شهادات ومذكرات
الانفصال في مذكرات الفريق جمال الفيصل – تكريس الانفصال (4/4)
كتب الفريق جمال الفيصل في مذكراته عن تفاصيل وحوادث الانفصال ما يلي:
تكريس الانفصال :
مقابلة الرئيس عبد الناصر يوم الانفصال :
ذهبت والمشير عامر من مطار القاهرة إلى منزل الرئيس عبد الناصر في منشية البكري وقام المشير بإطراء موقفي وحدث الرئيس عن تفاصيل ما جرى ومساندتي له وشكرني الرئيس على موقفي الشريف.
وفي اليوم التالي للانفصال أي صباح يوم الجمعة ١٩٦٢/٩/٢٩ أبلغني القصر الجمهوري بدعوة الرئيس لي لحضور الاجتماع الشعبي الذي سيقام في الساعة الثالثة بعد الظهر وقد حضره نواب الرئيس والوزراء وأكثر من نصف مليون مواطن مصري وألقى الرئيس كلمة شرح فيها أحداث يوم الانفصال الأسود.
بقيت في القاهرة مدة ثلاثة أشهر وقابلت فيها المشير عامر عدة مرات لأسباب مختلفة منها معالجة قضية وفد الضباط الانفصاليين الذي جاء إلى القاهرة.
وفد ضباط الانفصال إلى القاهرة
بعد مضي ما يقرب من شهر على قيام الانفصال وصل إلى القاهرة وفد عسكري مؤلف من ثلاثة ضباط برئاسة العقيد الطيار زهير عقيل. وقد جاء الضابط المذكور لزيارتي في منزلي وطلب مني التوسط لدى المشير لتسوية الأمور التالية:
١- وقف المهاترات الإذاعية بين مصر وسوريا.
٢- إعادة تسيير البريد والخدمات البرقية.
٣- إعادة تسيير الطيران التجاري بين القاهرة ودمشق.
وقد قمت بإبلاغ المشير عامر هذه المطالب فرفض البحث فيها إطلاقاً كما رفض استقبال أعضاء الوفد.
تكريس الانفصال في دمشق
في اليوم التالي ليوم الانفصال أعلن عن تشكيل وزارة سورية انفصالية برئاسة السيد مأمون الكزبري ذو الميول الأمريكية ورئيس مجلس نيابي سابق في عهد الشيشكلي. تظاهرت هذه الوزارة بالدعوة لقيام وحدة بينما كانت تعمل على تعميق جذور الانفصال ، وكان من أولى الأعمال التي قامت بها حكومة الكزبري :
-إصدار قانون بتشكيل المجلس العدلي لمحاكمة الوحدويين السوريين . وللمجلس العدلي تاريخ بغيض في سوريا حيث شكله الفرنسيون لمحاكمة الوطنيين السوريين وقمع الحركات الوطنية.
-توقيع مرسوم بإحالتي على التقاعد اعتباراً من يوم ١٩٦١/٩/٢٩.
وعند قيام دولة الانفصال تم الاتصال بالرئيس السابق السيد شكري القوتلي الذي كان يستشفي في سويسرا وطلب منه تأييد الانفصال فأيده وقد أسفت لهذا الموقف منه. كما تداعى السياسيون القدامى إلى عقد اجتماع لهم في دمشق وعقد الاجتماع في منزل السيد أحمد الشرباتي وزير دفاع أسبق وبنتيجة الاجتماع أصدروا بياناً أيدوا فيه الانفصال وأرسوا قواعده تقرباً من الضباط الانفصاليين وقد وقع على وثيقة الاجتماع كل من: أحمد قنبر، رشاد جبري، سهيل الخوري، هاني السباعي (من حزب الشعب)، أسعد هارون، حسن مراد، صبري العسلي، محمد العايش، نجيب الأرمنازي (من الحزب الوطني)، أكرم الحوراني ،صلاح الدين البيطار (من حزب البعث)، بشير العظمة (شيوعي)، فؤاد قدري، حامد الخوجة (عشائر)، أحمد الشرباتي، خالد العظم (مستقلين).
وقد أسفت كثيراً عندما علمت بأن السيد صلاح الدين البيطار وقع على وثيقة كهذه.
من هو مأمون الكزبري
مأمون الكزبري محامٍ درس المحاماة في فرنسا واحترف السياسة فعين رئيساً للمجلس النيابي السوري خلال فترة حكم الشيشكلي ثم وزيراً للعدل خلال فترة حكم التجمع التي سبقت قيام الوحدة السورية المصرية. ورد اسمه في التقرير الذي رفعه علي عبد الكريم الدباح الدندشي والتقرير المذكور يتألف من ٧٠ صفحة يذكر فيه كاتبه كافة المؤامرات الأمريكية للتدخل في شؤون سوريا الداخلية وأحداث الانقلابات العسكرية فيها وأسماء السوريين المشتركين فيها وأدوارهم التي قاموا بها والمبالغ التي قبضوها.
تسفير الضباط المصريين من دمشق والسوريين من القاهرة
قامت جامعة الدول العربية بتنظيم عمليات سفر الضباط المصريين والسوريين ، وقد جرت عملية النقل بواسطة بواخر مصرية انتقلت بين بيروت والاسكندرية حملت الضباط وعائلاتهم وحوائجهم المنزلية ومفروشاتهم . وقد عومل الضباط السوريين معاملة حسنة خلال أيام السفر، أما الضباط المصريين فقد عوملوا في دمشق معاملة سيئة حيث جرى تجميعهم واعتقالهم في أبنية معرض دمشق الدولي وقد أطلعني المشير عامر على بعض الصور المسيئة التي أخذت للضباط المصريين في مراكز تجميعهم.
المقابلة الأخيرة مع الرئيس عبد الناصر والسفر إلى سوريا
في الأيام الأخيرة من كانون الأول ١٩٦١ اتصل معي هاتفياً المقدم علي شفيق وأعلمني أن الرئيس عبد الناصر ينتظرني في منزله بمنشية البكري. و في الساعة الحادية عشرة من صباح اليوم التالي رحب بي واستقبلني اسقبالاً ودياً واعتذر عن عدم مقابلته لي خلال مدة وجودي في القاهرة لأشغاله الكثيرة التي نتجت عن الانفصال. وقد ختم حديثه قائلاً بالحرف الواحد: (لن أنسى ما حييت موقفك في يوم الانفصال وإني أقف معك في كل وقت وأينما كنت). وعندها شكرته واستأذنته بالعودة إلى سوريا فقال لي: (إني أضع تحت تصرفك الوظيفة التي تريدها سواءً كانت عسكرية أو مدنية)، لكني اعتذرت عن ذلك وأنبأته بعزمي على العودة إلى سوريا وودعني إلى باب بيته. وفي أوائل كانون الثاني ١٩٦٢ قابلت المشير عامر في منزله بحي الزيتون وأعلمته بعزمي العودة إلى سوريا فظهرت عليه علامات الاستياء ثم وافق على عودتي. ويوم ١٩٦٢/١/٥ أعلمت الوزراء السوريين السابقين الموجودين بالقاهرة بنبأ سفري إلى دمشق ورافقني إلى المطار السيدان أحمد حنيدي وجمال الصوفي وعند وصولي إلى مطار الماظة الحربي وجدت في وداعي الفريق علي عامر رئيس أركان القوات المصرية والفريق جمال عفيفي نائب قائد القوات الجوية والرائد شمس بدران مدير مكتب المشير والمقدم علي شفيق مرافق المشير. وتم تجهيز الطائرة الخاصة بالمشير التي هبطت في بيروت حيث استقبلني اللواء شميط رئيس الأركان اللبناني في وزارة الدفاع اللبنانية وكنت على معرفة سابقة به ، ومن مكتبه اتصلت هاتفياً باللواء نامق كمال رئيس الأركان السوري وأعلمته أني عائد لدمشق فأرسل سيارة أقلتني وكان فيها الملازم أول حناوي أحد تلاميذي السابقين.
تشكيل حكومة الانفصال للمجلس العدلي
بدأ الانفصاليون بمهاجمة حكم الوحدة والتشهير بالرئيس عبد الناصر، وكان من جملة أعمال التشهير إحداث مجلس عدلي لمحاكمة مؤيدي الوحدة وتحويل المحاكمات إلى منبر للخطابة لانتقاد الرئيس عبد الناصر وتجريحه عن طريق محاكمة الوحدويين. وللمجلس العدلي في سوريا تاريخ أسود لأن المفوض السامي الفرنسي كان يشكله للانتقام من رجال سوريا الوطنيين أيام حكم الانتداب الفرنسي على سوريا. تشكل المجلس العدلي وأعطى صلاحيات إصدار الأحكام المبرمة دون اتباع أي طريق من الطرق التي تحتمها أصول المحاكمات، وقد قدمت إلى المجلس المذكور دعاوي كثيرة منها ما أقيم علي بصفتي قائداً للجيش الأول قد ردت واعتبرت باطلة بعد أن ثبتت قانونية الإجراءات التي اتخذت بحق مقيميها.
الدعاوى المقدمة للمجلس العدلي ضد قائد الجيش الأول
كان من المألوف أن يقوم رؤساء الأركان منذ عهد حسني الزعيم بتوقيف الأشخاص الذين يعارضون سياستهم في سجن المزة العسكري ، إلا أنني امتنعت خلال فترة قيادتي للجيش عن توقيع أوامر التوقيف كما منعت الشعبة الثانية من توقيف الأشخاص دون محاكمة. ومن ثم فقد أنيط أمر التوقيف بوزير الداخلية بناءً على تفويض من رئيس الجمهورية وفقاً لأحكام قانون الطوارئ. كما أنني قد خولت صلاحية التوقيف في منطقة الجبهة وفقاً للقانون المذكور، إلا أنني لم أستعمل صلاحيتي هذه مطلقاً. أما التوقيفات التي كانت تتم في سجن المزة العسكري فقد اتفقت مع وزير الداخلية على أن يرفق كل مذكرة توقيف بكتاب يبين فيه أن التوقيف قد تم يناءً على أمره ووفقاً لقانون الطوارئ. وكان لهذا التدبير الأثر القانوني الكبير عندما أقيمت دعاوى التوقيف غير القانوني وحجز الحريات على قائد الجيش الأول بعد الانفصال. ونتيجة التحقيق القضائي الذي قام به قضاة المجلس العدلي تقرر عدم مسؤوليتي عن التوقيفات المذكورة.
اقرأ:
الانفصال في مذكرات الفريق جمال الفيصل – ما قبل الانفصال (4/1)
الانفصال في مذكرات الفريق جمال الفيصل – تنفيذ الانقلاب (4/2)
الانفصال في مذكرات الفريق جمال الفيصل – وفاءٌ للقسم (4/3)