وثائق سوريا
كلمة الجنرال هنري غورو بحلب في أيلول 1920
خطاب الجنرال غورو في حلب
يا حضرة الوالي والسادة الحاضرين:
قبل يومنا هذا بسنين كان أحد الفرنسيين ممن يجولون في سورية يصف لي مدينة حلب بعبارات الإعجاب، ويذكر لي تاريخها القديم الذي بقيت هذه القلعة العظيمة شاهدة عليه، ويذكر لي أيضاً علماءها وتجارها وخصب أرضها وموقعها الجغرافي الجميل.
من يومئذ وأنا أتمنى أن يساعدني الحظ لأقف عليها يوماً ثم توالت السنون وتتابعت ولم أحصل على تحقيق أملي إلا أن تحقيقه كان امراً مقدراً عند الله تعالى، وها أن واقف الآن بين أفاضل سكان حلب فأكرر عبارة الشكر لكم يا حضرة الحاكم ولجميع رؤوساء الإدارات الملكية ورؤساء الأديان لما لقوه من الخطب العظيمة.
يستغرب من يذكر حلب في عهد ليس ببعيد لما كانت عبارة عن مراكز إدارات العصابات التي تخرب البلاد وكادت أن تؤدي بها إلى الهلاك وذلك مع وجود حكومة غير صالحة ومن اعزاء مديرين خائنين وكان من حسن حظكم أن خصكم كريم، وأن خمائلكم العقلية والتفاتكم إلى عواقب الأمور منعتكم من بلايا الحرب.
إنكم فتحتم أبوابكم للجيش الأفرنسي لما كنتم تعتقدون في باطنكم أنه آت إليكم ليحرركم رغماً عن الإشاعات الكاذبة المفترية التي روجت بينكم في حقه.
فليقم من يدعي الحلبيين نادمون على ما وقع في اليوم الـ 24 من تموز وليقم من لا يعترف بكون الافرنسيين يحترمون الدين الإسلامي كاحترامهم الطوائف المسيحية وأعراض وأموال الأهالي وأن باعثهم ليس قصد الاستعمار، بل روح الولاء ومعاضدة الصديق.
لقد أردت أن آتي إليكم قبل اليوم، ولكن تراكمت أشغالي ولم تترك لي سبيلاً للإتيان ومع ذلك فلا سبيل للندامة على التأخير إذ أنني واقف الآن بينك في غد اليوم الذي أعلن فيه استقلال حكومة حلب وأشرقت شمس أمانيكم من غير مانع لها فيما بعد.
إن فرنسة لما قبلت الانتداب في سورية صرحت باستعدادها للالتفات إلى رغائب الشعوب المعلنة من غير إكراه.
وكان من البعيد والحالة هذه أن أتردد في أمر إعطائكم استقلالكم بعد أن بلغني مضابط عديدة بإمضاء ألف الألوف من أشخاص يمثلون كل طبقات الأمة بها يلتسمون ذلك الاستقلال الذي هو محق من وجهة طبيعية وأهمية وثروة حلب وموقعها الجغرافي حتى يحق لها أن تدعى “ملكة سورية الشمالية”.
لقد أبيحت لكم الأماني كلها حيث ضممتم إلى مقدرتكم الطبيعية كل ما لفرنسة أن تمنحكم من تدابير مستشاريها أو إشراك أموالها وآلاتها وأسبابها الاقتصادية. إنما تحقيق الأماني متوقف على الأمن التام في سائر البلاد في السهول والجبال وفي المدن والبوادي.
على أن جيشنا وإن كان مستعداً لمحاربة من يحاول أن يخل بالأمن وليس عندي عدو إلا هؤلاء – فمن الواجب عليكم ومن صالحكم أن تساعدوا الجيش في ذلك.
قلت واجب عليكم لأن جيشنا حاضر ليدافع عن حياتكم وقلت من صالحكم لأنكم إذ جعلتم نصب أعينكم تحقيق المشاريع العمومية التي منها جلب المياه الغزيرة وري هذه السهول الواسعة في شرق حلب حتى يعود إليها خصبها المضروب به المثل وتخطيط البلاد بالطرق، وأن تجعل بين حلب وإسكندرونة صلة السكة الحديدية حيث ينشأ منفذ على البحر لجميع سورية الشمالية من البحر إلى نهر الفرات والدجلة لابد لذلك كله من الأمن في البلاد فمن ذا الذي يخاطر بأمواله في بلاد لم تزل فيها اللصوصية سائدة.
أيها السادة زيارتي الأولى لحلب أثرت فيّ تأثيراً جميلاً حملني على الثقة في مستقبلكم، ومما يبرهن لكم زود تأثري، أنني أقمت صديقي الجنرال ده لاموط للنيابة عني لديكم، وسوف يظهر ما عسى أن تحصلوا عليه من الخيرات من مساعيه ومن غيرته ان كنتم تخولونه ثقتكم.
إنني أرفع كأسي تحية لاستقلال وثروة حلب مليكة سورية الشمالية.