You dont have javascript enabled! Please enable it!
مقالات

فخري البارودي: هل من مساعد؟ (1- 3)

نشر فخري البارودي عدة مقالات في صحيفة المقتبس حول موضوع التشرد في شوارع دمشق، وجاء المقال الأول بعنوان: (هل من مساعد؟)، تناول فيه مشكلة التسول وطرح حلاً لمعالجة التسول عبر تأسيس جمعية متخصصة ترتبط ببلدية دمشق فضلاً عن إعادة تنشيط مشروع التكية السليمانية.

نص المقال:

(العاقل حينما يرى المتسولين وأبناء السبيل وانتشارهم في هذه البلدة انتشار الجراد نجد منهم العاجز والعاجزة والشاب والشابة والصبي والبنية وكلهم جعلوا مهمتهم التسول إذ لا رأس مال لهذه الصنعة الدنيئة وأن كثيرين منهم ليقدرون على اكتساب رزقهم من غير هذا الوجه أي من وجهة شريفة.

وإني وجدت أن الذنب ليس على هؤلاء فقط بل على الذين ييسرون لهم الأشتغال بهذه المهنة الحقيرة. أنا لا ألوم القوم بأجمعهم لأن كثيراً منهم من يتذمر من هذه الحالة ولكنهم غير قادرين على إجراء ما من شأنه إصلاح هؤلاء الساسانية وخلاص البلدة منهم.

أليس من العار على بلدة كدمشق زهرة البلدان وزينة البلاد العثمانية أن تبقى على ما هي عليه من وجود هؤلاء المتسولين، وأهلها على ما يعهد الجميع فيهم من الحزم والأقدام.

أليس من العار بقاء هؤلاء المتشردين بين أهاليها لا شغل لهم إلا ابتزاز الأموال بصورة دنيئة تشمئز منها النفوس وتأباها الطباع السليمة.

هذا عدا عما ينشأ عن بقائهم من الحالات المؤلمة وهي كثيرة جداً إذا أردنا حصرها لا يتسع لها حجم هذه الجريدة بل ولا المجلدات الضخام، منها وفاة المرحوم الشيخ مصطفى الحلاق وحكايته مع ذلك التسول مشهورة لا لزوم لذكرها الآن، ولطالما فكرت بإيجاد وسيلة لمنع هؤلاء المتسولين عن الاستعطاء ورفع نيرهم عن عاتق هذه البلدة التي أصبحت في أعين الغرباء أضحوكة لما يجري من متسولين في أيام المآتم وخصوصاً في “الثلاثة أيام والخميس والمواسم المعتادة” عند أهالي البلدة.

وقد وجدت بعد التفكر طريقة ربما تكون الدواء الوحيد لهذه العلة وخلاص الأهالي من تصديع هؤلاء المتشردين، ورفع آذاهم عنهم أن لكثير من هؤلاء المتسولين املاكاً ودوراً  ولكنهم لا يتركون هذه المهنة التي كانت سبباً في غناهم.

حدثني أحد أصدقائي عن صبي يتباكى في زقاق رامي أمام ساحة الاتحاد، وكلنا يعرف ذلك الصبي أ،ه كان يحدث رفيقاً له عن كسبه في نهاره وهو متأفف من راتبه اليومي لأنه قليل بالنسبة إلى أيامه السابقه. فهل يقدر القارئ أن يحذر كم كان دخله في ذلك النهار الذي يتأفف منه.

إن دخله كان عشرين غرشاً فقط، ولهذا فهو غير مسرور. أخبروني بربكم من منا نحن السوريين لا يتمنى أن يكون له مثل هذا الدخل. هذا وماحدثني به صديقي فها نترك هؤلاء المتسولين عالة علينا دون أن ننتفع منهم.

وبعد فما ضرنا لو وجدنا لهم ما يعملون به أما كنا خلصناهم من هذه المذلة، وفتحنا أبواباً يكتسبون أموالهم منها وهم رافعو رؤوسهم افتخاراً بما تكسبه أيديهم.

هذا عدا عن تخلصينا الأهالي من السرقات وغيرها وفي بعض الآحايين من الجنايات الكبيرة التي لا تخطر في بال إنسان.

والآن فلندخل إلى الموضوع بعد هذه المقدمة الصغيرة ونشرح للقراء الخطة التي عزمت عليها عليّ أجد من يساعدني فنخلص هذه البلدة من المذكورين بطريقة لا تكلفنا أكثر من تعب سنة أو سنتين.

إن الطريقة التي ارتأيتها هي تأسيس جمعية “باسم إسعاف البائس” تربط بدائرة البلدية بشرط أن يكون للبلدية حق النظر على أعمالها فقط دون أن تتدخل في شؤونها الإدارية وأن تكون تحت رئاسة الوالي الفخرية، وأن يكون الأعضاء العاملون عشرين عضواً ورئيساً وكاتباً للإدارة مع أمين الصندوق.

وأما وظيفة الجمعية فهي أولاً إعادة تكية السلطان سليم إلى ما كانت عليه منذ وقفها المغفور له ساكن الجنان السلطان سليم خان ومراجعة شروط الوقف، وإعادة جميع وارداتها إليها وعمارتها أو إجبار دائرة المحاسبة والبلدية وغيرها من الدوائر التي استولت على الكثير من غرفها أو جعلتها مستودعاً لدفاترها القديمة  على تخلية هذه الغرف وجعل هذه التكية داراً للعجزة.

ثانيا السعي بكل جهد وراء الحكومة لتطبيق قانون المتشردين على هؤلاء المتسولين ووضع العاجز منهم في هذه التكية. وأما المجذوب والمجنون وغيرهم من الذين يدورون في الشوارع معرضين عورتهم للرجال والنساء مع من كان من هؤلاء المتسولين مصاباً بعلة يرجى شفاؤها فيعنى بإدخالهم إلى المستشفى البلدي ودفع قدر معلوم على هؤلاء للمستشفى المذكور لإعالتهم وتطيبهم.

ثالثاً- افتتاح مكتبين للإناث والذكور وهذان المكتبان لتعليم هؤلاء الصغار الخدم البيتية من طبخ وغسيل وكي الملابس وغيرها لأن هذه البلدة في حاجة عظمى للخدام والخادمات المتخرجين من ومدارس ولو ابتدائية.

أما إيراد الجمعية فهو غير عسير لأنه لا يوجد رجل مهما كان فقيراً لا يدفع سنة للمتسولين ربع ريال إلى الأقل إذ المتليك والنحيس مع المدة تجمع كثيراً.

وإني أعلم يقيناً بأن الأهالي لا يتأخرون عن دفع شيئ معلوم في السنة لهذه الجمعية لقاء خدمتها لهم وهم على كل يدفعون هذا المبلغ بل أكثر منه مع تحمل قحة المتسولين وسفاهتهم.

كما أن أصحاب المأتم لا يحرمون هذه الجمعية مما تجود به أنفسهم عوضاً عما يدفعون هذه الدراهم إلى هؤلاء الساسانية يوم المآتم في الأزقة بين الضجيج، هذا مع خلاص الأهالي من دعائهم على الميت وخلاصهم من سباب الأموات وشتمهم.

إني على يقين بأن الأهالي يدفعون مرتباً سنوياً أو مقسطاً لو في السنة مرتين لأجل الخلاص من هؤلاء الأجلاف.

هذا وأن الأعضاء مجبورون على إيجاد أشغال للشبان الذين يستعملون هذه المهنة والإستعانة عليهم بواسطة الحكومة المحلية، ولا أظن بأن واليها المحبوب يمتنع عن معاونة جمعية هذه غايتها.

وإني لأرجو من الأدباء والكتاب البحث في هذا الموضوع وشرحه شرحاً أدبياً ليفهمه الكبير والصغير علنا نقدر استئصال شأفة المتسولين وايوائهم وخلاص البلدة منهم، وليس ذلك على بلاغتهم بعزيز.

كما أني أطلب من شباننا الغيوريين الذين يعرفون من أنفسهم الكفاءة على العمل دون أن يتركوا أشغالهم أن يراجعوني لنتدبر هذا الأمر بحكمة وروية علنا نحصل على بغيتنا، ونربح الأهالي من هذه العالة ونرضي الإنسانية بانتشال أبنائنا من وهدة الذل والجهل .. والله لا يضيع أجر من أحسن علماً.

فخري البارودي

المصدر
صحيفة المقتبس- بيروت، العدد 908 الصادر يوم الاثنين التاسع عشر من شباط عام 1912م.



 أحداث التاريخ السوري بحسب السنوات


سورية 1900 سورية 1901 سورية 1902 سورية 1903 سورية 1904
سورية 1905 سورية 1906 سورية 1907 سورية 1908 سورية 1909
سورية 1910 سورية 1911 سورية 1912 سورية 1913 سورية 1914
سورية 1915 سورية 1916 سورية 1917 سورية 1918 سورية 1919
سورية 1920 سورية 1921 سورية 1922 سورية 1923 سورية 1924
سورية 1925 سورية 1926 سورية 1927 سورية 1928 سورية 1929
سورية 1930 سورية 1931 سورية 1932 سورية 1933 سورية 1934
سورية 1935 سورية 1936 سورية 1937 سورية 1938 سورية 1939
سورية 1940 سورية 1941 سورية 1942 سورية 1943 سورية 1944
سورية 1945 سورية 1946 سورية 1947 سورية 1948 سورية 1949
سورية 1950 سورية 1951 سورية 1952 سورية 1953 سورية 1954
سورية 1955 سورية 1956 سورية 1957 سورية 1958 سورية 1959
سورية 1960 سورية 1961 سورية 1962 سورية 1963 سورية 1964
سورية 1965 سورية 1966 سورية 1967 سورية 1968 سورية 1969
سورية 1970 سورية 1971 سورية 1972 سورية 1973 سورية 1974
سورية 1975 سورية 1976 سورية 1977 سورية 1978 سورية 1979
سورية 1980 سورية 1981 سورية 1982 سورية 1983 سورية 1984
سورية 1985 سورية 1986 سورية 1987 سورية 1988 سورية 1989
سورية 1990 سورية 1991 سورية 1992 سورية 1993 سورية 1994
سورية 1995 سورية 1996 سورية 1997 سورية 1998 سورية 1999
سورية2000

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى