مقالات
حمصي فرحان الحمادة: التقويم الرقي عام 1906 ..سنة المهاجرية
حمصي فرحان الحمادة – التاريخ السوري المعاصر
في أوائل ربيع عام 1906م، وصلت إلى الرقة حوالي خمسين عربة تحمل مهاجرين من بلاد القفقاس، فاستقبلتهم السلطة العثمانية بالترحاب، وشاطرهم الأهالي دورهم، ثم أقطعتهم الدولة أرضاً للسكن في المنطقة الغربية خارج السور القديم.
شاهد الرحالة الألماني هرتزفلد عام 1907، بداية بناء الحي الجديد.
كانت حارات بلدة الرقة القديمة، قد بنيت عشوائياً دون تخطيط منظم، ما جعل الأزقة أشبه بالمتاهات، ولا يزال يطلق على نواة البلدة “السبع دربات”.
بينما بنيت حارة الشراكسة على أسس معمارية واضحة المعالم، اعتمدت الشكل الشطرنجي في تقاطع الشوارع المستقيمة، وتم بناء الحوش بالأجر المنتزع من الآثار القديمة والطين والجص.
كانت الغرف تبنى على الأطراف حول الباحة السماوية، وفي طرف الحوش يوجد البئر والمرحاض، وكانت الحواش نماذج متكررة، ولا تنوع فيها ما عدا قصر طالستان بك آنزور، الذي بناه على شاكلة القصر الذي خلفه في أرض الوطن في القفقاس.
وضع مسجد الحي في الجبهة الجنوبية في مكان متوسط، بين نهاية الشوارع الأربعة الممتدة من الشمال نحو الجنوب، وكان آخر بناء في الحي عام 1908م، وكان الرجال يقطعون اللبن ويعمرونه والنسوة يقدمن الطين ويطلين الجدران.
كيف واجه المهاجرون الجدد حياتهم؟
وزعت الدولة العثمانية على كلّ أسرة منهم أرضاً زراعية مروية في منطقة البليخ، تقدر بمبذر عشرة شنابل أو “80” دونماً، وأعطتهم البذار “قمح وشعير” وزودتهم بحيوانات للحراثة والجر “خيل وبغال”.
ولكن المناخ كان قاسياً عليهم، إنه شبه صحراوي، فاجتاحتهم الأمراض الوبائية، وحصد الموت بعض العائلات.
وفي تلك السنين الخوالي كانت الأمراض الوافدة والجائحات وسنوات الحرب تحصد الناس كما حدث في سنة 1916م سنة الجوع وسنة 1917 سنة الوجع. وفي هذه السنة توفي نصف المهاجرين ورجع كثير من الباقين إلى أنطاكية، وبعضهم هاجر إلى خناصر (1).
(1) حمادة (حمصي فرحان)، التقويم الرقمي بين عام 1709 – 1988، توتول للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق 2022م.