مقالات
د.عادل عبدالسلام (لاش): المناضل موسى (يورة) شنبة في دمشق
د. عادل عبدالسلام (لاش) – التاريخ السوري المعاصر
بعد عقود من العمل الملتزم في الجمعية الخيرية الشركسية للمجتمع، وخدمة المكون الشركسي السوري سنوات وسنوات بقيادة مجموعة غيرية غيورة ومخلصة، تميزت بالنشاط الكبير في العمل مع (الهيئة العليا للنازحين الشركس) في فترة نزوح قرابة 18000 فرد من أهلنا من شركس الجولان، باستقبالهم وتوفير المساعدات والمعونات والإيواء لهم ، والإلتزام بمبدأ (عدم إيواء إي نازح شركسي في خيمة أو مخيم)، الذي تم تتويجه ببناء مساكن لهم على أرض قدمها أهالي قرية مرج السلطان……
بعد هذه المرحلة تكالبت على الجمعية فئات أخرى ذات أهداف ومصالح معينة…فازت في انتخابات الجمعية في دورة 1984. ونبذت أي تعاون وعمل مع من سبقها في بناء هذه المؤسسة اليتيمة للشركس…فقام الغيورون الشركس بتشكيل تجمع شعبي حر مستقل خارج الجمعية، عرف بـ: (مجموعة الدكتور-عادل- Дэкторым и Куп) ذات طبيعة اجتماعية محضة، يجتمع أفرادها في سهرة في كل شهر مرة، على مائدة تقتصر على الفطائر الشركسية (الحلجوة) والشاي فقط……. من مبادئها:
1- الإلتزام الصارم بالعادات والتقاليد الأديغية الأصيلة في التحية والسلام، و الجلوس، والتكلم، وآداب الحديث، وطلب الاذن من كبير المجموعة في كل شئ، وأصول المائدة وافتتاح البدء بالطعام والانتهاء منه، ومنها عدم التدخين إلا بإذن… وغير ذلك من قواعد معروفة وأصول بروتوكولية في الهابزة الأديغية..
2- عدم دعم المجموعة، كمجموعة، لمن يرغب من أفرادها في الترشح لإنتخابات الجمعية. ولكن يحق لأي فرد مترشح، التصويت له كأي عادي في الجمعية الخيرية.
3- إنشاء صندوق مالي للمجموعة، يخصص ريعه للمحتاجين من المرضى والمتضررين بحسب تقديرات المجموعة. ويرحب بأية مساعدة طارئة، واستقبال أي زائر أو ضيف، في إطار ماتم الإتفاق عليه من حيث الضيافةالمذكورة….. لكنه وعلى الرغم من الإلتزام بما أتُفق عليه، قام أحد أعضائها الأخ (نجدت علي)، باختراق قاعدة تقديم الفطائر والشاي، فأقام وليمة لم نعهدها، بحجة استضافة يورة شنبة الناشط الشركسي في القفقاس من قبلنا.
إإذ زامنت نشأة مجموعتنا التي عرفت أحياناً باللغة العربية بـ : (جمعية ما بعد الجمعية)، مع أحداث احتضار النظام السوفييتي، الشيوعي، والإنقلاب المدمر الذي قضى على الإتحاد السوفييتي. وما رافقه من ظهورنشاطات متفرقة في المستعمرات الروسية، هدفها التحرر من الإحتلال الروسي الموروث من العهد القيصري. ولم يكن سعي (الهكو)- بلاد الأديغة بمنأى عن محاولات انتهاز الفرصة المناسبة للتحرر…وكانت مشاعرنا ملتهبة لمعرفة الأوضاع في الهكو والمشاركة بها بأية جهود ممكنة وضمن أنظمة الدولة السورية والتقيد بمواقفها.
فكان أن قمنا بإرسال مندوبين عنا إلى الهكووهما: إمام جامع قدسيا المرحوم الشيخ: بدر الدين غش، ويرافقه : عزيز شاكر، بهدف الإطلاع على الأوضاع المستجدة في الهكو…..كما أخذت أسماء بعض الناشطين تصل إلينا وإلى أديغة المنافي ومنها سورية، وكان أبرزها إسم االمناضل الأديغي والناشط القفقاسي الشمالي (موسى-يورة- شنبة). الذي حظينا بلقائه أثناء زيارته الخاطفة لدمشق. ضمن إطار نشاطه للإتصال بالمهجرين الأديغة في المنافي.
موسى (يورة) محمد شنبة من جيل ترعرع وعاش في زمن الحكم الشيوعي السوفييتي، فهو من مواليد سنة 1936، ولد في جمهورية القبرتاي ذات الحكم الذاتي، درس في كلية الحقوق في جامعة روستوف الحكومية بوتخرج فيها بمرتبة كانديدات (عرفت بالدكتوراه المعادلة للماجستير في الجامعات الغربية) في العلوم الأدبية (الفلسفية). ثم عمل أستاذاً مساعداً في قسم العلوم السياسية في جامعة القبرتاي، كما تم نعيينه أمين سر مساعد في اللجنة المركزية لمنظمة الشبيبة (الكومسومول) في الجمهورية. وناشطاً في مجال الصراع بين الأديان والمجموعات الإثنية. وكان يسيركغيره من العاملين في ركاب النظام، فلم يعرف عنه إي نشااط مخالف…
حتى أواخر ثمانينات القرن الماضي والبدايات المبكرة لإنهيار الإتحاد السوفييتي، إذ برز نشاطه الهادف للتحرر من ربقة حكم موسكو في تأسيس ورئاسة ما عرف بـ:( تكتل أقوام القفقاس الجبلية) سنة 1989، ثم رئاسته في تشرين الثاني من سنة 1991 لـ: (كونفيدرالية شعوب القفقاس)، ثم أصبح النائب الأول سنة 1992 لكونغرس الشعب القباردي، لكن نضاله ونشاطاته القومية الصبغة دفعت القوى المعادية، لإعتقاله في أيلول من السنة نفسها بتهمة التحريض على نشر الكراهيىة العرقية، ما فجر في تشرين الأول مظاهرات واحتجاجات في الجمهورية، أدت إلى الإفراج عنه. ومن ثم انتقاله إلى أبخازيا حيث عمل على إنشاء مكاتب قفقاسية في مدينة غوداوتا لمساندة القضية الأبخازية.
لم يقتصر نضال (موسى شنبة) على ما تقدم ، بل قام قبل ذاهابه إلى أبخازيا بزيارة المهجرين الأديغة في المنافي والشتات، وسورية منها بشكل خاص، حيث كان له صديق شيوعي قديم. وفي دمشق، وعلى الرغم من محاولات منعه من الإتصال بنا، أصر موسى على لقاء مجموعتنا، فكان أن استضفناه في أمسية سهرتنا الشهرية، التي أولمنا له فيها بشكل مغاير لما كنا رسمنا لأنفسنا بالإكتفاء بلفطائر الأديغية والشاي فقط. وفيهاعرض موسى لنا وبإسهاب مجريات الأحداث في الهكو، وصحوة التحرر في أنحاء القفقاس بصورة عامة. كما ناقشناه ببض الأمور.
وكان رحمه الله يتوقف في حديثه بين الفينة والأخرى، حين يتصرف أحدنا على هدي الأديغة هابزة، ويظهر إعجابه بتطبيق بنودها وتساؤله عن الحفاظ عليها بعد أكثر من قرن ونصف القرن في المنفى. كما صرح قائلاً: “التزامكم بالهابزة يفوق ما نعرفه في الوطن الأم”. حتى أنه صرح حين عاد إلى القفقاس، قائلاً:
” من يريد لقاء شراكسة حقيقين في سورية فليقابل ويتحدث مع أحد أفراد مجموعة الدكتور عادل لاش”.
وبعد يومين التقيت وإياه وحدنا حسب رغبته ، وتحدثنا ملياً وبالتفصيل في أمور أهلنا في كل من والهكو وفي سورية التي نسير على احترام قوانينها ونقدر مواطتنا فيها.
غادرنا المناضل في سبيل تحرر الأديغه والأقوام القفقاسية، المرحوم موسى (وكان يفضل أن لا ندعوه: يورة) شنبة، ليحصده وباء (كوفيد 19)، إذ توفي في 28 نيسان سنة 2020 عن عمر يناهز الـ (82 عاماً)…… فله الرحمة والمغفرة.
عادل عبد السلام لاش
مرج السلطان/ دمشق 27-7-2023