مقالاتوثائق سوريا

ميشيل عفلق عام 1946 : الجمهورية والحرية ماذا عملنا لصيانة نظامنا الجمهوري

الجمهورية والحرية ماذا عملنا لصيانة نظامنا الجمهوري .. من مقالات ميشيل عفلق عام 1946م


لقد سبق لحزب البعث العربي ان أبدى رأيه في مسألة شكل الحكم فقال: ” ان عرب سورية، والفئة الواعية منهم، الامينة للروح العربية والفاهمة لشروط النهضة الحديثة، تعتبر النظام الجمهوري خير ما يلائم في المستقبل روح الأمة العربية، ويسهّل بعث امكانياتها وازدهار نهضتها” ولكن الحزب قد اخذ في البيان ذاته، على الحكم الجمهوري في سورية امتهانه للحريات العامة.

ها نحن الآن، بعد مرور عام ونصف العام على بياننا المذكور، ومرور ثلاثة أعوام على تأسيس النظام الجمهوري، نجد أنفسنا مضطرين الى الاعلان مرة اخرى ان هذا النظام كما هو مطبق في سورية، يحتوي على تناقض عميق يهدده في كيانه، ذلك انه لا يقيم للحرية وزنا، والجمهورية لا تعيش إلا مع الحرية.

نحن مقتنعون بأصلحية النظام الجمهوري، ومقتنعون ايضا بأن الجيل العربي الجديد في كل بلد من بلاد العرب الواسعة، يتطلع الى هذا النظام ويرى فيه أكبر ضمانة لتحرر الشعب العربي من أوضاعه البالية، ولظهور كفاءآت هذا الشعب على حقيقتها وفي كل قوتها. ولكن اذا عرفنا ان الحكم الجمهوري في سورية قصّر كل التقصير في تمثيل النزعة الشعبية الحرة، وانه كان في حقيقتة حكم أقلية ممتازة من المتزعّمين والعائلات الاقطاعية وان أبرز صفاته كانت: الاستئثار والاستثمار، استطعنا ان نقدّر مدى الضرر المزدوج الذي ينتج عنه: فهو من جهة قد أضاع على سورية ثلاث سنوات كان بالامكان ان تخطو فيها البلاد في طريق الانقلاب والنهضة خطوة واسعة، وهو من جهة اخرى قد أساء الى سمعة النظام الجمهوري وشّوه صورته في نظر الرأي العام العربي.

تصاب الحكومات و”العهود” والأنظمة السياسية بأمراض وآفات وأزمات فتصمد لها وتتغلب عليها وتشفى منها، الا شيئا واحدا اذا اصيبت به ماتت به: ذلك هو مرض التناقض وهو في الواقع مجموعة أمراض تتراكم وتتفاقم حتى اذا بلغت ذروة الخطورة واستحال معها كل طب، ظهرت بمظهر واحد شامل هو التناقض. فالحكم الذي يسمى نفسه “وطنيا” وهو ينهش من جسم الوطن ويمتص دماء المواطنين، ويجعل من “الوطنية” تجارة ووسيلة لاذلال الملايين من أفراد الشعب وابقائهم في جحيم الجهل والفقر والمرض، ليتسنى لزمرة من المستغلين ان يبذخوا ويلهوا ويتحكموا، والحكم الذي يسمي نفسه “دستوريا” وهو لا همّ له الا ابتكار الأساليب التي يحتال بها على الدستور، ليجعل منه أداة للعسف والاستبداد. وسبيلا لحصر الحكم في قبضة فئة من المحترفين، ويبقي الأنظمة التي وضعها المستعمر الافرنسي لافساد ضمير الشعب وتشويه اٍرادته، ليبقى الانتخاب مهزلة من أبشع المهازل، فيفقد الشعب أمامها كل ثقة وايمان بالدساتير والقوانين، وينقطع كل أمل له في امكان التطور وتبديل الحال، والحكم الذي يسمى نفسه “جمهوريا” وليس فيه أثر لرأي الجماهير، واحترام لارادتها، او حساب لمصلحتها، يستأثر فيه بالسلطة أشخاص معدودون لم يخرجوا من الشعب بل فرضوا عليه، ولم يحيوا حياته، ولا عرفوا آلامه، ولا شاركوه في بؤسه وشقائه، فروحهم الغطرسة والسيطرة، وروح الشعب الحرية والمساواة، وتفكيرهم هو تفكير المحافظة والجمود والراحة، لأنه ناتج عن الشبع والتخمة، بينما تفكير الشعب يتجه الى التجدد والانقلاب والنضال، لأنه نابع من الحياة السليمة الصادقة، ومن الوجدان الطاهر، طريقهم طريق الهرم والانحلال والمجد الزائف، وطريق الشعب طريق الحياة والبناء والخلود! ان الحكم الذي بلغ به التناقض هذا الحد، مصيره معلوم ونهايته محتومة.

اننا نعرف رجال هذا الحكم ونعرف انهم آخر من يقدّر قيمة الاتجاهات الفكرية وما لها من نتائج حاسمة في تقرير مستقبل البلاد. اذ لو كان لهم مثل هذا النظر الواعي البعيد، لتورعوا عن تشويه نظام يتوقف على بقائه ونجاحه مستقبل النهضة العربية! ان نظامنا الجمهوري الذي يكيد له الأجنبي عن بعد، ويحصي عليه اخطاءه وهفواته لن يجد المدافعين عنه، المستبسلين في حمايته، بين رجال الحكم وزبانيتهم النفعيين، بل بين هؤلاء الشباب المؤمنين الذين يدفعم اليوم ايمانهم الى مصارحته بالنقد والهجوم.ميشيل عفلق
18 آب 1946


(1) افتتاحية جريدة “البعث”، العدد 33 الصادر في 18 آب 1946.


انظر مقالات  ووثائق ميشيل عفلق:

في الثلاثينيات:

عهد البطولة 1935
ثروة الحياة 1936

في الأربعينيات:

 القومية حب قبل كل شئ 1940
 القومية قدر محبب 1940
في القومية العربية
1941
نفدي العراق 1941
ذكرى الرسول العربي 1943
التفكير المجرد 1943
واجب العمل القومي
1943
الإيمان
1943
المثالية الموهومة
1943
المثالية الواقعية
1943
المعركة الانتخابية الأولى
1943
حول الاعتداء على استقلال لبنان 1943
الجيل العربي الجديد 1944
الأرض والسماء
1944
موقفنا من النظرية الشيوعية
1944
السياسة الأمريكية حول فلسطين
1944
حول السياسة الأميركية والهجرة اليهودية 1945
موقف الحزب من ميثاق الجامعة العربية
1945
مقابلة ميشيل عفلق مع مجلة النضال
1945
بيان حزب البعث العربي حول مشاكل العرب السياسية  1945
بيان حزب البعث حول الإتفاق البريطاني – الفرنسي “بيفن – بيدو”  1945
حول الرسالة العربية
1946

انظر ايضاً:

ميشيل عفلق: التنظيم الإنقلابي

ميشيل عفلق: البعث العربي هو الانقلاب

ميشيل عفلق: حزب الانقلاب

ميشيل عفلق: الدور التاريخي لحركة البعث

ميشيل عفلق: الحركة الفكرية الشاملة

المصدر
بنشر بالتنسيق مع موقع في سبيل البعث وأسرة ميشيل عفلق، التاريخ السوري المعاصر
زر الذهاب إلى الأعلى