مقالات
حمصي فرحان الحمادة: التقويم الرقي عام 1911 ..سنة ثلجة الأربعين
حمصي فرحان الحمادة – التاريخ السوري المعاصر
التقويم الرقي عام 1911 ..سنة ثلجة الأربعين
هناك أسماء متعددة لهذا الحدث في “التقويم الرقي” وهذا الحدث لم يمر على بلاد الشام من قبل، وسأستعرضها باختصار:
- سنة الذراية: ويقصد بها أن سقوط الثلج يشبه تذرية القمح أو البرغل.
- سنة قرارية جلغيف- سنة جلغيف- سنة جلغيف البريجي: وهذه التسميات الثلاث تعود لشخص من عشيرة البريج اسمه “جلغيف” كان يخدم في الجيش العثماني، ولعصوبة العيش في الخدمة العسكرية وطول مدتها، فر جلغيف وعاد لعشيرته، ويعتبر هذا الفرار أمراً مستحيلاً في ذلك الوقت لوجود صعوبات كثيرة.
- سنة ثلج الأربعين: وسبب التسمية أن مدة الثلج دامت أربعين يوماً من 20 كانون الثاني عام 1911 وحتى الأول من آذار عام 1911م.
- سنة الثلج الكثير- سنة الثلجة الكبيرة: وسبب التسمية كمية الثلج الكثيرة غير المسبوقة والمعهودة من قبل.
- سنة جمدة الفرا: يذكر المعمرون أن نهر الفرات قد تجمد لدرجة أن الناس كانوا ينتقلون من الشامية إلى الجزيرة وبالعكس سيراً فوق النهر المتجمد وبالغ البعض. والله أعلم- أن العربات كانت تسير فوقه كذلك.
وهذه مقالة منقولة تعطينا صورة عن هذه الثلجة
كثير منا قد يكون يريد أن يعرف ما هي أقوى عاصفة ثلجية أثرت على بلاد الشام!
كثيراً ما نسمع أجدادنا يتحدثون عن الثلجة الكبيرة.. متى أنولدتي يا حجة؟ .. والله يمة من أيام الثلجة الكبيرة..
دعونا نتعرف إلى شتاء عام 1911 التاريخي حيث سجل فيه أقوى وأطول عاصفة ثلجية أثرت على مصر وبلاد الشام!
مطلع عام 1911 (20/ 1 / 1911 – 1 / 3 / 1911م) بدأت الثلوج تتساقط بغزارة وحصلت الثلجة الكبرى التي استمر هطل الثلج فيها لمدة أربعين يوماً فكان الناس يفتحون أبواب بيوتهم ليجدوها مسدودة بالثلج، ووقع برد شديد بعدها وعم الجليد إلى ما شهر مارس!
وغُمرت حلب وريفها بالصقيع ووصلت الحرارة إلى درجة عشرة تحت الصفر وأحياناً إلى السابعة والعشرين تحت الصفر وهي درجة الحرارة في سيبيريا شمال روسيا!
توقفت القطارات بين حلب ودمشق ثلاثين يوماً، وانقطع سير القوافل وقاسى الفقراء الأهوال من قلة القوت والوقود بعدما يبست الأشجار وندر وجود الفحم للتدفئة، وارتفعت الأسعار بشكل جنوني وتوقفت الأفران عن إنتاج الخبز لعدم توفر الوقود!
وماتت الحيوانات وقدرت عدد الأغنام التالفة بنصف مليون في المناطق التي غمرها الجليد، وهامت الوحوش والضواري في ضواحي حلب! وتوفي مئات من الناس من البرد الشديد والأمراض الصدرية ومات المسافرون الذين كانوا في الطريق برداً أو افتراساً من الضواري الوحوش، ومات عرب البوادي القاطنين في خيم الشعر!
ألزمت الحكومة العثمانية أصحاب حمامات السوق أن يفتحوها ليلاً لمبيت الفقراء التماساً لدفء الحمامات العامة التي لا نار فيه، تشققت من شدة البرد الأعمدة الحجرية في بعض المساجد التي يزيد عمرها على ستمئة سنة خلت! وتفرقع أكثر الرخام المفروش في المنازل والمساجد، وتحطمت الأواني الزجاجية التي يوجد فيها السوائل، وجمد الحبر في المحابر وسميت تلك الثلجة في كتب التاريخ “ثلجة الأربعين”.
ولم تنعم أي دولة من تركيا أو سورية وبلاد الشام عامة بيوم واحد خلال الأربعين يوماً بدرجة حرارة تزيد على صفر مئويَ! كما لم تنعم حتى شهر مارس من عام 1911 بيوم واحد بلا جليد في الشوارع أو ثلوج تغطي المنازل!(1).
(1) حمادة (حمصي فرحان)، التقويم الرقمي بين عام 1709 – 1988، توتول للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق 2022م، 81.