You dont have javascript enabled! Please enable it!
وثائق سوريا

كلمة حسني سبح في احتفال العيد الذهبي لمجمع اللغة العربية عام 1969م

كلمة الدكتور حسني سبح رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق في الاحتفال بالعيد الذهبي لمجمع اللغة العربية والمتحف الوطني بدمشق على التأسيس عام 1969م.

نص الكلمة:


سيادة الوزير، زملائي، سيداتي وسادتي:

باسم مجمع اللغة العربية بدمشق، يسعدني أن أرحب بالسيدات والسادة شهود هذا اليوم التذكاري الذي نحتفل فيه بمرور خمسين عاماً على تأسيسه. وأخص بالشكر الإخوان والزملاء الذين تجشموا عناء السفر، ممثلي مجمعي القاهرة وبغداد، فأهلاً بكم جميعاً وسهلاً، لقد طوقتم عنقنا منة كريمة باستجابتكم دعوتنا آملين أن تتاح لنا فرص مشاركتكم في مثل هذه المناسبة البهيجة.

إننا نلتقي اليوم وقد مر على تأسيس المجمع خمسون سنة لنحتفل بهذه الذكرى السعيدة. ويحمل هذا اللقاء الذي يجمع بين ممثلي عدد من أقطار اللغة العربية أسمى المعاني: معاني الإصرار على أن اللغة كانت وستظل أقوى الروابط التي تشد أبناء الأمة العربية بعضهم إلى بعض، ومعاني الإعزاز بهذه اللغة وتأكيد العزم.

على أن تظل لها مكانتها الأولى بين مقومات الوجود العربي على لسان العرب وأفئدتهم، وفي أذهانهم وثقافتهم، في مدارسهم وجامعاتهم، في حياتهم اليومية والفكرية على السواء.

لقد أنشء المجمع من أجل هذه الغاية السامية: غاية خدمة اللغة العربية ومد آفاقها وإحلالها مكانتها بعد أن ألجاتها ظروف سياسية جائرة أو ظروف إجتماعية قاهرة إلى التراجع والإنزواء.

ولم يكن بين يدي المجمع كل ما يساعده على ذلك، وعلى مدة هذه العقود من السنين لم توفر له الوسائل التي يحتاج إليها، بل إنه جابه في بعض العهود من السنين صعاباً جمة اعترضت طريقه وحاولت أن تفتنه عن غاياته. غير أنه كان له من إيمانه القوى ومن إدراكه العميق الأثرهِ في حياة الجماعة العربية والحفاظ على شخصيتها وتوجيه خطاها وما عصمه عن أن يضل أو يزل أو يجبن.

وعلى حين تصارعت في الوطن العربي الآراء والمذاهب، واختلفت الأفكار والأنظار وتعاقبت موجات إثر موجات من الدعوات، بينها السليم والمنحرف، المصيب والخطئ- بينما كان كل ذلك يخطف نظر العربي ويحاول أن يغريه- ظل المجمع يلتزم الغاية الجوهرية التي أنشئ من أجلها يعمل لها بدؤوب، ويخطو نحوها بصبر، ويؤصل لها في صمت وإصرار حيث كان أعضاؤه هنا في الإدارة أو هناك في التدريس، في هذا الجانب من المعرفة أو ذاك، قد أخلصوا أنفسهم وعلمهم ووقتهم له، ولا يصرفهم عن ذلك صارف ولا تنال منهم العوائق المثبطات.

ولقد أعطى ذلك الدؤوب والصمت والعمل الصابر المؤمن ثمراته الطيبة، واستطاع المجمع أن يفعل الكثير مما سأعرض عليكم طرفاً موجزاً منه.

ولكن أبرز الذي استطاع أن يفعله – وهو منقطع إلى محاربيه- أنه أكد في أذهان الناس وقلوبهم على السواء، أن اللغة العربية ليست شيئاً من الأشياء التي يمكن أن تؤخذ أو أن تترك، ليست هذا البدع الذي يمكن أن تقبل عليه أو أن ننصرف عنه، ليست بقية من الماضي ولا إطلالاً من أطلاله، وإنما هي هذا الجوهر الخالص الذي يصون حياة هذا المجتمع العربي من أن يذوب والذي يحفظ وجوده من أن يتبدد، والذي يمد هذا الوجود بأسباب أصالته وتميزه.

إن المجتمع أقر في أذهان الناس وقلوبهم – وسط كل العواطف السياسية والإجتماعية التي مر بها الوطن وبعيداً عن التلون بها – أن العربية هي طريق هذا الجيل من الناس إلى وجوده السليم الصحيح المنفرد.

ومن هنا كان في عقيدة المجمعين أن ترسيخ هذه الأصول بالطرق المختلفة التي لجأ إليها المجتمع والأعمال الكثيرة التي حققها، كان أقوى الأسس التي اعتمدت عليها الحركة الاستقلالية والحركة القومية في أطراف الوطن العربي، وأن كل جهد يبذله المجتمع في ذلك إنما هو من حياة الأمة العربية بمثابة حجر الأساس من البناء ولا تراه العين ولكن البناء كله يقوم عليه.

أيها السادة:

اسمحوا لي أن أعود بكم في رحلة قصيرة سريعة نصف قرن إلى الوراء لنشهد كيف حدد المجتمعون الأوائل غايتهم ورسائلهم- كيف نظروا إلى عملهم وكيف كانت ترتسم من أمام أعينهم مهمات المجمع وأهدافه، وهم بعد نواة صغيرة في أول طريقها إلى التشكل.

لقد استطاع هؤلاء المجمعيون ببصيرتهم النافذة أن يضعوا من أمامهم أهدافاً أربعة أعلنوها في بيان التأسيس، بعضها أهداف آنية سريعة وبعضها اهداف متانية متجددة: في الأهداف السريعة كان إنشاء المكتبات الوطنية، والإهتمام بها، وإنشاء دار الآثار والعمل على إغنائها وتنميتها، وفي الأهداف البعيدة المتجددة كان إنشاء المجلة وكان العمل اللغوي والفكري في آفاقه المختلفة.

وإنه لمن دواعي الفخر والإعتزاز أن أعلن هنا بكل تواضع أن المجتمع عميل – على ضيق ذات يده وضعف حيلته- في هذه الساحات من أجل هذه الأهداف كلها وأنه حقق من الغايات أضعاف أضعاف، ما كان يملك من وسائل أو مخصصات.

في الساحة الأولى: كان من أهداف المجمع أن تكون هناك مكتبة وطنية في كل بلد، تجمع ما في أرض الوطن من مخطوطات، وما يحتاج إليه البحث والدرس من مطبوعات لتكون هذه المكتبة عوناً للعلماء والدارسين في شتى العلوم، وفيما يعود -بخاصة- إلى اللغة العربية والتاريخ العربي والثقافة الإسلامية.

ولقد وفق المجمع إلى تحقيق ذلك. لم يكن في الوطن كله مكتبة عامة حافلة، واليوم تقوم المكتبة الوطنية التي تعودنا أن نطلق عليها اسمها التاريخي “المكتبة الظاهرية” صرحاً شامخاً فيها ما يزيد على مائة الف كتاب، بعد أن لم يكن فيها إذ بدأت أكثر من أربعة آلاف كتاب، معظمها هدية الأعضاء وفيها ثروة ضخمة من التراث المخطوط لا تقدر برقم.

وعلى مناضدها المتواضعة وفي غرفها التي تحمل من روائح الماضي الشيئ الكثير تعلمت أجيال، ونشأ باحثون، ونبغ علماء وشعراء وكتاب ومؤلفون ولعله من النادر أن تشهد باحثاً من باحثينا اليوم لم يكن له في الظاهرية مقعد يفئ إليه ويطمئن عنده، أو لم تكن الظاهرية له مكتبه ورفده.

لقد كانت قاعاتها بمثابة الجامعة الأولى قبل أن تتسع الجامعة وأن تنشأ فروعها الجديدة، وكانت كذلك أنموذجاً للمكتبات الوطنية الأخرى التي نشأت في حلب واللاذقية وغيرها.

بل كان بعض الراحلين من المجمعين هم الذين تولوا إنشاء هذه المكاتب. والحركة الفكرية تسجل للمرحوم الراحل الأمير مصطفى الشهابي أنه هو الذي أنشأ دار الكتب الوطنية في حلب حين كان محافظاً لحلب، وأنه هو الذي أنشأ دار الكتب الوطنية حين كان محافظاً للاذقية.

إننا من غير المكتبات الوطنية لا نستطيع أن نحقق شيئاً ذا بال في الحياة الفكرية. ولقد كان للمجمع في ذلك فضله الكبير وأثره الواضح.

وفي الساحة الثانية: نفذ المجمعون إلى الثروة الآثرية، أدركوا أن روح الوطن تتجسد في هذه الآثار، وأن هذا الوطن في جملته متحف أثري للذي تعاقب عليه من حضارات، وقام فيه من مدنيات. إنه قطعة رائعة من تاريخ البشرية زاهية، ملونة. وبذلك كان من أهدافهم أن يعنوا بهذه الثروة جمعاً لها وتفتبشاً عنها، وحفاظاً على ما ظهر منها ونبشاً عما بطن.

ومن هنا كانت دار الآثار في بداية الأمر جزءاً من مجمعنا. إنها نشأت في رحابه وربت في أحضانه ومن هذه البذرة الأولى كان بعد ذلك ما ترون من هذين المتحفين الرائعين النادرين في دمشق وحلب. بل إن مؤتمرات الآثار العربية التي عقدت في العواصم العربية مدينة للمجمع العلمي لأنه كان هو بدايتها الأولى، ولأ،ها كانت من أهدافه التي بشر بها ثم سعى لها وعمل من أجلها، بل إن جزءاً كبيراً من الحركة الأثرية مدين للمجمعين أنفسهم.

وكلنا يتطلع بفخر إلى أمين سر المجمع الأمير جعفر الحسني الجزائري الذي كان محافظاً للآثار ومسؤولاً عنها خلال خمس وعشرين سنة.

وفي الساحة الثالثة: أدرك المجمعون أن مجلة علمية تصدر عنهم هي التي تستطيع أن تصل فيما بينهم وبين العلماء في ارض الوطنن وفيما بينهم وبين العلماء خارج أرض الوطن.

وإنها هي التي تستطيع أن تكون منبرهم الذي ترتفع فوقه أصواتهم تنتقل منه أفكارهم، ولذلك هدف المجمع إلى إنشاء مجلته.

ولم يستطع في السنتين الأوليين تحقيق هذه الأمنية الغالية، ولكنه وفق إلى إصدار العدد الأول في سنة 1921 ثم إلى إصدارها ولا يزال، مجلة ورسالة ومنارة وميدان بحث، قد لا يعرف بعض الناس في الأقطار العربية ويقدرونها حق قدرها، كما يعرفها ويقدرها المستعربون والمستشرفون والباحثون في الأقطار العربية والأجنبية، وأولئك وهؤلاء يتابعون أعدادها ويرقبون ما ينشر فيها، وتلتقي عليها أبحاثهم وأقلامهم ويتبادلون على صفحاتهم أفكارهم وتؤدي مهمة الرسول الأمين الذي يسعى بين يدي العلماء بالجديد من المعرفة والطيب من القول والرأي.

وهل يستطيع الإنسان أن يقي هذه المجلة حقها؟ حسبها أنها كانت هذه السفارة الدائبة النشيطة، وإذا كانت قد توقفت مرتين عن الصدور لأسباب مادية، فقد كان توقفها تعبيراً آخر سلبياً عن المكانة التي كانت لها في نفوس العلماء، ولست أبالغ إذا أنا قلت إن هذه المجلة حملت أكبر العبء في مجال التراث العربي والفكر العربي والثقافة العربية، وإن اسمها كان بطاقة التعارف بين العلماء، وإنها حملت اسم هذا الجزء من الوطن إلى كل مكان، يوم كانت القوى الغاشمة للسيطرة تحول بين هذا الوطن وبين أن يذكر.

وفي الساحة الرابعة: ساحة الثقافة اللغوية والفكرية كان من أهداف المجمع الأول والرئيسية على ما جاء في بيانه الأول : (النظر في اللغة العربية وأوضاعها المصيرية، ونشر أدبها وإحياء مخطوطاتها وتعريب ما ينقصها من كتب العلوم والصناعات والفنون عن اللغات الأوربية وتأليف ما تحتاج إليه من الكتب المختلفة المواضيع على نمط جديد).

إنما ندرك الأعباء الثقال والطرق المتشعبة التي تتبدى من خلال هذا الهدف. وقد يحسن المرء بشئ من الإشفاق حين يرى أن قطراً صغيراً كهذا القطر، كان يتصدى وحده لمثل هذه المهمات الضخمة التي تنوء بها كواهل مؤسسات كبرى.

ولكن الصفقة الأولى التي تميز بها عمل المجمع، أعني العمل الدائب المتصل، يسرت له بعض الصعوبات، والإيمان الذي تميز به المجتمعون سهل له تمهيد أجزاء من الطريق.

لقد عمل المجمعيون في خدمة اللغة العربية عملاً فريداً لم ينقطع، ففي أعقاب الحرب العالمية الأولى، وكانت العربية محجوبة باللغة التركية بعيدة عن الحياة العامة ودوائر الدولة العليا- تألفت أول حكومة عربية برئاسة حاكم عسكري سوري، وواجهت هذه الحكومة في تصريف أمور الدولة مشكلة اللغة أول ما واجهت.

كان الاتراك قد نزحوا جنوداً وموظفين، أما أبناء البلاد فقد نشأوا على استعمال التركية في العمل الرسمي وعلى استعمال العربية المشوبة بالتركية في الحياة اليومية، وكان للتركية سيطرتها على الألسنة ذلك أنها حين استعارت كثيراً من الألفاظ أو باعدت بينها وبين أصلها العربي.

 فكان لابد أمام ذلك كله من حركة إحياء، وكان لابد للحكومة من أن تستعين على ذلك بفئة من الفضلاء كانوا يتقنون العربية ويحافظون على صفائها. وهكذا أنشأت هذه الحكومة العسكرية الأولى، شعبة الترجمة والتأليف ثم آلت هذه الشعبة أن تكون بعد، ديوان المعارف، فهذا المجمع الذي نحتفل بمرور خمسين عاماً على إنشائه.

وقد حقق المجمع في هذا المجال ما يُشبه الطفرة أو المعجزة، وإنما ساعده على ذلك أصالة هذا الشعب وصفاء عروبته. فحلت العربية محل التركية عن طريق سلسلة من التدابير: الدروس الليلية باللغة العربية على موظفي الحكومة، والمصطلحات التي اقترحها المجمع لمؤسساتها الإدارية. وأسفر ذلك كله عن إرسال العربية السليمة في مرافق الدولة كلها دون استثناء، وقُضي في نحو متصل متدرج، على الرطانة التي كانت تسود الكلام، العجة التي كانت تسود الكتابة.

وتجاوز العمل، لغة الدولة إلى لغة الحياة ولغة العلم، فوضعت أسماء لمسيات حديثة العهد في حياتنا الحضارية، ومصطلحات في شتى الشؤون العلمية والفنية. واجتازت هذه المسميات والمصطلحات امتحان الزمن ومرت من مصفاته الدقيقة التي أكسبتها الطلاوة والذوق وحسن الجرس في السمع والوقع في الاذن، لتبقى بعد ذلك أبداً ينتفع بها الناس ويتفاهمون.

لقد كان المجمعيون أو من حولهم من إخواننا الجامعيين هم الذين وضعوا كل هذه الآلاف من المصطلحات في نطاق الطب والصيدلة والفيزياء والكيمياء والرياضيات والحقوق أو أحيوها وأتاحوا بذلك للغة العربية في أن تحقق أبرز أهدافها، أعني حققوا لها أن تكون لغة العلم والمعرفة.

وسيظل التاريخ اللغوي والقومي يذكر باعتزاز أن المجمعيين وإخوانهم من الجامعيين طاردوا خرافة ضعف اللغة العربية عن أن تكون لغة العلم. وظهروا على الناس بطوائف ضخمة من الكتب العلمية في كل ضروب المعرفة، وكانوا مع الزمان على سباق فنجحوا في هذا السباق، وأكدوا عن هذا الطريق أن لغة الثقافة لا يمكن أن تكون اللغة المفروضة من خارج الحياة العربية، فاللغة المفروضة (كالأعضاء المزروعة) مرفوضة أو منتهية إلى الرفض، ومالم تكن لنا لغتنا فلن تكون لنا ثقافتنا الأصيلة.

إلى جانب ذلك كله عني المجمع بإحياء التراث ونشر الكنوز الثمينة من المخطوطات. أنه اختار من ذلك طائفة صالحة آتت أكلها في ميدانين: أولهما إغناء الثقافة اللغوية، والآخر تصحيح مسار الدراسات الأدبية والتاريخية عن طريق إمدادها بمصادرها الأولى والرئيسية.

وفي سلسلة الكتب التي أصدرها المجمع نستطيع ان نلمح ثلاث مجموعات كبرى: المجموعة التاريخية والمجموعة اللغوية والمجموعة الأدبية. وفيها كلها عيون من التراث الذي أضحى أصلاً ومرجعاً في الدراسات الفكرية الجديدة، وأنتم في غنى عن تعداد أسمائها الكثيرة، ولعل في زيارتكم لدار المجمع ما يتيح الاطلاع عليها.

وبعد، فقد قلت أن هدف المجمع أن تكون العربية لغة الحياة ولغة المعرفة وبخاصة لأننا نعيش في زمن وطأت فيه قدما الإنسان أديم القمر بعد أن حلق في الفضاء، وتوصل إلى استبدال قلب عليل بآخر صحيح، وما إلى ذلك من المستجدات التي تتطلب أسماء لها، وعلى ذلك عمل المجمع ويعمل. ولكننا نلاحظ بين الحين والحين دعوات تشكيك متصلة في هذا القطر أو ذاك وراء هذه الحجة أو تلك، ومن المؤسف أن تكون سورية العربية ذاتها قد تأثرت بذلك ببعض التأثر حين خطر على بال بعض أولى الأمر تدريس الطب باللغة الأجنبية في جامعة حلب انسياقاً مع حملة إثارة واسعة تذكرونها، بعد ما كانت سورية تفخر أشد الفخر وتعتز أقوى الاعتزاز بنجاح تدريس الطب باللغة العربية بمئات المؤلفات التي صدرت عن الكليات العلمية المختلفة باللغة العربية، وكانت هذه المؤلفات في مادتها وإخراجها مثلاً رصيناً للتأليف الجامعي، وكنت بهذا وذاك نرجو أن تكون التجربة الرائدة في الأقطار العربية الأخرى.

إننا نتمنى أن نلتقي المجامع العلمية والهيئات الثقافية في الوطن العربي على قرار نهائي في هذا الموضوع بجعل العربية لغة المعرفة في كل فروع الجامعة وأن تتخذ لذلك كل الوسائل الممكنة. ان هذا القرار هو الذي يجعل النصوص الدستورية التي تعتبر العربية لغة رسمية في الأقطار المختلفة نصوصاً نافذة لا مهملة أو ميتة. وإن مثل هذا القرار هو الذي يقطع الطريق على كل حملات التشكيك الهادفة.

وليس ما نقوله طفرة كما قد يظن ولا عداء للغات الأجنبية، فليس هنالك من ينكر ضرورة الاتصال، أقوى الاتصال، باللغات الأجنبية، ولكننا نريده اتصال الأقوياء بالأقوياء لا اتصال الضعفاء بالأقوياء.

وليس ما نقوله بدعاً من الأمر، وإذا كنا نتنكر للتاريخ ونتجاهل الماضي، فإننا لا نستطيع أن ننكر الحاضر وأن نجهله، وفي الحاضر الواقع أمثلة حية في الشرق الناهض: في اليابان وفي العين. وفي الغرب الناهض، تعطي مثل هذا القرار كل مؤيداته السليمة الحقة.

بل إن في جوارنا في المنطقة المحتلة من فلسطين مثلاً آخر، أين هم الذين ينكرونه ويتجاهلونه أنه مثل يواجهنا ويتحدانا حين يعمل على إحياء اللغة العبرية التي أوشكت أن تندثر، ليجعل منها لغة الحياة والعلم.

أيها السادة، ولكن مثل هذه الخطوة الفاصلة تقتضينا شيئاً آخر أحب أن ألقي به باسم مجمع دمشق، ذلك هو إحساسنا جميعاً وإدراكنا بأن الحاجة أضحت أشد ما تكون إلحاحاً على تعاون المجامع والتقائها التقاءً فعلاً متحركاً منتجاً يقوم على مخطط موضوع ومنهج مرسوم.

وإذا كان لم يئن الأوان لصهر المجامع العربية في مجمع واحد لدولة عربية موحدة تمتد من الخليج إلى المحيط فلا اقل من أن نعمد – في أضعف الإيمان- إلى تمكين الاتحاد بين المجامع وتنسيق العمل بينها وبين المؤسسات والهيئات المماثلة في صورة، إليكم خطوطها الكبرى:

1- أن تتفرغ فئة من العلماء بشؤون اللغة وما يتصل بها من ترجمة المسميات والمصطلحات في كل قطر عربي، ويكون اختيار هذه الفئة بعيداً عن كل اعتبار غير الاعتبار العلمي، ويضمن لها وسائل العمل وكرامة العيش وبحبوحة المخصصات، ويوكل إليها أداء ما يطلبه منها اتحاد المجامع.

2- أن تتوزع الأعمال بين المجامع والمؤسسات المماثلة دفعاً للازدواج والتكرار وتوفيراً للجهود.

3- أن تلتقي المجامع مرتين في السنة على الأقل، لمناقشة ما انتهت إليه اللجان المتفرعة وإقراره.

4- أن يكون للدول العربية تشريع خاص يجعل إتقان العربية شرطاً في نوال الدرجات الجامعية العلمية والتعليمية.

5- هذا ويخجلني أن أذكر مطلباً هو من نافلة القول: ذلك أن نعود بالغيرة على العربية عملاً وتشريعاً إلى ما قبل خمسين سنة، ومحاربة التشكيك بها أو ازدرائها أو تجاوزها، في كل دوائر الدولة ومؤسسات الإعلان والدعاية والدواوين وفي الإذاعة والصحافة والإذاعة المرئية في اللافتات والعناوين والأسماء وما إليها.

وبعد فاسمحوا لي أيها السادة أن نذكر قبل إنهاء هذه الكلمة أولئك المجمعيين الأوائل وأن ننحني بخشوع أمام ذكراهم، ونحن نحتفل بعيد المجمع الذهبي، امام ذكرى الرؤساء الأساتذة الثلاثة محمد كردعلي مؤسس المجمع وخليل مردم بك والأمير مصطفى الشهابي وأمام ذكرى الأعضاء : الشيوخ طاهر الجزائري وسليم البخاري ومسعود الكواكبي وعبد القادر المبارك وعبد القادر المغربي وأمين سويد والأساتذة الياس قدسي وأنيس سلوم وسليم عنجوري وعبد الله رعد ومتري قندلفت ومحمد البزم وسليم الجندي ومعروف الأرناؤوط وفارس الخوري، والدكتورين جميل الخاني ومرشد خاطر والأستاذ عز الدين التنوحي.

واسمحوا لي ايضاً أن أشيد بصورة خاصة بالأساتذة الذين شاركوا في أعمال المجمعين في القاهرة ودمشق: محمد كرد علي وعبد القادر المغربي والأمير مصطفى الشهابي وعيسى إسكندر المعلوف. فقد كانوا نواة هذا التفاعل العميق بين القطر الشقيق الكبير الجمهورية العربية المتحدة وهذا القطر الصغير سورية.

أجزل الله ثوابكم وعوضّ العربية ما خسرته بفقدهم.

أيها السادة:

ختاماً، نتمنى أن يكون كل يوم من السنوات المقبلة أغنى عملاً وأوفر إنتاجاً ونأمل أن تكون السلطات عوناً لنا على كل ما نتمنى تجاوباً منها مع الغايات البعيدة، ووفاء منها لحركة القومية العربية المعاصرة في أغلى جانب من جوانبها.

وشكراً لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

                                                                                                                   الدكتور حسني سبح



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى