وثائق سوريا
حقوق الأقليات المهضومة.. بيان فارس الخوري قبيل انتخابات عام 1928
حقوق الأقليات المهضومة.. البيان الذي أصدره فارس الخوري قبيل انتخابات الجمعية التأسيسية عام 1928والذي نشر في الصحف قبل الانتخابات في الثالث عشر من نيسان عام 1928م.
نص البيان:
كتب إلي وشافني كثيرون من الأصدقاء غير العارفين بالسبب يعجبون من عدم ظهور اسمي بين المرشحين للنيابة في المجلس العتيد، فرأيت من الواجب إذاعة هذا البيان ليطلع عليه الجمهور في الداخل والخارج ويعذروني على وقوفي موقف المتفرج في هذه الغمرة التي تحتاج فيها الأمة إلى جميع كفيات أبنائها.
وذلك أن قانون الانتخابات الذي وضعه الجنرال ويغان لدولة دمشق سنة 1923 فيه المادة الثانية تحرمني حق الترشيح وتمنع الناخبين من انتخابي، وهي أن الطائفة الصغيرة “مثل الطائفة البروتستانتية” التي أنا منسوب إليها” إذا كان عدد رجالها لا يزيد عن ثلاثة آلاف ناخب تضم إلى طوائف أخرى مثلها، ويخصص كرسي للنيابة الناشئ عن هذا الضم للطائفة الكبرى بينها، وبهذه الصورة ضموا طائفتنا وأمثالها من الطوائف الصغرى في دولة دمشق إلى طائفة السريان التي أكثر عدداً وأوجبوا أن يكون هذا النائب عن هذه الأقليات سريانياً حمصياً ما منع حق الترشيح عن كل بروتستانتي أو ماروني أو درزي أو لاتيني في البلاد السورية كافة.
اعترضت على هذا القيد في حينه وطلبت أن يباح حق الترشح إلى هذا الكرسي الخاص بالأقليات الصغرى لكل فرد من أفرادها الذين أصبحوا بانضمامهم إلى بعضهم متساوين في الحقوق وكل قانون انتخاب لا يكون صحيحاً إلا إذا فسح مجالاً لكل وطني حائز على الأهلية الشخصية أن يتقدم لترشيح نفسه لخدمة بلاده، ولا يجوز أن يحرم هذا الحق السياسي المعدود أقدس الحقوق العامة أحد من الناس، كما أنه محذور على الدولة المنتدبة بنص صك الانتداب وبصفتها دولة مدنية راقية أن تسن قانوناً يخابي بين الأديان وينشط طائفة على أخرى.
وقد كان رجال المفوضية قانعين بصواب احتجاجي كما صرحوا بذلك لي ولغيري، وبدليل أنهم يطبقون في لبنان نفس القاعدة التي طلبت تطبيقها.
لما جاء موعد هذا الانتخاب كتبت لفخامة رئيس الوزراء ولفخامة المندوب السامي طالباً إليهما إعادة هذا الحق المسلوب لأتمكن أنا وغيري من رجال الأقليات من التقدم للتعاون مع نواب الأمة في وضع دستور البلاد، كما أن الزعماء الوطنيين عندما اجتمعوا في مؤتمر دمشق لم يهملوا الاحتجاج على هذه المادة، فطلبوا رفع القيود للنيابة عن الأقليات فتصان الحرية الموعود بها، وأوفدوا منهم عصبة طيبة راجعت رئيس الوزراء بهذا الشأن بإلحاح شديد، وأبرق الزعيم الوطني هاشم بك الأتاسي للمفوض السامي طالباً رفع هذن العقبة من طريقي وأكثرت الصحف في البحث بهذا الموضوع مطالبة بالحق ومعلية استنكار الأمة بهذا القيد الجائر.
رغماً عن كل هذه الوسائل وعن اقتناع أولياء الأمر بأن طلبنا حتى لا يمارى فيه بقيت مساعينا عقيمة ونشر قانون الانتخاب بقيوده القاسية وبوشر إنفاذه بعد أن عدلوا فيه ما هو لغير مصلحتنا بدون أن يعطونا جواباً أو يقيموا لمراجعتنا وزناً، وهكذا شاءت “الساطة” أن تحرمني شرف خدمة بلادي في مجلسها النيابي وأجبر على البقاء في الموقف الجامد بعيداً عن ساحة الجهاد التي أفنيت أيامي في إعدادها.
يوم لم يكن للأمة نواب منتخبون كان أحرارها يجاهدون في المطالبة بتحقيق ميثاقها، أما الآن فإن هذه الجهود المتفرقة تجتمع في مركز واحد هو المجلس النيابي الناطق باسم الأمة، والعامل في سبيل مصلحتها والآخذ على نفسه مسؤولية مستقبلها، وإيصالها إلى حقوقها وعما قليل يجتمع النواب الكرام ويقولون كلمتهم عن هذه القيود التي إنما قصد منها اقصاؤنا عن ميدان العمل وإبقاؤنا بمعزل عن الإشتراك في نتيجة أمر قاسينا لأجله أفجع الآلام.
لا أدري ماذا تقول جمعية الأمم التي صرحت في المادة الثامنة من صك الانتداب “يمنع إحداث أي فرق بين الأشخاص الساكنين في سورية ولبنان بسبب الفروق الدينية” إذ عرفت أن السوري البروتستانتي أو الماروني أو الدرزي أو اللاتيني لا ينال حقوقه السياسية إلا إذا ترك دينه واعتنق ديناً آخر.
وعلى كل حال فإني أتمنى للنواب الكرام أو الذين ستختارهم الأمة لتعيين مقدراتها وتقرير مصيرها أن يتوفقوا إلى طريق السداد ويحققوا ميثاق البلاد.
فارس الخوري