وثائق سوريا
بيان زيارة شكري القوتلي إلى اللاذقية عام 1944
بيان زيارة شكري القوتلي إلى اللاذقية عام 1944
قام الرئيس شكري القوتلي بجولة على المحافظات في شهر آذار، زار خلالها محافظة اللاذقية التي وصلها يوم الأحد التاسع عشر من آذار برفقة فارس الخوري رئيس مجلس النواب.
وأصدرت مديرية المطبوعات بياناً حول زيارة الرئيس شكري القوتلي إلى اللاذقية، هذا نصه:
قام فخامة رئيس الجمهورية بعد ظهر اليوم بزيارة دار البلدية فاستقبل من قبل رئيس المجلس والأعضاء استقبالاً حافلاً وألقيت بعد الخطب، فرد عليها فخامته. ثم زار مدرسة تجهيز الاناث مجتمعة هناك فاستقبلته استقبالاً رائعاً وألقت تلميذتان الواحدة خطبة والأخرى قصيدة شعرية، ثم ألقى الرئيس خطاباً قوطع بالتصفيق والهتاف.
وقام بخامته بعد ذلك بتدشين الشارع الذي يحمل اسمه، ثم زار مدرسة تجهيز الذكور فمعهد الفرير فالمستشفى الوطني فالمرفأ.
وفي المساء أقامت البلدية حفلة عشاء شائقة على شرفه.
وكان فخامته زار صباح اليوم قصبة كسب فاستقبل على طول الطريق استقبالات شعبية حافلة وتناول الغذاء في كسب وغداً يزور فخامته الحفة ويتناول الغذاء في طليفة، ويزور يوم الأربعاء طرطوس، ويوم الخميس يغادر منطقة اللاذقية متوجهاً إلى حلب.
غص فندق أبي الفداء منذ الصباح الباكر بالرجالات الرسميين ووفود الأهلين لوداع حضرة صاحب الفخامة رئيس الجمهورية المعظم وغادر موكبه المدينة بين الجماهير المحتشدة الهاتفة باسمه الكريم وحياته الغالية بملء حناجرها وعندما بلغ حي النوارة ترجل حيث وضع الحجر الأساسي بتجديد مسجد الصحابي الجليل عبد الله بن سلام وعند المحطة كان طلاب مدرسة التجهيز مصطفين على جادتي الطريق يحيون فخامته أطيب التحيات وواصل الموكب سيره فكانت تستقبله على طول الطريق جماهير القرويين مبتهجين مسرورين هاتفين بحياة فخامته.
وفي اروضة الشرقية الحد الفاصيل بين محافظتي حماه واللاذقية كان معالي الأمير مصطفى الشهابي محافظ اللاذقية ونوابها المحترمون وعدد كبير من العشائر العلوية والوجهاء وكبار الموظفين وقائمقام مصياف وقائد درك المحافظة فحيوا فخامته مرحبين بأول زيارة يقوم بها رئيس الجمهورية لمحافظة اللاذقية كما ودع محافظ حماه ونوابها ووجهائها عائدين وأخذ الموكب يواصل زحفه في هذه الجبال التي وهبتها الطبيعة جلالاً رائعاً فاننا مأراً بأقواس النصر التي أقامتها الأهلون على طول الطريق مكللة بالاس والزهر تخفق عليها رايات الوطنية وكم كانت هتافاتهم المنبعثة من صميم أفئدتهم بليغة مؤثرة وهم ينادون بحياة الوطن وحياة قائده العظيم إلى الحرية والسيادة والاستقلال.
وفي الساعة الحادية عشرة بلغ الموكب إلى مصياف المتغلغلة في احشاء هذه الجبال المنيعة وكان رجال عشيرة المتاورة مصطفين صفوفاً طويلة مع جماهير غفيرة من الأهلين من مدخل البلد إلى مدرسة صلاح الدين وما أطل عليهم الموكب حتى أخذوا يهتفون ويصفقون وينشدون كما تعالت زغاريد النساء وأغاني الصبايا اللواتي نثرن على سيارة فخامته العطر والزهور.
وبعد أن استراح دقائق ألقى الأستاذ حبيب الخشن مفتي القضاء كلمة ترحيب أجاب عليها فخامته بالشكر وحث على الألفة والتضامن والاخاء بين الرجال والافراد والهيئات والطوائف من كل مذهب ودين.
وفي عين أم الشعره وعين أم حسان خرجت جماهير الأهلين إلى مسافات بعيدة يهتفون ويهزجون ويحملون الرايات فرحين مسرورين بمقدم فخامته السعيد وعلى رأسهم الشيخ صالح العلي وقد حملوا اللوحات كتب عليها مجاهدو سنة 1919 يرحبون بالمجاهد المنقذ سيد البلاد شكري القوتلي وكانت كلمة الشيخ المجاهد التي ألقيت بين يدي فخامته مليئة بأجمل العواطف وأكرم المشاعر فأجاب فخامته عليها مثنياً على جهاد أبناء هذه المنطقة اللذين كان لهم الفضل الأول والأكبر على سائر المناطق لأنهم أول من غضب للاستقلال والحرية.
وبعد تناول المرطبات والقهوة تواصل الموكب سيره فبلغ القدموس في الساعة الثانية عشرة وكانت جماهير الأهلين مصطفين على جانب الطريق بالريات والزهور وألقى بين يدي فخامته الشيخان إسماعيل محمد العلي ويوسف محمد العلي كلمتي ترحيب فحثهم فخامته على الاتفاق والاتحاد في سبيل عزة الوطن.
وفي بانياس كانت وفود اللاذقية وجماهير الأهلين محتشدة في ظاهر المدينة فاستقبلت فخامته أجمل استقبال وأروعه وكان رجال عشائر النميلاتية والخياطين والقراحلة والكلبية والبشارغة والحدادين وبني علي والمهالبة والدرواسه والعمامرة ونساؤهم وشيوخهم وأطفالهم على طول الطريق مصطفين صفوفاً لا نهاية لها وعلى رأسهم نوابهم ووجوههم تحت أقواس النصر يرحبون بفخامته فيدعو إلى الوئام والاتفاق والتضامن لتحقيق أماني البلاد.
وفي دوير الخطيب تناول فخامته المرطبات والقهوة وألقى الشابان كنج إبراهيم كنج وفاضل على الكنج خطبين حماسيين فتكلم فخامته شاكراً وفي مفرق جبلة وفي مفرق الحفة كانت الأولوف المؤلفة محتشدة وعلى رأسها نوابها لاستقبال فخامته وهكذا أقبل الأهلون ورجال العشائر من كل ناحية وحدب والبشر يطفح على وجوههم والسرور يغمر محياهم والبهجة تملأ نفوسهم وهم يهتفون باسم القوتلي ومنقذاً للوطن وحارساً لحمى استقلاله وعرين حريته وسار الموكب على اسم الله بين هذه الخلائق التي لا يدرك الطرف لها نهاية ولا يحصيها العد وعند مدرسة بوقا الزراعية واكب عدد كبير من الفرسان الأهلين بخيولهم المطهمة وجيادهم العراب سيارة فخامة الرئيس وهم يحدون حدواً جميلاً ويرسلون الأقوال الحماسية ويهتفون باسم الرئيس منقذاً وزعيماً.
ومن مدخل اللاذقية حتى دار المحافظة كان الموكب يزحف وسط كتل بشرية لا يدرك الطرف لها حداً ولا يبلغ الفكر لها عداً يختلط فيها الأغاني والألحان بأصوات الهتاف والتصفيق فلا تتبين من كل ذلك غير أن هذه الجموع التي ازدحمت بها الشوارع الطويلة الفسيحة وضاقت الشرف والنوافذ والأسطحة بمن كانوا عليها قد رددت بملء الحناجر ومن صميم الأفئدة وقرارة النفوس قوتلي الرئيس نشيداً عذباً ولحناً طروباً هذه الأسم الذي كان يهز كل عاطفة ويبتز كل جارحة ويبعث الحماسة في القلوب ويشيع الغبطة في النفوس ويسيل الدموع من العيون اسم القوتلي فقط هو ذلك النشيد السحري والنغم العلوي والهتاف الصارخ الذي لهجت به الألسنة وصفقت له الأيدي واهتزت له المشاعر ومهما حاول المرء أن يجد وصفاً حقيقياً لاستقبال اللاذقية في ضخامته وفي عاطفته وفي حماسته فلن يظفر بغير الفشل فلقد ترجل فخامته منذ مدخل المدينة إذ كان الجيش من جميع الأسلحة يؤدون التحية الرسمية وكانت موسيقى الجيش تعزف النشيد الوطني وأناشيد الأمم المتحدة فشكر قائد الحامية وواصل السير بين هذه الجموع المائجة الهائجة حتى بلغ الساحة العامة ساحة الشيخ ضاهر التي كانت تموج كالبحر الزاخر بما أحاط بها من دور وشرفات ونوافذ وأسطحة بالأهلين شباباً ورجالاً ونساء وأطفالاً وبنات دوت هتافاتهم وعلت تحياتهم فألقى الوجيه الوطني السيد أسعد هارون كلمة اللاذقية في الترحيب بفخامته ثم ارتجل فخامته كلمة شكر فيها للأمة المخلصة الصابرة هذه العواطف التي احاطته بها.
واستأنف فخامته السير بين هذه الجموع إذ كانت فرق الكشاف تصطف على طول الطريق حتى دار المحافظ تحييه الوان التحيات وتهتف ضروب الهتافات بأسلوب عاطفي رشيق وبعد تناول طعام الغذاء في نحو الساعة الخامسة أخذ قسطاً قليلاً من الراحة وقصد إلى السراي حيث استقبل ممثلي الأمم المتحدة ووفود المهنئين وضباط الجيش فألقيت بين يديه الخطب والقصائد وقدمت المطالب وفي الساعة الثامنة استعرض في كازينو اللاذقية فرق الكشاف التي مرت أمام فخامته بمشاعلها نحو من نصف ساعة فأعجب بجمالها ونظامها وفي الساعة الثامنة والنصف أقامت المحافظة في كازينة اللاذقية مأدبة عشاء فاخرة حضرها الرجالات الرسميون والنواب والوجهاء وكبار الموظفين فألقى معالي المحافظ كلمة طيبة كما ألقى النائب الشاعر الأستاذ بدوي الجبل خطبة شعرية ثم ارتجل فخامته خطاباً أثنى فيه على ما لقيه من حفاوة وأكرام وانتهت الحفلة حوالي الساعة الحادية عشرة.
مديرية المطبوعات.