مقالات
فارس الأتاسي: حنا خباز .. الحمصي الذي قابل توماس أديسون
فارس الأتاسي- التاريخ السوري المعاصر
لو أتيحت لنا فرصة الاطلاع على تركة مخترع المصباح الكهربائي توماس أديسون، لوجدنا فيها صورة هذا الحمصي، وصورة أخرى للمدرسة الإنجيلية بحمص.
تحلّ اليوم الذكرى الثامنة والستين لوفاة الأستاذ حنّا خباز، الذي توفي في بيروت عام 1955م ودفن فيها.
حنّا خباز (مواليد حمص، 1871م) هو أهم ركن من أركان المدرسة الإنجيلية بحمص مع السيد رفول ناصر، حيث ساعد الأخير في تأسيسها، وتولّى إدارتها سنوات طويلة، واجتهد في جمع التبرعات لبنائها الجديد والكائن إلى يومنا في حي باب السباع.
كذلك هو عضو مجلس معارف حمص (1909)، ونائب رئيس جمعية النهضة الحمصية (1914)، وصاحب جريدة جادة الرشاد.
لاحقًا، وبالتحديد عام 1948م؛ سيم قسيسًا للكنيسة الإنجيلية البروتستانتية في دمشق، فكان أول قسيس وطني لها.
إلى جانب نشاطه التعليمي؛ يعتبر حنا خباز من أهم الأدباء الذين أنجبتهم مدينة حمص. وأبرز آثاره بلا شك كتاب “جمهورية أفلاطون”، الذي جمعه وانتخبه من ثلاث ترجمات إنكليزية، وما زال يطبع باستمرار إلى يومنا هذا رغم مضيّ 94 سنة على طبعته الأولى.
وللخباز أيضًا مؤلف بعنوان “فرنسا وسورية” (1928-1929). وهو في جزئين. ويُعتبر هذا المؤلف من الآثار النادرة كونه يتناول سياسة الفرنسيين في سورية مبكرًا. إضافةً إلى أن حنا خباز قد هاجم الفرنسيين فيه بقسوة ودافع عن المسلمين وأبناء العائلات الكبرى بحمص. وله أكثر من عشر مؤلفات أخرى في الفلسفة والتاريخ والأدب.
أما لقاؤه مع توماس أديسون؛ فقد جاء ضمن رحلته حول العالم التي ابتدأها مطلع عام 1918م، وتنقّل فيها عبر المسار التالي: مصر- جيبوتي- خليج عمان- سيريلانكا- الهند- بورما- سنغافورا- ملقا (بين ماليزيا وسومطرا)- هونغ كونغ- شنغهاي- اليابان- أميركا- المكسيك- كوبا- تشيلي- الأرجنتين- البرازيل. ثم سافر إلى أوروبا فنزل بريطانيا ثم بلجيكا فسويسرا فإيطاليا. وجمع ما سجّله في تلك الرحلة ضمن مؤلّفيه “حول الكرة الأرضية” و”لطائف أخباري في متاحف أسفاري”
التقى حنا خباز مع توماس أديسون في نيوجيرسي بأميركا مطلع العشرينات، فكتب عن ذلك:
“وقف حنّا خبّاز في أقدس غرف الدنيا، ورفع عينيه إلى الرجل الذي سكب الله بواسطة دماغه أثمن البركات على البشر، وتأمّله مليًّا؛ طويل القامة، ضخم الجثة، أشقر اللون، لجيّني السهام، حاد العينين، غليظ الحاجبين، عالي الجبهة، ثقيل السمع، بسيط المظهر، عادم التكلّف، خفيف الروح، يتكلّم كالأطفال، وليس على محياه غضون الاختبارات المرّة، ولا شيء من مظاهر الدهاء والاحتساب، لقلّة ما يعاشر الناس، أو يحصل على سوء معاملة منهم، فهو كملاك الله سلامة نيّة ونقاء سرية، فإنه يقضي أكثر أوقاته يدرس الله بأعماله وتتكشّف له نواميس الطبيعة، فيستخدم الكشف لخير البشرية.
وقد لاحظ أسعد رستم [صديق الخبّاز] أن شريطة حذائه منحلّة، وبنطلونه متجعّد، فقلّما يهمّ أديسن النكيس، بل قلّما يجتمع بالناس فهو يعيش بين السماء والأرض في فلك وحده”.
ثم جرى بينهما حوار عن إطالة عمر الانسان، ومخاطبة الأرواح، والسفر إلى المريخ؛ الذي اعتقد أديسون أنه غير ممكن.
ثم سأله الخبّاز عن أحبّ إختراعاته، فأجاب أديسون: المحرك الكهربائي، التنوير بالكهرباء، الفونوغراف، الصور المتحركة.
وقد أهداه أديسون صورته ووقّع عليها، بينما أهداه حنا خباز صورته أيضًا بالإضافة إلى صورة كلية حمص الوطنية (الإنجيلية).
انظر:
فارس الأتاسي: الحماصنة المنفيون إلى الأناضول (1).. عائلة عبد الحميد الزهراوي
فارس الأتاسي: عبد الرحمن باشا اليوسف في وثائق الأرشيف العثماني