسي في سوريا ولبنان وعزمها على احترام مركز فرنسا احتراماً تاماً.
هذا وإني لست واثقاً من أن هذا العهد مع ما فيه من تأكيد حاسم يكلفي لوضع حد لدعاية العدو أو للأحاديث غير المجدية التي يتبادلها البعض أحياناً هنا وهناك، ولكني واثق من أن اتحاد إنكلترا وفرنسا التام فيما يتعلق بوجود جيوشهما وعملهما المشترك في بلاد الشرق سيساعد على تقوية هذا التأكيد الذي تشعر به سوريا ولبنان، وبالاحتفاظ بحريتهما وتمام كيانهما القومي ضمن حدود بلادهما التي تمتد من دجلة إلى البحر المتوسط، ومن تخوم شرقي الأردن إلى تخوم تركيا.
لا أنكر أيها السادة أن هذه الحرب ستكون مديدة الأجل مفجعة الحوادث بيد أنه يمكننا أن نلحظ من الآن الناحية التي بدأت ترجع إليها كفة القوة، أو بالأحرى كفة القدر.
فأمام الإمبراطورية البريطانية التي تزداد تسلحاً وعزماً إلى درجة لم يسبق لها مثيل.
وأمام أميركا التي أعدت للنضال مرافق ثروتها التي لا تنضب.
وأمام روسيا التي تنزل بالعدو في هذا الوقت أكبر خسارات انزلت به إلى الآن.
وأمام الشرق الذى رأى انهيار الإمبراطورية وموسوليني ذلك الشرق الذي يشعر اليوم بأن قوة عربية كبيرة تحميه.
وأمام فرنسا التي تستعيد قواها العسكرية والأدبية يوماً يعد يوم.
وأمام ذلك العدو الكبير من الأمم الأوربية المجتاحة أراضيهما مؤقتاً والتي ما انفكت تحافظ على روح المقاومة .. محافظة تامة.
فأمام كل هذه القوى لابد للعدو أن يخفق في آمله بالنصر إذا لم يكن قد أخفق في هذا الأمل الساعة التي أكلمكم فيها الآن، ذلك نصيب العدو، أما نصيب خصمه هو الذي يمثل أنصار الحرية وقد بدت أمامه طلائع النصر بكاملها في أفق القدر.
أيها السادة،
إن شمس النصر ستكون شمس السلام، ذلك السلم الذي سيجعل في استطاعة كل شعب واستطاعة كل رجل في العالم أن يعيش متمتعاً بالحرية متمتعاً بالطمأنينة.
إن فرنسة وسورية المتحدتين اتحاداً وثيقاً واللتين تعملان على خدمة مثل أعلى واحد في اليوم الذي توقعا فيه المعاهدة التي سيوضع معه حد لأكبر فاجعة عرفها التاريخ سيظهر لهما بأن تحالفهما الوثيق وصداقتها .
المراجع والهوامش:
(1). زيارة الجنرال ديغول إلى سورية عام 1941
(2). (حسن، الحكيم،مذكراتي.. 1920- 1958، دار الكتاب الجديد- القسم الثاني الطبعة الأولى بيروت عام 1966م
المراجع والهوامش:
(1). زيارة الجنرال ديغول إلى سورية عام 1941
(2). (حسن، الحكيم،مذكراتي.. 1920- 1958، دار الكتاب الجديد- القسم الثاني الطبعة الأولى بيروت عام 1966م