مقالات
خالد محمد جزماتي : حماة وثورة استقلال سورية في أيار عام 1945 (3)
خالد محمد جزماتي – التاريخ السوري المعاصر
أخبار من ثورة استقلال سورية في حماة خلال شهر أيار 1945، الحلقة (3)
كان يوم الأثنين الرابع عشر من أيار 1945 في حماة ظاهره يوماً عادياً، ولكن الناس في المدينة وبلدات ريفها الفسيح الأرجاء يعلمون علم اليقين أن تداعيات ما حدث يوم الأحد في الملعب سيكون لها شأن عظيم، ولكن الذي طغى على المدينة قوة الشباب الثائر على الفرنسيين وأعوانهم الجواسيس والقلة من الممالئين.
أما محافظ حماة ورئيس شرطتها وقائد دركها، فكانت قضية إنزال العلم الفرنسي من على مقر الأمن العام وتمزيقه تشغلهم وخاصة تفكير القيادة الفرنسية حول ذلك وهم يعتبرون أن ذلك إهانة للجيش الفرنسي الذي يحميه، وإهانة الجيش الفرنسي هو اهانة لفرنسا كلها.
ومع كل الشائعات التي بدأت ببثها دائرة الاستخبارات الفرنسية حول الانتقام القادم من الوطنيين الثائرين، والذي زاد الطين بلة وصول الأخبار السيئة عما يفعله الفرنسيون بالمواطنين السوريين من ماّسي في المحافظات السورية الأخرى، فتتأجج العواطف ويزيد الإصرار على متابعة النضال السلمي والحربي.
ومن الأحداث المهمة التي جرت قيام المحافظ خالد الداغستاني بدعوة أكثر من سبعين رجلاً من وجهاء حماة ومشايخها، حيث بحث معهم تداعيات ما حصل وخاصة قضية انزال العلم الفرنسي وتمزيقه…!
وكانت أجوبة الأعيان من رجالات حماة كما هي ارادة مواطنيهم .. متابعة الصراع مع العدو المحتل حتى يرحل ….تلك هي ….
تابعت دوائر المخابرات الفرنسية عملها لترهيب الشعب، ولكن عبثا ذهبت أفعالهم..! فقد تقرر إعلان الإضراب العام في المدينة إعتباراً من يوم السبت التاسع عشر من أيار 1945 باتفاق جميع فعاليات المدينة…
وأضربت المدينة يوم السبت كما تقرر، وأيضا أضربت المدارس جميعها حتى الابتدائية منها.. وبقي هذا الإضراب الشامل حتى تاريخ 5 حزيران 1945 أي خمسة عشر يوماً.
وقد جرت خلال الإضراب حوادث كثيرة تمت السيطرة عليها من قبل شرطة المدينة ودركها، وأهم الإجراءات التي نفذها الفرنسيون إنسحاب سرية الخيالة مساء يوم الاثنين الحادي والعشرين من أيار 1945 من خان الشعبة الى ثكنة الشرفة، وأيضا تابع الفرنسيون إخلاء جميع مقراتهم في المدينة، ولم يبق سوى منازل عوائل الضباط وبعض الرتباء والجنود، وفي هذا السياق سيعلم القاصي والداني كم هي شيم العرب ناصعة باهرة، حيث حافظ الحمويون على تلك البيوت التي تضم عائلات ضباط عدوهم وجنوده وزودوهم بالماء والطعام، وأكرموهم بالأمان. ولقد جرت بعض الحوادث أثناء الاضراب نلخصها لفائدتها:
– أول يوم للإضراب قامت وفود عدة بزيارة عطوفة المحافظ شاكرة له موقفه الوطني النبيل ومعه قيادة الشرطة والدرك…
– يوم الأحد العشرين من أيار 1945 أصدر المحافظ خالد الداغستاني أمرا الى قائد الشرطة وزميله قائد الدرك بمنع دخول سيارات الجيش الفرنسي الى المدينة.
– عصر يوم الأحد ومع زخات من المطر وصل وفد “ســلــمــيــة” الوطني وعدده ثمانون محارباُ مدججين بكامل سلاحهم وعتادهم، وقد نزلوا من سياراتهم حاملين الأعلام السورية واللبنانية والعراقية والمصرية والسعودية ، طافوا بها مختلف أرجاء حماة، ثم قصدوا المحافظ يعرضون عليه تطوعهم للقتال الى جانب اخوانهم في حماة ، وألقى السيد اسماعيل خنسة كلمة وطنية جامعة أمام الجماهير المحتشدة معلنا الوجدة الوطنية الشعبية ومرحبا بقتال المحتل الفرنسي حتى تحقيق الاستقلال ، وبهذا الصخب الوطني الرائع أجابه الشيخ العلامة سعيد الجابي بكلمة بليغة كان لها الوقع العظيم في نفوس الجميع ..، ثم غادر الوفد السلموني ساحة العاصي متوجها مع الجميع الى ” بيت الشباب ” ، فكان على رأس المستقبلين الدكتور محمد السراج الذي رحب بهم أجمل ترحيب ، ثم ارتجل كلمة وطنية رائعة عبر فيها عن جمال وقوة الوحدة الوطنية وعظمة نتائجها ، وبعد انتهاء السراج من خطابه ارتجل السيد اسماعيل خنسة ( من السلمية ) خطبة جوابية عبر فيها عما يجري من نشاطات وطنية صادقة في بلدة السلمية ومن حولها من رجال القبائل الأشداء ..وتتابع الخطباء في بيت الأمة مثل المهندس خضر الشيشكلي والدكتور محمد السراج وغيرهم …
ولقد ذكرت بعض المصادر أسماء عدة أشخاص من أعضاء وفد السلمية وهم : أحمد الناصر — المحامي يوسف أبو حمود –خضر محمد عواد — اسماعيل عواد — اسماعيل خنسة — اسماعيل رستم –حسين شحود — عزيز الشيخ أحمد –اسماعيل بصل –عبد الحميد أحمد غفر — ….وقد عاد الوفد مساءا الى السلمية مودعا بأحسن ما استقبل به ، وقد تركت زيارته أثرا بالغا في نفوس الأهلين بحماة …
— دخلت حماة يوم الأربعاء 23 أيار 1945 سبع سيارات كبرى يركبها وفدا ثانيا ، من مجاهدي السلمية وأفرادا من عشيرة بني عز والنعيم ، يقودهم السيد محمد الجندي ( والد الدكتور سامي الجندي ) ، وهم مسلحون بسلاحهم الفردي الكامل ، وكان اللافت بهذا الوفد اصطحابهم لعدد من المدافع الرشاشة ، وهذا ما فرح به الحمويون كثيرا ، وقد استقبلهم محافظ حماة أحس استقبال ، ملقيا بهم وبالجماهير المحتشدة من السلمية وعشائرها كلمة ترحيبية وطنية جميلة ، يدعوا فيها الجميع الى الهدوء وتحضير الجميع لما يترتب عليه العمل لمنازلة المحتل البغيض …، وقد أجاب من الوفد السيد سليمان عيسى بكلمة جوابية حيا بها المحافظ والشرطة وقادتها وجماهير حماة وأعيانها وأبدى استعداد شعب السلمية وعرب البادية لشد أزر المجاهدين في حماة قولا وفعلا ، ثم ألقى من الوفد أيضا السيد قاسم أبو حمود كلمة حماسية ألهب الجماهير بها ، ثم ألقى الشاعر أنور الجندي قصيدة رائعة شرحت الموقف الوطني الملتهب ، ثم أنهى السيد محمد الجندي كلمات الوفد بارتجاله كلمة يفوح من كلماتها صدق الموقف ودقة العمل الجامع والتوق الى التضحية والنزال . وفي الختام ألقى المجاهد الحموي المعروف عبد الرحمن الشارع ( أبو رميح ) كلمة حيا بها الوطن وأهله ودعا الى وحدة الصف بين الجماهير وقادتها وبين محافظ المدينة وشرطة المدينة ودركها ، والحفاظ على أبنية الدولة في المدينة والاهتمام بعائلات العسكريين الأجانب والعناية بهم …ثم قصد الوفد مع الجماهير بيت الأمة القائم في سوق الصاغة بحي المرابط بحماة ، وبعد الاستماع الى الكلمات الترحيبية المتبادلة ، لبى الوفد دعوة العشاء من قبل أعضاء جمعية المحالبة في حماة والتي تناصر حزب الشباب الذي أسسه المرحوم عثمان الحوراني بين عامي 1937- 1938 .، فكان على رأس المستقبلين عند وصول الوفد الضيف والجماهير المرافقة له السيد خالد مراداّغا والسيد محمد خير النوري وعبد الحليم الحوراني وابراهيم اّغا البرازي وغيرهم ….وبعد العشاء وبعد شرب الشاي عاد الوفد الى السلمية في وقت متأخر من الليل مودعين بالحفاوة التي تليق بالوفد وبأهل حماة.
انظر:
خالد محمد جزماتي : حماة وثورة استقلال سورية في أيار عام 1945 (1)
خالد محمد جزماتي : حماة وثورة استقلال سورية في أيار عام 1945 (2)