محمد افندي بن سليمان الجندي
هو محمد افندي بن سليمان آغا بن محمد آغا بن عثمان آغا بن عبد الرزاق آغا الجندي.
عائلته:
والده:سليمان آغا الجندي (ولادته:1817): من فرسان حمص وآغاواتها. كان قائدًا لسرية حماية حمص فترة 1860م.
ثم أصبح عضوًا في مجلس دعاوى حمص (المحكمة) بين أعوام 1869-1875، وعضوًا في المحكمة التجارية بحمص ضمن فترتيّ 1875-1877م و 1880-1882، وأخيرًا انتخب لعضوية المجلس البلدي بحمص عام 1872م.
جدّه: محمد آغا الجندي؛ الذي رثاه شاعر الشام أمين الجندي (1) فقال:
بمحمّد يرجو النجاةَ محمدًا… السيد الجندي الأبرّ الفاضل
فهو الشهيد بجمعةٍ وبغربةٍ… وهو المرابط والأمير العادلُ
أبلاه حوران وأربد واللجا… كتبت فأضحى بغيها والباطل
فسقى ضريحك يا ابن عثمان السري والخير والبشر العميم الشامل
والد جده: عثمان آغا الجندي (وفاته: 1801):
حاكم حمص مرّتين. أرّخ له شاعر الشام أمين الجندي بقصيدته الغنية عن التعريف، ومطلعها:
الليثُ يُعرَف بأسُهُ وثباتُهُ… إن أبطأت أو أسرَعَت وثباتهُ
خاله: عبد الرحمن آغا الجندي (وفاته: 1889م): من كبار أعيان حمص وزعيم آل الجندي فيها. كانت له مساهمات كبيرة في الحفاظ على السلم الأهلي بحمص، خاصةً بعد أحداث 1860 في دمشق.
إخوته:
مصطفى رأفت، محمود، سعيد، عارف، فيّاض.
أبنائه:
أبو الخير، سليمان آصف، لطفي، خالد، صادق، عزت، جودت، رفعت، فوزي، أدهم، وتسع بنات.
اهتمّ السيد محمد الجندي بتعليم أبنائه ويعد من أوائل الحماصنة الذين ابتعثوا أبناءهم للدراسة في العاصمة اسطنبول.
نشأته وحياته الإدارية:
ولد في حمص عام 1836م، ودرس على أعلام عصره، فكان عالمًا متضلعًا بالعلوم العربية والرياضيات والفقه والفرائض، وكاتبًا ناثرًا بليغًا في اللغتين العربية والتركية.
تدرّج في وظائف الدولة فكان قائمقام على قضاء جماعين من أعمال نابلس في فلسطين في ستينات القرن التاسع عشر.
ثم تسلّم إدارة أملاك لواء حماة (حماة وحمص) وضرائبه في سبعينات القرن المذكور وحتى عام 1885م، فكان مما ذكرت له الصحف آنذاك أنّه تفقّد أحد مواكب الظابطة العسكرية القادمة من حمص، فوجد أفرادها “بلا فرش ولا أرائك تحفظهم من المشقّة في المنام، فحرّكته حميّته للإحسان إليهم، فاشترى لهم أقمشة من القنّب وأمر بتنجيدها سريعًا لتكون فرشًا، وأعطاهم إياها، وأخذ لهم أيضًا مناقل للنار من حديد، وبعض أقبية للمضطرين منهم، فضرب مبلغًا وافرًا لذلك من ماله حبًا بوطنه ورغبةً بفعل الخير”.
رئاسة بلدية حمص:
تسلّم محمد الجندي منصب رئيس المجلس البلدية بحمص ثلاث مرّات، كانت المرة الثانية عام 1894م، حيث ابتدأ أعماله بإحضار حراس المدينة والتنبيه المشدّد عليهم بالتيقّظ والانتباه، وأن أي خلل أو سرقة تحدث في مناطقهم سوف يغرّم الحارس بقيمة ما سرق ويجازى بعد طرده.
ثم وجّه تعليماته إلى موظّفي ومأموري البلدية ونبّههم حول التنظيفات ومراقبة الأسعار والموازين، وهددهم بالعزل في حال القصور أو الفتور.
وكان يجول كل يوم من الصباح إلى منتصف النهار في الشوارع والأسواق لمراقبة أعمال مأموري البلدية من إصلاح للطرقات، ثم يقضي بقية النهار في مبنى البلدية لإنهاء الأعمال الورقية، ويطوف كل ليلة لتفقد المصابيح والتفتيش على الحراس الذين أضيف إليهم بأمر قائمقام حمص خمسون حارسًا إضافيًا.
وفي فترة رئاسته الثالثة بدايةً من عام 1899م؛ أصبح موضع ثناء أهالي حمص، لما قام به من إصلاحات داخل المدينة وخارجها، ولا سيما إصلاح جسر الميماس والطريق الذي بين هذا الجسر وبين منطقة الوعر، إذ كان يصعب اجتيازه لكثرة الوحل فيه، وبذلك سهّل حركة الفلّاحين والحجّارين.
واستكمل محمد الجندي عمليات ترميم وتجديد السوق المسقوف التي بدأت في عهد سلفه عبد الحميد باشا الدروبي، واعتنى بسقف السوق على نمط سوق الحميدية بدمشق، وهدم المحلات المتهالكة وأنشأ بدلها محلات جديدة على الطرز المعمارية الحديثة، وكذلك قام بتوسيع سوق الخفاف وإعمار محلاته من جديد.
كما أمر الرئيس الجندي بإنشاء طريق واسع يصل المدينة القديمة بالبيوت والمحلات التي تم إعمارها خارج السور من جهة باب تدمر وباب الدريب، فاتصلت تلك الأحياء الجديدة بالمدينة عبر ذلك الطريق. وقام كذلك برصف 7 شوارع رئيسية في المدينة بالحجر، بمقدار 15 ألف ذراع مربع ضمن السنة الأولى من رئاسته، واستمرت عمليات الرصف في السنة اللاحقة.
وقام أيضًا برصف طريق البادية من جهة باب تدمر، والذي كان يمتلئ بالماء شتاءً، وباشر بتأسيس مجرور لتصريف المياه المتراكمة في تلك الجهة.
كما أمر بتعليق 130 مصباحًا إضافيًا لإنارة شوارع المدينة، بعدما قام سلفه الباشا الدروبي بتعليق 300 مصباح في السنة السابقة.
ورئيسًا لمجلس المعارف في ختام عام 1894م فيها حتى وفاته و1898).
رعايته للقباني وأهل الفن في حمص:
ورث حب العلوم والفنون عن عائلته فكان له الفضل في دعم الفنون بحمص، فحين احترق مسرح أبو خليل القباني بدمشق دعاه السيد محمد الجندي إلى حمص فنزل في ضيافته بدايةً، ثم أمّن له عملًا وعرّفه على فنّاني حمص وأدبائها ومبدعيها. ثم أمّن له المأوى فأسكنه في دار مجاورة لمقام أبي الهول في حي الفاخورة. وامتهن القباني حينها صناعة النشاء في قاعة شيّدها له السيد محمد الجندي ليؤمن معيشته منها، كيلا يشعر القباني أنه عالة على أحد، وهو المشهور بعزة النفس والكرامة، بينما ظلّ يتابع ممارسة الفن ليلًا. وتلقّت عن القباني حينها نخبة من فناني ومطربي حمص علم النغمة والموشّحات والأوزان وأصول رقص السماح، منهم الشيخ طاهر شمس الدين، الشيخ مصطفى زين الدين، الشيخ محمد الخالد الجلبي، الشيخ محمد الخالد الأنصاري، الحاج محمد الشاويش، الشيخ مصطفى عثمان، الشيخ ابراهيم عبد المولى الأعمى، الشيخ علي نائلي، الشيخ راغب الملوحي، داوود قسطنطين الخوري، نصري عجاج، خالد القصيّر، عبد الخالق عبارة، محمد منيا بقلاوة، وغيرهم الكثير.
كما قام السيد محمد الجندي برعاية أسرة القبّاني لسنتين، بعد مغادرة الأخير من حمص إلى مصر.
وفاته ورثاؤه:
توفي في 23 أيلول 1907م إثر عملية جراحية، ودفن في مقبرة الباشورة في بيروت.
رثاه الشاعر أنيس نسيم بقصيدة “عبّر فيها عمّا تكنّه قلوب نصارى حمص من محبة وتمجيد”، بسبب مواقفه يوم حادثة الستين الواقعة في عهد خاله حاكم حمص عبد الرحمن آغا الجندي، فقال فيها:
مصاب عظيم عزّ فيه التجلّد… وخطبٌ جليلٌ عنده الصبر يُفقدُ
فقد نعت الأخبار بالبرق سيدًا… كريمًا له جاه وفخر وسؤددُ
ومنها:
فمن للعلى والجودِ والمجد والنهى… يليق وللبهتان والزور يطردُ
هو العلم العالي إذا ما تفاخرت… كرام عصاميّون أو طاب محتدُ
سميّ رسول الله من نسل عمّه… وذا الشرف الأعلى له الحق يشهد
فيا من حوى أدبًا ولطفًا ورقّةً… وقلبًا سليمًا طاهرًا ليس يحقد
لقد قلت في يوم الوداع لجمعنا… مقالًا صداه كل قلب يردّد
إذا شاء ربي سوف أرجع سالمًا… معافىً من الأسقام والعود أحمدُ
فما لك قد أخلفت وعدًا وطالما… عهدناك عنوان الوفا حين توعد
ومنها:
أيا ابن سليمان تواريت وانقضى… زمان به كنا لعدلك نقصدُ
فكم من أمور معضلات حللتها… برأي سديد للأباطيل يكمد
ومن يصنع المعروف لا شكّ رابحٌ… ومن يزرع الاحسان للمثلِ يحصدُ
فصبرًا بني الجندي صبرًا فإنكم… تثابون بالصبر الجميل لتحمدوا
فما أنتم في الناس إلا كواكبٌ… إذا غاب منهم سيّدٌ قام سيّد
لذاك لسان الحال قد جاء منشدًا… لقد حلّ في دار النعيم محمدُ
(1) الجندي (أمين)، ديوان الشيخ أمين الجندي، المكتبة الأنسية، صـ 105-106