اللجان الشعبية والسياسية في سورية

اللجنة العسكرية في سورية

1958 - 1965

اللجنة العسكرية

أسباب وظروف التشكيل:

برز دور الضباط البعثيين بعد نجاح الانقلاب على الشيشكلي الذي قاده مصطفى حمدون من مدينة حلب عام 1954، وكان محمد عمران ذراعه الأيمن والذي احتلّ إذاعة حلب التي انطلق منها البلاغ الأوّل للانقلاب.

بعد قيام الوحدة بين سورية ومصر، طلب عبد المحسن أبو النور – الملحق العسكري في السفارة المصرية قبل الوحدة ومعاون قائد الجيش الأول (الجيش السوري) بعد الوحدة – من العقيد البعثي مصطفى حمدون قائمة بأسماء البعثيين من الضباط في الجيش، بهدف تسليمهم مراكز حساسة في القطعات العسكرية حسب وعده، أو كما أوحي إليهم، وانطلاقاً من ثقتهم به، أُعْطِي قائمة تضم الضباط البعثيين المعروفين بنشاطهم_ أي ليس أسماء كل الضباط البعثيين _ ولكن هؤلاء الضباط فوجئوا بصدور أوامر نقلهم على دفعات إلى الجيش الثاني (الجيش المصري) وتهميشهم، دفع هذا الأمر بالبعض منهم إلى البحث عن الوسائل التي تمكِّنهم من استمرار التواصل بين بعضهم والمحافظة على معنوياتهم، ووجدوا أنه لا بد من تشكيل لجنة من بينهم لتحقيق ذلك الأمر.

 لم يكن الهدف من تشكيل اللجنة العسكرية في الإقليم الجنوبي “مصر” القيام بتنظيم هؤلاء الضباط المنقولين، بل حماية لهم خوفاً من أن يقعوا فريسة أجهزة مخابرات دولة الوحدة، أو يحبطوا نتيجة التهميش الذي عوملوا به.

أعضاء اللجنة العسكرية الأولى:

تشكلت اللجنة العسكرية من الضباط البعثيين : بشير صادق، رئيساً، ومزيد هنيدي، وممدوح شاغوري , وعبد الغني عياش، ومحمد عمران.

اللجنة العسكرية الثانية:

أسباب التشكيل:

وبعد فترة نقلوا جميعهم – باستثناء محمد عمران – إلى السلك الدبلوماسي، وبعدها بادر عمران إلى الاتصال برفاقه لتشكيل لجنة جديدة، وللأسباب نفسها التي دفعت إلى تشكيل اللجنة السابقة.

أعضاء اللجنة العسكرية الثانية:

تألفت اللجنة الثانية بناءً على أسس الأقدمية والتواجد في القاهرة، والاختصاص العسكري من: محمد عمران رئيساً، صلاح جديد، عبد الكريم الجندي، حافظ الأسد، منير الجيرودي، أحمد المير محمود، عثمان كنعان.

زيادة أعضاء اللجنة العسكرية الثانية:

في بداية فترة الانفصال، أصدرت قيادة الجيش قائمة بتسريح حوالى 63 ضابطاً من البعثيين، ومن بينهم كل أعضاء اللجنة، مما دفع باللجنة العسكرية إلى زيادة عدد أعضائها بإضافة الضباط :

«الرائد حمد عبيد – الرائد موسى الزعبي_ النقيب محمد رباح الطويل» إلى عضويتها، وهم من الضباط الذين لم تشملهم قوائم التسريح، والنقيب حسين ملحم (مسرح).

وقررت تطوير نشاطها بالبدء بتنظيم العسكريين البعثيين (العاملين والمسرَّحين)، بعيداً عن التيارات البعثية المدنية التي كانت تتحاور حول الأسس التي يجب إتباعها لإعادة تنظيم الحزب.

وفي تلك الأثناء قررت اللجنة تطوير نشاطها بالبدء بتنظيم العسكريين البعثيين (العاملين والمسرَّحين)، بعيداً عن التيارات البعثية المدنية التي كانت تتحاور حول الأسس التي يجب إتباعها لإعادة تنظيم الحزب.

اللجنة في اعقاب إنقلاب 28 آذار 1962:

في أعقاب أحداث 28 آذار 1962، اعتقل عدد كبير من الضباط المسرحين والعاملين ومن بينهم أكثرية أعضاء اللجنة العسكرية، وتم إطلاق سراح بعضهم، وفي شهر تموز 1962 تمّ، أيضاً، اعتقال عدد من الضباط الوحدويين (بعثيين وناصريين) بتهمة القيام بانقلاب، ومن بين المعتقلين كان المقدم المسرّح محمد عمران والرائد عئمان كنعان من أعضاء اللجنة العسكرية _لم يفرج عنهما إلا في منتصف شهر شباط من عام 1963_، وفي هذه الفترة استلم أقدم الضباط، المقدم المسرّح صلاح جديد رئاسة اللجنة، وكان له مع المقدم المسرّح عبد الكريم الجندي والرائد المسرّح أحمد المير محمود، والرائد موسى الزعبي، الدور الرئيس في كل الترتيبات التي قادت إلى انقلاب الثامن من آذار 1963.

اللجنة بعد إنقلاب آذار عام 1963:

بعد انقلاب آذار، أُضيف إلى اللجنة العسكرية كلٌّ من النقيب سليم حاطوم والنقيب مصطفى الحاج علي والنقيب توفيق بركات، ثم أضيف إليها العميد أمين الحافظ الذي أصبح رئيسًا لها والرائد أحمد سويداني، وبذلك صار عددها 16ضابطاً ، وبرئاسة  العميد أمين الحافظ الأقدم بينهم.

واعتَبَرتْ هذه اللجنة نفسها قيادة حزبية للتنظيم الحزبي في القوات المسلحة، وركزت همَّها الرئيس على الاهتمام بالقوات المسلحة وعلى وضع ثقلها، أحياناً، في حسم الصراعات التي كانت تقع بين قيادات الحزب والحكم.

 انتهاء دور اللجنة العسكرية:

بعد ذلك ضعف الدور السياسي للجنة بعد اتهامها لأحد أعضائها، اللواء محمد عمران عضو القيادتين القومية والقطرية ونائب رئيس الوزراء، بالقيام باتصالات مع قوى وشخصيات سياسية دون أخذ قرار منها أو اطلاعها على أسباب نشاطاته تلك، وقررت في أواخر عام 1964 إبعاده وتعيينه سفيراً فوق العادة في إسبانيا، وتسفيره فوراً،  دون الرجوع إلى القيادات الحزبية المسؤولة، وبعد فترة وجيزة من ذلك، وبسبب الاتجاهات المتعددة التي بدأت تتصارع في الحزب والتي شملت أعضاء اللجنة العسكرية، وتبلورت في الاتجاهين اللذين تمثلا في الجيش بشخص كل من الفريق أمين الحافظ واللواء صلاح جديد، يمكن القول: إن دور اللجنة قد انتهى تماماً.

يذكر محمود جديد : (بقيت اللجنة العسكرية متكاتفة متضامنة عندما كان الحزب يخوض صراعاً مع الآخرين داخليّاً وخارجيّاً ، وبعد أن استكمل انفراده بالسلطة ، وتربّع أمين الحافظ على عروش السلطات التنفيذية والعسكرية والأمنية والحزبية من خلال جمعه رئاسة الدولة ...

حل اللجنة العسكرية وتشكيل المكتب العسكري:

في المؤتمر القومي الثامن لحزب البعث تمّ حلّ اللجنة  العسكرية رسميّاً واستُبدِلَ  بمكتب عسكري تابع للقيادة القطرية.

 وفي شهر حزيران 1965 اجتمع مؤتمرٌ حزبي للضباط البعثيين في معسكر القابون وانتخب مكتباً عسكريًا مرتبطاً بالقيادة القطرية, ويعمل تحت إشرافها  كأي مكتب من مكاتبها، وتم انتخاب كل من  المقدم موسى الزعبي، المقدم مصطفى طلاس، المقدم حسين ملحم، الرائد محمد رباح الطويل، الرائد جمال جبر، الرائد طالب خلف، الرائد عبدو الديري، ويضم المكتب في عضويته، أيضاً، وبحكم مناصبهم، كلاً من قائد الجيش، ورئيس الأركان، وقائد القوى الجوية، وقائد القوى البحرية، وقائد الجبهة، ومدير إدارة المخابرات العسكرية، ومدير إدارة شؤون الضباط، وأصبح هذا المكتب بأعضائه لجنةً لشؤون الضباط في قيادة الجيش، وعضواً في مجلس الدفاع.

ضم المكتب العسكري 14 عضواً:

سبعة ضبّاط منتخبين من مؤتمر عسكري هم : المقدّم موسى الزعبي ، المقدّم مصطفى طلاس ، المقدّم حسين ملحم ، الرائد محمد رباح الطويل ، الرائد جمال جبر ، الرائد طالب خلف، الرائد عبدو الديري.

وسبعة ضبّاط  آخرون بحكم المنصب العسكري : قائد الجيش ، رئيس الأركان ، وقائد القوى الجويّة ، وقائد القوى البحريّة ، وقائد الجبهة ، ومدير إدارة المخابرات العسكرية ، ومدير إدارة شؤون الضباط ، وأصبح هذا المكتب بشقّيه يشكّل  لجنة شؤون الضبّاط في قيادة الجيش المسؤول عن ترفيع ونقل الضباط وأيّة مسائل أخرى تتعلّق بأمورهم.

ولقد تم تعيين كل أعضاء اللجنة العسكرية، من كانوا قد انتخبوا إلى عضوية القيادة القطرية أو إلى عضوية المكتب العسكري أو من لم يكونوا في هاتين المؤسستين، أعضاءً في المجلس الوطني للثورة الذي عُقد في 1 أيلول 1965.

اللجنة العسكرية والطائفية:

وصف كثيرون اللجنة العسكرية بأنها قامت على أسس وأسباب طائفية، وهذا ما نفاه العديد ممن عاصروا تلك اللجنة وحتى شاركوا في إجتماعاتها، ومنهم محمود جديد الذي ذكر ما يلي: (شاءت الصدف أن حضرت لقاءات بعضهم مع المرحوم صلاح جديد في منزله لأنّني  كنت أسكن معه في بناية واحدة ، ولم أسمع من أحدهم كلمة أو عبارة يُشتمّ منها أيّ نفس طائفي، وكان همّم الوطني، وغيرتهم وحرصهم على الوحدة هو هاجسهم الطاغي على كلّ نقاشاتهم…).

كما أورد محمود جديد عدة ملاحظات واستنتاجات حول اللجنة العسكرية، أهمها: 

1 – كان عمر اللجنة العسكرية في ظلّ السلطة عام ونصف فقط ، ولم تستمرّ متماسكة سوى أشهر قليلة، واستلم أمين الحافظ رئاستها منذ بداية حكم الحزب، وبالتالي، فإن إضفاء الطابع الطائفي عليها يعتبر باطلاً وظالماً، وتوظيفاً خبيثاً في أمور خارجة عن هدف تشكيلها، والمسار الذي أخذته …...


كُتب وقيل عن اللجنة العسكرية:

حافظ الأسد:

حافظ الأسد يتحدث عن اللجنة العسكرية وصلاح جديد في المؤتمر القومي العاشر الاستثنائي
ألقى حافظ الأسد وزير الدفاع كلمة في المؤتمر القومي العاشر الاستثنائي الذي عقد قبيل إنقلابه بأيام.
كانت الكلمة طويلة جداً، تناول فيها موضوعات عديدة ومختلفة، ومن خلال الكلمة يستطيع القارئ أن يقرأ الحالة التي وصل إليها حافظ الأسد قبيل تنفيذ إنقلابه....
جاء في كلمته: (في “8 آذار” أيها الرفاق قبل 8 آذار كان هناك لجنة عسكرية، وهذه المواضيع سأمر عليها باختصار، لأنني لا أريد أن أسرد التاريخ.. هذه اللجنة كنت أحد أعضائها وكان الرفيق “صلاح” أحد أعضاء هذه اللجنة أيضاً، وكان هناك رفاق آخرون، هذه اللجنة كانت هي كل شيء من جانب الحزب بالنسبة للثورة والحزب، كانت كل شيء، هي التي كانت تعين الممثلين العسكريين إلى القيادات الحزبية، وهي التي كانت تعين أعضاء المجلس الوطني، وهي التي كانت تعين الوزراء، وأقول هي كانت كل شيئ.
ومنذ الأيام الأولى للثورة عيّن الرفيق “صلاح جديد” معاوناً لمدير شؤون الضباط وأصبح هذا المركز “معاون مدير شؤون الضباط” هو مركز الثقل بالنسبة لنا جميعاً في اللجنة وفي الحزب وفي كل ما يتعلق بنا كبعثيين، ومعاون مدير إدارة شؤون الضباط كمركز بحد ذاته مركز، ولكنه ليس مركزاً أساسياً بالنسبة للدولة، ولا أريد بهذه المناسبة أن أقلل من الخدمات الجلى التي قدمها الرفيق “صلاح” عند استلامه لهذا المركز وخاصة في أوائل الثورة، ولكنني أناقش الأمر من زاوية أخرى وهو أن السلطة أصبحت هنا في هذا المركز. بعد فترة انتقل الرفيق “صلاح” إلى رئاسة الأركان العامة وأصبحت السلطة في رئاسة الأركان، وأنا بالذات ويعرف الرفيق “صلاح” أنني أدرك هذا الشيء، لأنني عضو معه في اللجنة العسكرية، ولأنني مرتبط معه بعلاقة الرئيس المرؤوس من خلال عملي في القوى الجوية وكانت هناك أشياء تتعلق بي بالذات وباعتباري كنت ممثلاً للقوى في اللجنة. هناك كثير من القرارات كانت تتخذ في اللجنة ولا ينفذها اللواء “صلاح” آنذاك كرئيس أركان “لأنها لابد لها من قرار تنفيذي” إلا عندما يقتنع.. وبتقديري يذكر الرفيق “صلاح” بعضاً من هذه الأمثلة..
بالنسبة للحزب عندما كان الرفيق “صلاح” عضواً في القيادة القومية، كانت القيادة القومية كل شيئ، وأصبحت اللجنة العسكرية ثانوية جداً.. هنا في هذا المؤتمر كان معي في أول قيادة قطرية وكان أمينها العام “حمود الشوفي”، كان معي بعض الأعضاء الموجودين حالياً في هذا المؤتمر لم يسمح لنا أيها الرفاق ونحن أعضاء القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي بأن ندخل المجلس الوطني، لم يسمح لنا إطلاقاً، رغم أننا أعضاء قيادة قطرية، وثلاثة منا، وهم العسكريون أعضاء أيضاً في اللجنة العسكرية، لم يسمح لنا.. ودارت مناقشات حادة بيننا آنذاك ولم ندخل المجلس الوطني فئات أخرى غير حزبية.. يا رفاق وأنا لم أذكر شيئاً من عندي.. ولكن هذا ما حصل).

كتب منيف الرزار الأمين العام لحزب البعث عن اللجنة العسكرية:

(كانت اللجنة العسكرية هي قيادة التنظيم العسكري قد استمرت في عملها قيادة للتنظيم العسكري، غير تابعة لاية قيادة حزبية.

وكانت هذه اللجنة، التي اشترك نصف أعضائها في قيادة الحزب القومية والقطرية، تجتمع وحدها، لا للنظر في قضايا التنظيم العسكري فحسب، بل للنظر في كل القضايا المهمة المعروضة على الحكم، أو على الحزب فتتناقش بحرية تامة، وتصل إلى قرار....


انظر:

مروان حبش: ما بين اللجنة العسكرية واللواء زياد الحريري

المراجع والهوامش:

(1). مروان حبش: حول اللجنة العسكرية

(2). مروان حبش: حول اللجنة العسكرية

(3). محمود جديد: اللجنة العسكرية في سورية بين الحقيقة والتوظيف السياسي الطائفي

(4). مروان حبش: حول اللجنة العسكرية

(5). محمود جديد: اللجنة العسكرية في سورية بين الحقيقة والتوظيف السياسي الطائفي

(6). الرزاز (منيف)، التجربة المرة،صـ 94-95

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى