مقالات
خالد محمد جزماتي : الشيخ سعيد عبد الغني الجابي (4)
خالد محمد جزماتي – التاريخ السوري المعاصر
الـشـيـخ سـعـيـد عـبـد الـغـنـي الـجـابـي (4)
1879 (1872) -1948
بعد وفاة شيخ الطريقة النقشبندية في حماة الشيخ محمود الحامد ستة 1916 قل نشاط أتباعه، وتعرض الناس بشكل عام لتداعيات ونتائج الحرب العالمية الأولى من فقر ومرض وظلم، ولكن نشاط تلك الطريقة الصوفية النقشبندية عاد وبشكل قوي وفعال على يد الشيخ الحمصي محمد أبو النصر خلف الجندي العباسي ( 1875 — 1949) ودعا بشكل قوي على مزج المعرفة العلمية بالتقوى الصوفية، وتوج نشاطه بالتوجه الى الطبقات الفقيرة في المدن الصغيرة والأرياف الفقيرة مع العلم أن الشيخ محمد أبو النصر خلف ينحدر من عائلة غنية تصفها بعض المراجع بأنها ” أرستقراطية ” ، وهكذا ذاع صيته وكثر أتباعه من المشايخ ومن عامة الشعب ومختلف طبقاته وخاصة الفقيرة منها ، ولكن أبرز من اتبعه في حماة بشكل مبكر هو الشيخ ” حسين الخطيب ” ( بالأصل هو من أتباع والد أبو النصر ومن مواليد قرية طيبة الامام القريبة من حماة بجهة الشمال )، ومن بعده الشيخ محمد الحامد (1910-1969) الذي تأثر بخاله الشيخ سعيد الجابي وبمنهجه الاصلاحي السلفي أول تلقيه العلم، والذي يمكن تلخيصه قي أمرين اثنين :
— الرد على خصوم الاسلام من دعاة الالحاد والتبشير .
— محاربة البدع والخرافات والمخالفات الشرعية .
ولكن الشيخ محمد الحامد اتبع منهجا شرعيا اصلاحيا خاصا به بعد سفره الى حلب للدراسة في المدرسة الخسروية الشرعية …..ولما تفاقم الخلاف بين اشيخ سعيد الجابي وبين بعض مشايخ الطرق الصوفية، بعد أن سفّه الشيخ عقولهم وعمل على ابعاد العوام من الناس عنهم ، وكان قد نجح قبل ذلك في التحالف مع كثير من الفعاليات المثقفة من رجالات حماة الوطنيين …ومن شدة حقد خصومه عليه لجأ اولئك الى شكايته للمستشار الفرنسي، فأشار عليهم السفر الى دمشق والتقدم بشكواهم على الشيخ سعيد لرئيس الوزراء حينئذ الشيخ تاج الدين الحسني، فأصاب البعض منهم الحيرة وأحاط بقلوبهم الغم، فاقترح أحدهم قبل اتخاذ القرار بالسفر الى دمشق اللجوء بالشكوى على الشيخ سعيد الجابي للقاضي الشرعي الحنفي بحماة ..!
وهكذا أقاموا دعوى أصولية على الشيخ سعيد الجابي متهمين اياه بالتهجم على المذهب الحنفي وتسفيه أقوال الأئمة وغير ذلك من الاتهامات ..! فاستدعاه القاضي (والقاضي يعلم ما يجري من صراعات داخلية محلية، وما يحدث بين الوطنيين والحكام الفرنسيين والموالين لهم) ..فسأل القاضي الشيخ سعيد بعد اطالة النظر اليه : مـا تــقــول فـي الــشــريــعــة الاســـلامـــيـــة ..؟
فأجاب شيخنا بكل ثقة وثبات : ” الشريعة الاسلامية هي خير شريعة أخرجت للناس ، ولقد جاء بها صلى الله علية وسلم ، وبها دين الله وعليه أموت ان شاء الله ، وانني لم أتهجم على شريعة أُنزلت من عند الله على قلب محمد صلى الله عليه وسلم كي يُخرج الناس من الظلمات الى النور والتي جاء وصفها بقوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم، ورضيت لكم الاسلام دينا )، ولكنني تهجمت على ما عليه الطائفة التي جعلت لنفسها العصمة والطاعة العمياء ، وما تحمل من بدع وخرافات أبعدت المسلمين عن الدين الصحيح، وزجّتهم في حبال شرك التصوف والشعوذات الى أن رمتهم في أحضان المستعمرين ، وهم يرددون ” لــيــس بالامــكــان أبــدع مــما كــان ” وان لهذا الأمر ظاهرا وباطنا . فالظاهر هو الأخذ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والباطن هو الأخذ مباشرة بلا واسطة وحـي .
فأهل الظاهر يأخذون أحكام دينهم ” مــيــتــا عـن مــيــت ” ، وأما نحن فنأخذ ديننا ” عـن الــحــي الــذي لا يــمــوت ..أناشدك الله هل دينهم هذا من عند الله ؟ ..فاني واياك واياهم أمام اّية من كتاب الله عز وجل ( ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب اولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ) …
فأجابه القاضي : ” اذهــب حــيــث أمــر الـلـه ولا تــخــش الــنــاس ……وأحاط الفرح والسعادة بالشيخ سعيد الجابي ، ولكن القاضي عاجله بسؤاله الثاني :
مـا قــولــك فـي الأئــمة الأربــعــة ..ويعني : أبــا حــنــيــفــة — والشـافـعـي ، ومـالـكـا ، وابـن حـنـبـل : ……فــأجــابــه : ” هـم أئـمـة أجـلاء لـهم مـاّخـذهـم الـفـقـهـيـة ، ولـسـنـا مـلـزمـيـن بـها مـا لـم تـثـبـت بالـكـتـاب والـسـنـة ” ..وان مذهبنا كما قالوا ( لا مسوغ للاجتهاد في مورد النص ) ونحن نحترمهم ونجلهم لقولهم : اعرضوا كلامنا على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فان صحّ فخذوه به ، والا فاضربوا به عرض الحائط ، ونحن نجعل من كان هكذا كلامه في مصاف الأولياء والصالحين ..
وتابع الشيخ سعيد قائلا : قـاتـل الـلـه أهـل الـبـغـي والـعـدوان الـذيـن لا يـهـمـهم مـن ديـنـهـم ودنـيـاهـم الا قـيـل وقـال ،وقـتـل الـوقـت بالـخـزعـبـلات والـتـشـويـش على النـاس فـي أمـر ديـنـهـم ودنـيـاهـم …وكرر القاضي قوله للشيخ سعيد الجابي : ادهـب حـيـث أمر الـلـه ولا تـخش الناس ….
وهكذا أخفق خصوم الجابي في دعواهم أمام القاضي الحنفي في حماة، فقرروا متابعة شكواهم عليه في دمشق لرئيس الوزراء تاج الدين الحسني وكان ذلك عام 1934
انظر:
خالد محمد جزماتي : الشيـخ سعيـد عبد الـغني الجابي (1)
خالد محمد جزماتي : الشيخ سعيد عبد الغني الجابي (2)
خالد محمد جزماتي : الشيخ سعيد عبد الغني الجابي (3)