You dont have javascript enabled! Please enable it!
وثائق سوريا

مذكرة الجامعة العربية حول التطورات في فلسطين 14 أيار 1948

استقبل جميل مردم بك مساء الرابع عشر من أيار عام 1948 في دمشق ممثلي الدول العربية والأجنبية، وقدم إليهم المذكرة التي أعدتها اللجنة السياسية التابعة لمجلس الجامعة العربية حول تطورات الحرب في فلسطين عام 1948م.

أوضح مردم بك للممثلين السياسيين الحالة التي تمر بها فلسطين وأشار إلى الفوضى الضاربة أطنابها في كل مكان، وإلى تعدي القوات الصهيونية على العرب وقتل النساء والأطفال والشيوخ.

كما أشار إلى الروابط المدنية التي تجمع بينها وبين البلاد العربية كما أعرب عن ضرورة العمل الذي تقوم به الدول العربية مجتمعة في المحافظة على الأمن والنظام والقانون في فلسطين بعد أن انتهى الانتداب البريطاني.

وأعرب عن أمله بأن تسهل الدول مهمة الجيوش العربية لتأمين النظام وإعادة الأمن إلى نصابه حتى لا تتهم بأنها هي العاملة على الإخلال به وأشار إلى أن اعتراف بعض الدول واقعياً أو حقوقياً بدولة يهودية مزعومة لا يغير شيئاً من حقيقة الأمور فالحكومات ماضية بالقيام بواجبها الإنساني والقومي.

وفي نهاية اللقاء وزع على الممثلين نسخ من المذكرة وقال أنها أبلغت للأمانة العامة لمنظمة الأمم المتحدة، كما أبلغت للوفود العربية لدى منظمة الأمم المتحدة(1).


نص المذكرة:

1- كانت فلسطين جزءاً من الإمبراطورية العثمانية السابقة خاضعاً لنظامها ممثلاً في برلمانها، وكانت الأكثرية الساحقة لسكان فلسطين من العرب وبها أقلية يهودية ضئيلة تتمتع بما يتمتع به بقية السكان من حقوق وتتحمل ما يتحملون من أعباء، ولم تكن محل أي معاملة وجحفة بسبب عقيدتها الدينية، وكانت الأماكن المقدسة مصونة وحرية الوصول إليها مكفولة.

2- ولقد كان العرب يطالبون دوماً بحريتهم واستقلالهم فلما نشبت الحرب العالمية الأولى وأعلن الحلفاء أنهم يحاربون لتحرير الشعوب انضم العرب إليهم وحاربوا في صفوفهم لتحقيق أمانيهم القومية ونيل استقلالهم وقطعت إنكلترا على نفسها عهداً بالاعتراف باستقلال البلاد العربية في آسيا ومنها فلسطين فكان للعرب آثر ملحوظ اعترف به الحلفاء في احراز النصر النهائي.

3- ولقد أصدرت إنكلترا في عام 1917 تصريحاً أبدت فيه عطفها على إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين ولما علم العرب به احتجوا عليه. فطمأنتهم إنكلترا مؤكدة لهم أنه لا يغير حق بلادهم في النمو والاستقلال ولا يؤثر في الوضع السياسي للعرب في فلسطين.

ورغم بطلان هذا التصريح من الناحية القانونية فقد خسرته إنكلترا بأنه لا يرمي إلى أكثر من إنشاء مركز روحي لليهود في فلسطين، وأنه لا يخفي وراءه مقاصد سياسية كإنشاء دولة يهودية كما صرح زعماء اليهود.

4- ولما انتهت الحرب لم تف إنكلترا بوعدها بل وضع الحلفاء فلسطين تحت نظام الانتداب وعهدوا بها إلى إنكلترا بمقتضى نص على إدارة البلاد لمصلحة أهلها وتهيئتها للاستقلال الذي اعترف ميثاق جمعية الأمم أن فلسطين أهل لها.

5- ولقد سارت إنكلترا بفلسطين سيرة مكنت لليهود من إغراقها بسيول المهاجرين وساعدتهم على التمركز في البلاد – رغم أنه ثبت أن كثافة السكان في فلسطين تجاوزت مقدرة البلاد الاقتصادية على استيعاب المزيد من المهاجرين- ولم ترع للسكان العرب مصالح ولا حقوقاً وهم أصحاب البلاد الشرعيون فكانوا يتبعون مختلف الوسائل للإعراب عن قلقهم وغضبهم من هذه الحالة الضارة بكيانهم ومصيرهم، ولكنهم كانوا يقابلون بالأعراض والسجن والتشريد.

6- ولما كانت فلسطين قطراً عربياً واقعاً في قلب البلاد العربية تربطه بالعالم العربي روابط بالعالم العربي روابط عديدة- روحية وتاريخية واستراتيجية فقد اهتمت البلاد العربية، بل والشرقية- حكومات وشعوباً- بأمر فلسطين وآثارت قضيتها في المحافل الدولية ولدى إنكلترا مطالبة بحلها وفق العهود المقطوعة من الدول الديمقراطية.

ولقد عقد بلندن في أوائل عام 1939 مؤتمر المائدة المستديرة لبحث قضية فلسطين واستنباط الحل العادل لها.

واشتركت حكومات الدول العربية فيه وطالبت بالمحافظة على عروبة فلسطين ومنحها استقلالها.

وقد انتهى هذا الأمر إلى إصدار كتاب بيفن حددت فيه إنكلترا سياستها تجاه فلسطين واعترفت فيه باستقلالها وتعهدت بوضع النظم المفضية إلى ممارسة خصائصه وأعلنت أن التزاماتها الخاصة بإنشاء الوطن القومي اليهودي قد استنفدت لأن هذا الوطن قد أنشأ بالفعل، ولكن السياسة التي رسمها هذا الكتاب لم تنفذ مما أدى إلى ازدياد الحالة سوءاً، وإلى تفاقم الأمور ضد مصلحة العرب.

7- وفي الوقت الذي كانت الحرب العالمية الثانية دائرة الرحى. أخذت حكومات الدول العربية تتشاور في توثيق تعاونها وزيادة أسباب تضامنها. وضم صفوفها تأميناً لحاضرها ومستقبلها ومساهمة منها في إقامة صرح العالم الجديد على أسس ثابتة. وكان لفلسطين في هذه المباحثات مكانتها من الاهتمام والعناية وقد انتجت هذه المباحثات إنشاء جامعة الدول العربية أداة لتعاون الدول العربية على ما فيه أمنها وسلمها وخيرها.

وأعلن ميثاق جامعة الدول العربية أن فلسطين بلد مستقل منذ انسلخ من الإمبراطورية العثمانية، ولكن مظاهر استقلاله ظلت محجوبة لأسباب خارجة عن إرادة أهلها، وكان من المصادفات التي علقت عليها الدول العربية أكبر الآمال أن أنشأت الأمم المتحدة بعد ذلك بقليل وقد ساهمت في إنشائها وفي عضويتها إيماناً منها بالمثل العليا القائمة عليها هذه المنظمة.

8- ومنذ ذلك الحين لم تدخر الجامعة العربية وحكوماتها وسعاً في ولوج سبيل سواء مع الدولة المنتدبة أو مع الأمم المتحدة لاستنباط حل عادل لقضية فلسطين قائم على الأسس الديمقراطية الصحيحة، ومتفق مع أحكام ميثاق عصبة الأمم والأمم المتحدة ويكتب له البقاء ويكفل الأمن والسلم في البلاد ويفتح أمامها سبيل التقدم والرخاء.

ولكن الوصول إلى مثل هذا الحل كان يرتطم دواماً بمطالب الصهيونيين الذين هاجروا بإنشاء دولة يهودية بعد أن استعدوا بالقوات المسلحة وبالحصون والاستحكامات لمقابلة كل من يقف في سبيلهم بالقوة.

9- ولما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 21 نوفمبر 1947 توصيتها الخاصة بحل قضية فلسطين على أساس إنشاء دولة عربية وأخرى يهودية فيها مع مدينة القدس تحت وصاية الأمم المتحدة نبهت الدول العربية إلى ما ينطوى عليه هذا الحل من مجافاة لحق شعب فلسطين في الاستقلال الناجز وللمبادئ الديمقراطية ولأحكام ميثاق عصبة الأمم والأمم المتحدة وأعلنت رفض العرب له. وأنه لا يمكن تنفيذه بالوسائل السلمية وإن فرضه بالقوة يهدد السلم والأمن في هذه الساحة.

ولقد أصبح ما توقعته الدول العربية وأنذرت به فإن الاضطرابات ما لبثت أن عمت فلسطين واصطدم الفريقان وأخذا في التطاحن والتقاتل وسالت دماءهما وعندئذ أخذت الأمم المتحدة تنتبه إلى خطأ قرارها بالتقسيم وهي لا تزال تبحث عن مخرج من هذه الحالة.

والآن وقد انتهى الانتداب البريطاني على فلسطين من غير أن ينشأ في البلاد سلطة دستورية شرعية تتمكن من صون الأمن واحترام القانون وتؤمن السكان على أرواحهم وأموالهم فإن حكومات الدول العربية تعلن ما يأتي:

أولاً- إن حكم فلسطين يعود إلى سكانها طبقاً لأحكام ميثاق عصبة الأمم والأمم المتحدة ولهم وحدهم حق تقرير مصيرهم.

ثانياً- لقد اضطرب حبل الأمن واختل النظام في فلسطين وأدى العدوان الصهيوني إلى نزوح ما ينيف على ربع مليون من سكانها العرب عن ديارهم والتجائهم إلى البلاد العربية المجاورة وكشف الأحداث الواقعة في فلسطين عن نوايا الصهيونيين العدوانية ومآربهم الاستعمارية مما ارتكبوا من فظائع ضد السكان العرب الآمنين لاسيما في قرية دير ياسين وطبريا وغيرها كما أنهم لم يرعوا حرمة القناصل فقد اعتدوا على قنصليات الدول العربية في القدس.

وبعد أن انتهى الانتداب البريطاني لم تعد السلطات البريطانية مسؤولة عن أمن البلاد إلا بالقدر الذي يمس قواتها المنسحبة وفي الجهات التي تكون فيها هذه القوات وقت الانسحاب كما أعلنت ذلك، وهذا الوضع يجعل فلسطين خالية من كل جهاز حكومي قادر على إعادة النظام وحكم القانون إلى البلاد وتأمين السكان على أرواحهم وأموالهم.

ثالثاً- تهدد هذه الحالة بالانتشار إلى البلاد العربية المجاورة حيث الشعور ثائر بسبب الأحداث الواقعة في فلسطين وحكومات الدول الأعضاء في الجامعة العربية وفي الأمم المتحدة يساورها شديد القلق وبالغ الاهتمام بهذه الحالة.

رابعاً- كانت هذه الحكومات ترجو لو أن الأمم المتحدة وفقت إلى استنباط الحل السلمي العادل لقضية فلسطين وفق المبادئ الديمقراطية وأحكام ميثاق عصبة الأمم والأمم المتحدة فيسود هذا الجزء من العالم الأمن والسلم والرخاء.

خامساً- إن حكومات الدول العربية مسؤولة عن حفظ الأمن والسلم في ساحتها بوصفها أعضاء في الجامعة العربية، وهي منظمة إقليمية بالمعنى الوارد في أحكام الفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة، وهذه الحكومات ترى في الأحداث الواقعة في فلسطين تهديداً جدياً مباشراً للسلم والأمن في ساحتها عموماً وبالنسبة لكل منها بالذات.

سادساً- لذلك ونظراً لأن أمن فلسطين وديعة مقدسة في عنق الدول العربية ورغبة في وضع حد لهذه الحالة وفي منعها من أن تتفاقم وتتحول إلى فوضى لا يعلم مداها أحد ورغبة في منع انتشار الاضطراب والفوضى من فلسطين إلى البلاد العربية المجاورة وفي سد الفراغ الحادث في الجهاز الحكومي بفلسطين نتيجة لزوال الانتداب وعدم قيام سلطة شرعية تخلفه قد رأت حكومات الدول العربية نفسها مضطرة إلى التدخل في فلسطين لمجرد مساعدة سكانها على إعادة السلم والأمن وحكم القانون إلى بلادهم وحقناً للدماء.

سابعاً- تعترف حكومات الدول العربية إلى استقلال فلسطين الذي حجبه حتى الآن الانتداب البريطاني قد أصبح حقيقة واقعة فسكان فلسطين الشرعيين هم وحدهم أصحاب الحق في تزويد بلادهم بالنظم والمؤسسات الحكومية بمطلق سيادتهم وسلطانهم وهم الذين يمارسون خصائص استقلالهم بوسائلهم الخاصة دون أي تدخل خارجي من أي نوع كان بمجرد أن يعود إلى البلاد الأمن والسلام وحكم القانون.

وعندئذ يقف تدخل الدول العربية وتتعاون دولة فلسطين المستقلة مع دول الجامعة العربية على كل ما فيه أمن وسلم ورخاء هذا الجزء من العالم.

وحكومات الدول العربية تؤكد في هذه المناسبة ما سبق لها أن أعلنته أمام مؤتمر لندن والأمم المتحدة من أن الحل الوحيد العادل لقضية فلسطين هو إنشاء دولة فلسطينية موحدة وفق المبادئ الدمقراطية يتمتع سكانها بالمساواة التامة أمام القانون ويكفل للأقليات فيها جميع الضمانات المقررة في البلاد الدمقراطية الدستورية وتصان الأماكن المقدسة وتكفل حرية الوصول إليها.

ثامناً- تعلن الدول العربية بما لا يقبل مزيداً من التأكيد أن هذه الاعتبارات والأهداف هي وحدها التي اقتضتها أن تتدخل في فلسطين وأنها لا يحدوها إلى مجرد وضع حد للأحوال السائدة فيها، ولهذا فهي وطيدة الثقة في أن يلقى عملها هذا تأييد الأمم المتحدة باعتباره رامياً إلى تحقيق أهدافها واعلاء مبادئها كما نص ميثاقها.


(1) صحيفة ألف باء- دمشق، العدد 7759 الصادر في يوم الأحد السابع عشر من أيار عام 1948م.



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى