من الصحافة
حديث اقتصادي لـ لطفي الحفار حول الأزمة الاقتصادية عام 1930
حديث اقتصادي لـ لطفي الحفار حول الأزمة الاقتصادية عام 1930م.
تفاقمت في سورية الأوضاع المالية والاقتصادية، وبات جميع السوريين يعانون من أزمة اقتصادية حادة.
صحيفة الشعب أجرت لقاء مع لطفي الحفار حول الأزمة الاقتصادية في سورية وأسبابهانشرته في السابع عشر من تموز عام 1930:
نص الحوار:
تناولت الأزمة الاقتصادية في اليومين الأخيرين شكلاً خطيراً، لاسيما بعد أن أعلن كثير من التجار افلاسهم، وقد أشرنا في إعدادنا الأخيرة إلى إهتمام المفوضية بالضائقة الاقتصادية وسؤالها غرفة التجارة عن الوسائل التي يمكن أن تكون عاملاً في تفريج هذه الأزمة، ورأينا تجاه هذه العوامل الآخذة بخناق البلاد أن نستطلع علماً من أعلام الوطنية والاقتصاد في سورية، الا وهو معالي لطفي بك الحفار الذي علمنا أنه وضع بنفسه جواب الغرفة التجارية إلى المفوضية العليا عن موضوع هذه الأزمة، وقد أخذته المفوضية بعين الاعتبار والاهتمام، فأوفدت “الشعب” أحد محرريها ليتحدث إلى معالي لطفي بك عن الأزمة وأسبابها، فاستقبل معاليه محرر “الشعب” بما فطر عليه من اللطف والوداعة وتفضل بالتصريح الآتي:
إن الضائقة المالية الاقتصادية التي تجتازها البلاد اليوم لم تمر بها سورية منذ خمسين سنة، فهي شديدة جداً لدرجة شعرت البلاد الداخلية والخارجية مما جعل المفوضية تهتم بمعالجتها وتلافيها.
ولذلك طلبت إلى الغرفة التجارية إبداء رأيها في الموضوع فأرسلت الغرفة تقريرها متمنية على المفوضية العمل به.
وأرى أن المفوضية لم تشعر بهذه الضائقة إلا من تناقص واردات الجمارك، فقد بلغ النقص في واردات هذه السنة ما لا يقل عن الخمسة وعشرين بالمئة من معدل الواردات في السنة الفائتة، فأمام هذا النقص الكبير شعرت المفوضية “المسيطر الوحيد على الجمارك” بالأزمة الخانقة فأسرعت لبحثها.
س- ما هي أسباب هذه الضائقة؟
ج- إن الأسباب عديدة لا نستطيع أن نأتي عليها كلها الآن ولكنها تلخص فيما يلي:
أولاً- تقسيم البلاد:
والمقصود من هذا التقسيم نسبته إلى ما قبل الحرب العامة فقد كانت سورية مورد التصدير إلى الأناضول والروملي، والعراق والحجاز وفلسطين، تصدر إليها محصولاتها الوطنية وتمر بها المصنوعات والمنسوجات الأجنبية في طريقها إلى البلاد المذكورة آنفاً.
ولفد خسرت سورية بعد الحرب العامة هذه الأسواق مع أنه كان بالإمكان تلافي الأمر رغم تقسيم البلاد السياسي.
نعم إنه كان بالإمكان أن تتلافى المفوضية هذا الأمر بعقد اتفاقات جمركية مع البلدان المذكورة، وقد انتبهت الغرفة التجارية لهذا الخطأ فأسرعت ولفتت نظر المفوض السامي للأمر بواسطة لائحة مؤرخة في 25 تشرين الثاني 1921 إلى ضرورة عقد إتفاقيات مع باقي الدول المجاورة خوفاً من أن يحل محل البضائع السورية غيرها من البضائع الأجنبية.
وقد حدث ما كنا نحذره ونتوقعه فاحتلت البضائع الإيطالية الأناضول وأقبل عليها السكان مرغمين لعدم استطاعتهم ابتياع البضاعة السورية.
ثم عندما كنت عضواً في اللجنة الاقتصادية سنة 1923 قدمت لائحة طلبت فيها ضرورة الإسراع بعقد اتفاقيات اقتصادية وجمركية مع الجيران وخصوصاً مع العراق وتركيا وفلسطين فوعد بذلك، غير أنهم “المفوضية” قد تأخروا حتى فهموا حقيقة الحالة فلم يقدموا على عقد هذه المعاهدات إلا بعد مرور عشر سنوات فعقدوا معاهدة مع فلسطين وأخرى مع شرق الأردن التي تطلب اليوم تعديلها لأنها لا تجيز استيفاء رسوم جمركية على بضائع سورية وعلى شرط أن يكون خمسون بالمئة من موادها الأولية سورية، وهي اليوم تطلب تعديل هذه الإتفاقية بأن تدفع البضائع السورية رسوماً جمركية بالنسبة إلى كمية المواد الأجنبية التي تحويها.
وهذا خطأ بين إذ أن أكثر البلدان الأوربية لا تضع مصنوعات وطنية صرفة، أما مع إيران فلم تعقد المفوضية إتفاقاً ما رغم ارتباط فرنسا نفسها بإتفاق جمركي مع إيران، ويجب الإسراع بعقد هذا الإتفاق مع سوريا أيضاً.
ثانياً- الورق السوري:
ومن أسباب الأزمة المباشرة إصدار الورق السوري الذي لا يرتكز على أساس ثابت، وقد كانت النتيجة أن أصبح عرضة للتقلبات بين صعود وهبوط فعرض الأسواق التجارية للخسارة.
هذا وتبلغ نسبة هبوطه حتى اليوم خمسين بالمئة من أصل القيمة خسرتها البلاد السورية واللبنانية.
ولا أظن أن أحداً يتجاهل أن الورق السوري كان سبباً بابتياع الذهب من الأسواق السورية وإصداره إلى الخارج.
ثالثاً- الشركات ذات الامتياز:
ومن جملة الأسباب الشركات ذات الامتياز، واستبدادها، فهي غير مراقبة المراقبة الشديدة، مما أدى إلى انتهاز هذه الفرصة لابتزاز أموال الأهلين بدون أن تلتفت إلى مصالحهم.
فيجب والحالة هذه أن توضع هذه الشركات تحت المراقبة فتحدد الأسعار والأجور بما يتفق مع مصلحة البلاد.
رابعاً- المضاربة العالمية:
وهذا سبب عالمي فقد تهورت الأسواق العالمية بين سنتي 21 و22 وسقطت الأسعار إلى النصف مما ألحق بأسواقنا التجارية خسائر فادخة وأضف إلى ذلك خسارة البلاد من الأوراق المالية “مارك، روبل، كورون، الخ..” التي اختزنتها أثناء الخرب خسارة لا تقل عن الثلاثة ملايين ليرة ذهبية.
خامساً- الحكومات السورية:
ومن الأسباب المهمة تعاقب الحكومات وعدم اهتمام رجالها بكيفية طرح الضرائب على عاتق المكلفين وجباتها بشكل يلتئم مع مقدرة هؤلاء المكلفين على الدفع، وعدم تفكير هذه الحكومات بصرف قسم من موارد الدولة الكبيرة بما يعود بالإنتاج النافع.
وإذا دققنا ميزاينات هذه الحكومات رأينا أن النفقات لا تعود بالمنتج المثمر، وهي لا تصرف في هذا السبيل حتى أنه لا يوجد حتى اليوم برنامج اقتصادي تسير عليه الحكومات، وتنفذ مواده بدقة، وتنفق على تعاقب السنين بعض موارد الدولة لتشجيع الصناعة والزراعة ومشاريع الري المثمرة وتنشيط الوسائل التي تعمل على إحيائها ونجاحها.
فكل هذه الأسباب سببت سقوط قيم الأراضي والأملاك وقللت من قيمة النقد المتداول بين الأيدي.
س- ماذا يجب عمله لتلافي الأزمة؟
ج- لاشك أن البلاد السورية قد خسرت مركزها التجاري السابق بالنظر للأسباب المتقدمة، ففكر رجال العمل وتحولت جهودهم إلى الصناعة الوطنية منذ سنة 924 فأخذ بعض عمال الصناعة يهتمون بها لتحل محل المصنوعات الأوربية.
وكان أول المفكرين العاملين صناع السكاكر.. ولقد كللت مساعيهم بالنجاح فلم يمض غير القليل من الزمن حتى أخرجت معامل السكاكر الوطنية للسوق كل ما تحتاجه فوفرت على البلاد مالا يقل عن المئتي ألف ليرة ذهبية سنوياً كانت تذهب إلى الخارج، جلب محلها مواد وطنية، وأيد عاملة وطنية أيضاً، عدا السكر الذي لا تزيد نسبته عن الثلاثين في المئة، وهذا ما يدعوه الاقتصاديون بالصناعة الوطنية الحديثة.
فالبلاد لا تنجو من هذه الضائقة إلا بتحقيق ما يأتي:
1- العمل المتواصل على تأسيس الصناعات على الأصول الفنية الحديثة. وهذا يحتاج إلى تأييد وتعضيد المفوضية العليا في إعفاء المواد الأولية التي تحتاجها هذه الصناعة من الرسوم الجمركية كما هي الحالة في فلسطين وذلك لتخلص الصناعة الحديثة من مزاحمة الصناعة الفلسطينية الصهيونية. وإني أرى أن هذا الأساس جوهري جداً لتشجيع الصناعة ومقاومة الأزمة الحاضرة.
2- أما الوسيلة الأخرى فتنشيط الزراعة وتأسيس أعمال الري تأسيساً حديثاً، عملياً لا نظرياً، لأجل استثمار الأراضي الواسعة المهملة غير المستفاد منها.
3- تنزيل الرسوم الجمركية إلى الحد الذي يلتثم مع حالة البلاد وتخفيف هذه الضرائب الباهظة التي تتقاضاها الحكومة المحلية تحت أسماء ومظاهر شتى والتي لا تتفق مع وضعية البلاد الاقتصادية ومقدرة الأهلين على الدفع.
وقد أجمع علماء الاقتصاد على أن الضرائب إذا بلغت حداً يتجاوز مقدره المكلفين، صرفت في غير مصالحهم، وأغراضهم تكون النتيجة السريعة إفلاس المكلف، والارتباط بين خزينة الدولة وثراء الشعب ضرورة ومن أهم العوامل الاقتصادية لاستقامة الأحوال المالية.
س- وكيف نستطيع أن نوفق بين تخفيف الضرائب وتأمين خزينة الدولة؟
أنا أعتقد أن ميزانية الدولة إذا وضعت بشكل يتلائم مع مصلحة الشعب وحاجة تشكيلات الدول الأساسية والابتعاد عن سياسة الإرضاء التي ترهق الخزينة العامة بما يربو على ربع مواردها، وإذا كانت إدارة الأعمال بيد الإكفاء المخلصين المهتمين لخدمة المصلحة الحقيقة فالتوفيق سهل حينئذ بين مقدرة المكلفين وحاجة الخزانة الحقيقية، وهنا مجال واسع للبحث عسى أن نعود إليه في فرصة أخرى.
المراجع والهوامش:
(1). بيضون (وجيه) ذكريات، منتخبات من خطب وأحاديث ومقالات لطفي الحفار، مطابع ابن زيدون، دمشق عام 1954م، صـ 177-182
المراجع والهوامش:
(1). بيضون (وجيه) ذكريات، منتخبات من خطب وأحاديث ومقالات لطفي الحفار، مطابع ابن زيدون، دمشق عام 1954م، صـ 177-182