مقالات
د. سعد طه كيّالي : إطلالة على دور المرأة “الحلبيّة” في النضال .. حقبة الانتداب الفرنسي أنموذجاً
د. سعد طه كيّالي – التاريخ السوري المعاصر
إثر دعوة رجالات الكتلة الوطنية إلى الإضراب، في الأول من شهر شباط عام 1936 تعبيراً عن استيائهم وسخطهم من سياسات الحكومة الحليفة للسلطة المُستعمِرة، قامت أجهزة الإنتداب في الخامس عشر من شباط باعتقال السادة سعد الله الجابري والدكتور حسن فؤاد إبراهيم باشا والمحامي نعيم أنطاكي، لرفضهم التوقيع على تعّهد بإنهاء الإضراب.
وفي الخامس والعشرين من شباط بادرت سلطة الإنتداب إلى مداهمة المحلات التجارية القريبة من ثكناتها العسكرية في حلب، ومنعت الأهالي من تأدية الصلاة في المساجد،
كما قامت بتفتيش المنازل بحثاً عن السلاح، وذلك بهدف ترويع السكان وقمعهم، للحدّ من المظاهرات وإنهاء حركة الإضرابات.
ضمن سياق تلك الأحداث، لا بدّ من التنويه حول الدور المُشرّف الذي لعبه الأغنياء من مزارعين وتجّار ومتوسطي الحال، في جمع التبرعات ودقيق القمح وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين، عبر لجان من أهل الصدق والأمانة، حيث لم تقتصر هذه المبادرة على الرجال فقط، بل كانت النساء يعملن جاهدات لجمع الإعانات وتوزيعها على الجرحى والمصابين.
وتجدر الإشارة إلى عدم حدوث تعدّيات أو سرقات في تلك الفترة العصيبة، على الرغم من ألم الحرمان، وشظف العيش، الناجمان عن إغلاق الأسواق والمرافق التجارية.
إضافةً إلى الدور النضالي للمرأة الحلبيّة في تلك الفترة، التي تجسّدت من خلال المساعدات الإنسانية، التي نوّهنا عنها آنفاً، ساهمت النسوة الحلبيات إبان تلك الأحداث، في التضامن مع رجالات الكتلة الوطنية، وذلك من خلال برقية احتجاج تم توجيهها إلى وزارة الخارجية الفرنسية عبر المفوّض السامي، بتاريخ 18 شباط / 1936 موقّعة من ثلاث وخمسين سيدة وآنسة، أورد بعضاً مما جاء فيها:
(إنّ استياء الأهالي واحتجاجهم الصامت بالإضراب من الأوضاع الحاضرة، ليس ذنباً يوجب تحدّيهم، واستغلال السلطة لقوتها تجاه ضعفهم، وانتقامها من كلّ مَنْ يُحب الاستقلال لوطنه، وظهورها بالعداء المسلّح ضد الأهالي العزّل، وتحرّي المنازل ليلاً لإلقاء الرعب والرهبة، ودوام الاعتقالات دون محاكمة، والمُجازاة بالأحكام الظالمة، وقتل النفوس البريئة .. وما إبقاء الانتداب الممقوت في نفوس السوريين من ألم وقلق، لذا نطالب باستدراك الأمر سريعاً وإجابة المطالب، التي ما زال الزعماء ومن ورائهم الشعب يطالبونكم بها.
نرجو التلبية وإبلاغ معروضاتنا إلى وزارة الخارجية الفرنسية.
التوقيع: شكرية سباعي، عْلْوية كيّالي، حميدة جابري، إحسان صوّاف، عدَوية محفّل، زينب رستم، نهيدة فرّا، فاطمة قدسي، حكمت كوراني، عليّة وفائي، خالدة مدرس، أمينة درويش، فطوم سمّاقية، عائشة جزماتي، وهّوب كوزم، إجلال حصري، فوزية غوري، بديعة ميسر، الكسندرا تيودوري، بدرية عايش، رضية حيّاني، عليّة نيّال، خيرية ونّس، ذكية منجّد، جميلة أنطاكي، جنفياف كلداني، انطوانيت عريس، سنيحة سنسول، انجيل ربّاط، فخرية فحل، قدرية شبارق، وهّوب شريف، انجو زمرود، فرجيني قزانجيان، لطفية تبني، مديحة قلعه جي، منيرة نشّار، رمزية عطري، ثريا عقاد، وهّوب ورد، بديعة طبّاخ، فخرية بازرباشي، صبيحة مرعشي، فاطمة جمالي، رضيّة حجّو، رمزية أميري، عائشة زرقا، مديحة هاشم.
وفي الختام أقول إنّ المرأة كانت وماتزال ذلك الرمز السرمدي للخصب والعطاء والإيثار والحنان … والقائمة تطول.
المصدر:
– المراحل (في الانتداب الفرنسي وفي نضالنا الوطني)، الدكتور عبد الرحمن الكيّالي، الجزء الرابع، حلب مطبعة الضاد، 1960.
انظر:
د. سعد طه كيّالي : إطلالة على ملفات الكتلة الوطنية
د. سعد طه كيّالي : الزغاريد والهنهونات الحلبيّة في مؤلفات الأسدي
د. سعد طه كيّالي : المبادرات الأهلية في دعم التعليم بحلب ..
د. سعد طه كيّالي : حكاية أولى السيارات في حلب
د. سعد طه كيّالي: “رقص السماح” بين التصوّف والتراث الشعبي
د. سعد طه كيّالي: سعد الله الجابري والصحافة
د. سعد طه كيّالي: الكهرباء في حلب .. من البداية إلى التأميم
د. سعد طه كيّالي: الأحزاب السياسية “الفئوية” في حلب في عهد الانتداب الفرنسي
د. سعد طه كيّالي: قصة إنشاء “الترامواي” الكهربائي في حلب
د. سعد طه كيّالي : تاريخ وتطور صناعة “الشوكولا” في حلب